النظام الانتخابي.. ماذا نريد منه؟ 

يخطئ من يتصور وهو يتعامل مع النظم الانتخابية التنافسية، على أن غايتها المثلى هي مجرد التعبير الصريح والمباشر عن الأغلبية التصويتية الرقمية للناخبين، وضمان إعلان الفوز لصالح من يحوزها.
فواقع الأمر أن هذا الهدف يعد أحد المستهدفات الرئيسية،  التي يجري الاهتمام بها عند تصميم النظام الانتخابي وتطبيقه عمليًا، وذلك بجانب مستهدفات وغايات أخرى تعادله في المكانة، وربما تتفوق عليه من ناحية التأثير والقدرة على إثبات كفاءة الإطار الديمقراطي المعتمد في الوصول لتحقيق حالة الرضاء المجتمعي العام عن النظام السياسي الوطني ومكوناته المختلفة.
بل إنه في بعض النماذج الديمقراطية المستقرة دوليًا مثل النموذج الأمريكي أو النموذج الهندي تتراجع بشدة قيمة الأصوات الشعبية المباشرة عند الكشف عن النتائج النهائية للعمليات الانتخابية بحيث يمكن أن يفوز المرشح الحاصل على الأصوات الشعبية الأقل كنتيجة لتطبيق عوامل ومحددات جانبية تسمح بالوصول لتلك النتيجة على غرار ما حدث خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016، والتي أعلن فيها فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب رغم تفوق منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون عليه بقرابة ثلاثة ملايين صوت.
وبالعودة للنموذج المصري للنظام الانتخابي الأمثل وقائعيًا والذي كان أحد التحديات الرئيسية أمام الحوار الوطني وشغلت طبيعته وشكله حيزًا لا يستهان به من الاهتمام الشعبي والتقييم الجماهيري لقياس مدى نجاح تجربة الحوار ذاتها في الوصول لنتائج توافقية قابلة للتطبيق الواقعي.
حيث كان من اللافت والمثير للقلق وجود تركيز شديد من قبل معظم المشاركين بطبيعة الأطر الشكلية المكونة لطبيعة النظام الانتخابي وحجم الحصص العددية لتلك المكونات التي توزعت بين ثلاثة أشكال تنظيمية هي (الفردي- القوائم المطلقة- القوائم النسبