بقدر ما كان لمقتل رئيس حركة حماس يحيى السنوار من زخم درامي وتأثير في صورة المقاوم العنيد للاحتلال، رغم محاولات تشويهها صهيوأمريكيًا على مدار عام كامل من العدوان وإبادة غزة، بقدر ما يمكن اعتبار هذا الرحيل المفاجئ للسنوار في زخم العدوان على قطاع غزة، بداية لمرحلة جديدة على مستوى الحرب والتفاوض، تحاول واشنطن استغلاله للوصول إلى أفضل صفقة تخدم مصالحها ومصالح حليفتها الأولى في المنطقة؛ إسرائيل.

يقول الباحث ديفيد ماكوفسكي مدير "مشروع كوريت" حول "العلاقات العربية الإسرائيلية"، في تحليل سياسي بـ معهد واشنطن، إن اللحظات التي تتيح فرصًا للتغيير في الشرق الأوسط نادرة ومحدودة، وإن رئيس حركة حماس يحيى السنوار يمثل واحدة من تلك اللحظات. لكن إذا لم تغتنم واشنطن الفرصة بسرعة، فقد تضيع هذه اللحظة، وتعود الأوضاع إلى سابق عهدها.
وقد بدأ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن جولة حساسة في الشرق الأوسط، تتزامن مع تصاعد التهديدات الإسرائيلة لإيران، تهدف إلى تعزيز فرص استقرار الأوضاع، مستفيدًا من التغييرات الأخيرة. وركّزت الزيارة على بحث سُبل التهدئة بعد مقتل السنوار، واستكشاف فرص لدعم الخليج لإعادة إعمار غزة، بالإضافة إلى دفع لبنان نحو استعادة سيادته من "حزب الله".

ماذا يعني مقتل السنوار؟
يقدم ماكوفسكي رؤية عن الأولويات التي ينبغي على واشنطن وإسرائيل التركيز عليها في هذه المرحلة المفصلية، مع تسليط الضوء على تأثير تلك التغييرات على العلاقات الإسرائيلية-العربية.
اقرأ أيضًا: "الشوك والقرنفل" قراءة في سيرة السنوار يحيا
وهو يرى أن مقتل السنوار ساهم في خلق حالة من الارتباك في هيكل صنع القرار داخل "حماس". وأدى هذا الحدث إلى تحول التركيز من القيادات العسكرية في غزة إلى القيادة السياسية في قطر. وهو ما يمثل فرصة للضغط على قطر لاستخدام نفوذها على القيادات المقيمة في الدوحة مثل خالد مشعل وخليل الحية، لتوجيه القرارات نحو التهدئة. ولكنه يتوقع أيضًا نشوء انقسام داخلي بين قيادة غزة وقطر، مما قد يُعقد مسار التفاوض.
بعد السنوار.. كيف شكل الصفقة القادمة؟
يرى ماكوفسكي أن أمام واشنطن وإسرائيل خيارين في مسألة غزة:
صفقة من مرحلة واحدة: تشمل إطلاق سراح جميع الرهائن دفعة واحدة مقابل انسحاب إسرائيلي كامل من غزة.
صفقة متعددة المراحل: تتضمن إطلاق سراح الرهائن على ثلاث مراحل، مع تأجيل مسألة الانسحاب حتى المرحلة الثانية.
ويعكس هذا الخيار الثاني محاولة للحفاظ على التوازن بين التهدئة وضمان استمرارية القتال ضد "حماس". من ناحية أخرى، يشير الاستطلاع الأخير في إسرائيل إلى أن الرأي العام منقسم حول إعطاء الأولوية للرهائن أو استمرار القتال، مما يشكل تحديًا سياسيًا في الداخل الإسرائيلي وعلى مستوى الإدارة الأمريكية التي تريد فترة رئاسية جديدة بلا أزمة حرب شاملة في الشرق الأوسط.

المساعدات واليوم التالي في غزة
يقول ماكوفسكي إن مسألة "اليوم التالي" بعد حكم "حماس" لا تزال محور جدل سياسي، خاصة في ظل تهديدات الأحزاب اليمينية المتطرفة في الحكومة الإسرائيلية بإسقاطها في حال عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة. ومع ذلك، يُدرك بلينكن أهمية إيجاد كيان شرعي يتولى إدارة غزة، مع ربطه بالسلطة الفلسطينية بشكل فضفاض، لتأمين الدعم المالي من دول الخليج.
وقد بدأت بالفعل محادثات بين مسؤولين إسرائيليين وخليجيين حول إنشاء هيئة دولية لإعادة إعمار غزة.
يقول ماكوفسكي إن من شأن إشراك تكنوقراط فلسطيني في قيادة هذه الهيئة أن يمنح الثقة لدول الخليج لضمان عدم تبديد أموالهم في مشروعات فاسدة. لكنه يعود إلى الإشارة لأزمة المساعدات الإنسانية كأحد التحديات الرئيسية في غزة. ويذكّر بتحذير بلينكن لإسرائيل بأن الدعم العسكري الأمريكي قد يكون في خطر، إذا لم يتم تسريع تسليم المساعدات، بما يعكس قلق الإدارة الأمريكية من ردود فعل الكونجرس بشأن هذا الملف.
الوضع في لبنان: استعادة السيادة وتطبيق القرار 1701
وفيما يتعلق بلبنان، يلفت ماكوفسكي إلى الإفادات غير الرسمية إلى أن إسرائيل تسعى لإنهاء البحث عن أسلحة "حزب الله" في غضون أسبوع. ومع تزايد التحديات الأمنية، تسعى إسرائيل لسماع تقرير المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين حول المحادثات في بيروت.

ويؤكد ماكوفسكي على أهمية تعزيز الدولة اللبنانية لاستعادة سيادتها من "حزب الله"، عبر تطبيق "قرار مجلس الأمن رقم 1701" الذي يدعو لنزع سلاح الميليشيات، وفقًا لـ"قرار مجلس الأمن رقم 1559".
ويختتم بالتشديد على أهمية التحرك الأمريكي السريع لتحقيق تقدم في الملفات الشائكة في غزة ولبنان، على أن يكون ذلك ضمن مسعى أوسع لتعزيز العلاقات الإسرائيلية-العربية، خصوصًا مع دول الخليج، وضمان أن تكون نتائج التدخلات الدبلوماسية مستدامة. وهو يرى أن اللحظة الحالية تتيح فرصة استثنائية لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية، ولكنها تتطلب تنسيقًا محكمًا وإرادة سياسية قوية.