“جابت لنا العار وحطت راسنا في الطين وفضحتنا..” هكذا يُبرر أب قتل ابنته، وهكذا يتردد في وقائع قتل مماثلة يقوم فيها الأخ بقتل أخته، والزوج بانهاء حياة زوجته، متسلحين بالمادة 60 لسنة 1937 من قانون العقوبات، في وقت تتزايد فيه المطالب باصدار قانون موحد لمكافحة العنف ضد المرأة.
وتلاحق الانتقادات الحقوقية المادة 60 من قانون العقوبات المصري التي تنص على أنه “لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة”.
وظهرت المادة 60 لسنة 1937، في القانون على يد محمد صبري أبو علم وزير العدل “الحقانية” وقتذاك، ومنذ ذلك الحين حتى آخر تعديل على القانون في 15 أغسطس 2021، يتم الاستناد إليها في حالات الهروب من العقوبات في جرائم العنف ضد المرأة، في الضرب والقتل على حد سواء.
تبرير العنف ضد النساء
في إحدى قرى محافظة المنيا بصعيد مصر في أبريل 2020، قتل رجل زوجته بعد أن اتهمها بالخيانة الزوجية، وفي أثناء التحقيقات، استند القاتل إلى ما يُعرف بجرائم الشرف لتخفيف العقوبة، مشيراً إلى أن قتل زوجته كان نتيجة غضبه ودفاعه عن شرفه، واستند محاميه في الدفاع إلى المادة 60 من قانون العقوبات ليكون “قتلًا على أساس الشرف”.
وفي ديسمبر الماضي، بمحافظة الشرقية، قام أب بقتل ابنته وألقى جثمانها بترعة الشباب مركز أبو حماد، بعد أن شك في سلوكها، واعتبر تصرفه سليمًا لأنه كان يحمي “شرف العائلة”، واستند في دفاعه إلى المادة 60 من قانون العقوبات التي تسمح بتبرير بعض الجرائم بناءً على “حق مشروع”، فيما لاقى هذا الحادث انتقادات كبيرة، حيث اعتبر العديد من النشطاء الحقوقيين أن استخدام المادة 60 في مثل هذه الجرائم يشكل تبريرًا قانونيًا للعنف ضد النساء.
وفي سبتمبر الماضي، وفي واحدة من ضواحي القاهرة الكبرى، قتل رجل زوجته وجارهما بعدة طعنات قاتلة باستخدام السكين الحاد، وحين تم إلقاء القبض عليه قال: “تصرفاتها كانت غريبة..”، وفق ما جاء في التحقيقات.
اقرأ أيضًا:لا عدالة جندرية.. أين حقوق النساء من قانون الإجراءات الجنائية؟
عنف متصاعد
تتعرض النساء في مصر لكافة أشكال العنف، وهو ما أكد مرصد مؤسسة “إدراك” لجرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي، موضحاً ارتفاع عدد ضحايا العنف ضد النساء والفتيات في مصر بنسبة 96% عام 2021 فيما بلغ عدد الضحايا خلال عام 2021 بحسب تقرير المرصد 813 حالة مقابل 415 في 2020.

وفي الربع الأول من هذا العام، وفق دراسة أجرتها مؤسسة “تدوين” لدراسات النوع الاجتماعي، تبين أنه بعد رصد حوادث قتل وانتحار النساء والفتيات من يناير حتى مارس 2023، تزايد حالات القتل بحقهن بمقدار الضعف “25 حالة” في 2022 لتصبح “51 حالة” عام 2023، وهي أرقام صادمة، وفق مراقبين، تؤكد عدم وجود رادع قوي في وجه العنف ضد النساء في مصر.
“بلغت نسبة حالات القتل على يد أحد أفراد العائلة أو من خارج الأسرة إلى 92.1 % في مقابل 7.9 % حالات انتحار”، بحسب الدراسة التي أوضحت كذلك أن حالات قتل النساء والفتيات التي ارتكبت بواسطة أحد أفراد الأسرة تجاوزت الـ80 %، وإن 11.8 % من تلك الحالات ارتكبت على يد أحد الأصدقاء أو الجيران أو الغرباء.
مصطلحات قاتلة
“القتل .. قتل وليس شرفًا”.. تؤكد الدكتورة أمل فهمي، المديرة التنفيذية لمؤسسة تدوين لـ فكّر تاني أنه “يجب منع استخدام مصطلحات مثل “دفاعًا عن الشرف” في جرائم قتل النساء ، لكنها ترى أن مواد القانون الحالية،لا تساعد على تقليل حجم العنف الواقع على المرأة”.

وتشير فهمي، إلى وجود بعض الإنصاف للمرأة في القانون المصري، مثل “القانون رقم 141 لسنة 2021 الخاص بتغليظ عقوبة التحرش، ..”لكن المادة 60 والمواد الخاصة بعقوبة الزنا، يجب إعادة النظر فيهما مرة أخرى، لأن هذه المواد لا تبرر جرائم القتل فقط، لكنها أيضًا تزيد من وصم المرأة بألفاظ بالتأكيد لها أثر سلبي على نفوس الناجيات من جرائم العنف والشرف وهتك العرض”.
اقرأ أيضًا:حقوق المرأة في “استراتيجية حقوق الإنسان”.. كلام نظري يفتقد التطبيق
ضد المواثيق الدولية
تتعارض اتفاقيات حقوق الإنسان التي صدقت عليها مصر، تعارضًا واصحًا مع مادة الشرف المشبوهة، وفق الحقوقيين ، مثل “العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية” حيث تنص المادة 26 على أن “الناس جميعًا سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساو في التمتع بحمايته..”
وبحسب “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة -سيداو”، فإنها تنص في الجزء الأول: المادة الثانية/ ج على “فرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى في البلد، من أي عمل تمييزي..” بالإضافة إلى اتفاقية مناهضة التعذيب، وهي معاهدات تفرض التزامات قانونية على الدولة، بأن تتحرك ضد العنف ضد المرأة.
وصدقت مصر على “الميثاق العربي لحقوق الإنسان” وينص في المادة الثالثة والحادية عشر منه على أن التساوي في الحقوق والواجبات وفي الكرامة الإنسانية بين المرأة والرجل، ووفق هذه الاتفاقات، فإن مصر تعهدت باتخاذ كافة التدابير اللازمة لتأمين تكافؤ الفرص والمساواة الفعلية بين النساء والرجال.
غياب القانون الموحد
“الأزمة الحقيقية في عدم وجود قانون موحد لحماية المرأة، أو على أقل تقدير، العمل على قانون تحت عنوان حماية المرأة من العنف، ليشمل جميع أشكال العنف الذي يتم ممارسته ضد المرأة في مصر”.. يقول الأكاديمي أحمد بدر، مدير وحدة البحوث في مؤسسة “تدوين” لدراسات النوع الاجتماعي لـ فكّر تاني، تعقيبًا على مواد القانون في شكلها الحالي.

“للقانون الحالي ثغرات يستغلها بعض المحامين للمساعدة على الإفلات من العقاب، ويتم التلاعب بالنصوص لأنها غير محددة وصريحة، بل فإن البعض من هذه النصوص قد يعد تمييزًا ضد النساء”.. يقول بدر، مضيفاً أن القانون ينص على حماية المرأة من العنف، لكنه يلغي العقوبة عن جرائم القتل التي حدثت دفاعًا عن الشرف، لذا، فإن هناك ضرورة للتحرك من أجل قانون موحد للعنف ضد النساء، يتضمن جرائم مثل العنف المنزلي والإغتصاب الزوجي التي تندرج تحت “المشاجرة” وهو ما يؤدي لواقع أليم وعنف مستمر في حق المرأة.
وفيما يخص القانون الموحد، يشير بدر، إلى أنه “يجب أن يشمل جميع أشكال العنف، اللفظي والبدني، وجرائم القتل والانتحار، والعنف النفسي والاقتصادي، وكافة الأشكال الأخرى” مؤكداً ضرورة وضع عقوبات محددة لكل حالة، مع فرض غرامات مشددة -وليس مبالغ بلا قيمة كما يحدث في الواقع الآن- بحسب قوله.
ويؤكد الأكاديمي المدافع عن حقوق المرأة، أهمية تغليظ العقوبة في حالات التكرار: “في حالة تعرض الزوجة للضرب للمرة الأولى -على سبيل المثال- يكون العقاب واضحًا ورادعًا، لكن إذا تكرر، وتعرضت للضرب مرةٍ ثانية، يجب تغليظ العقوبة”.
أين البرلمان؟
وترى المحامية في تسوية النزاعات الجنائية، مروة النمر، أن مسؤولية طرح القوانين وشرحها والتصديق عليها، ترجع لمجلس النواب، وإن دل ذلك على شيء فهو القصور في طرح الآراء التي تخص قضايا العنف ضد المرأة.
“يكون التركيز عادةً موجه لطرح ومناقشة قوانين أخرى لكنهم لا يلتفتون إلى تلك القوانين الخاصة بالمرأة وحمايتها من العنف”.. تقول مروة مضيفة أنه”بناء على تفشي العنف في الواقع المصري، من المهم أن يكون القانون واضحًا وصريحًا، ويوضع في فصل مُخصص للنساء، حتى يصعب على المحامين التلاعب بثغرات القانون في محاولات التملص من العقوبة أو تخفيفها”.
وتضيف النمر، أن سُلطة المجتمع الذكورية لها أثر سلبي على قضايا النساء وتسمح بالمماطلة والتسويف، وترى أنه بالرغم من الجهود التي تبذلها المؤسسات الحقوقية للتوعية عن حق النساء في قوانين منصفة ورادعة ضد العنف فإنها غير كافية ولا تجني ثمارها.
“نُطالب بقانون موحد كحق يجب تقنينه منذ وقت طويل، وإلى الآن لم نحصل عليه ولم تقل معدلات العنف وهناك العديد من النساء يعانون العنف بكافة أشكاله”.
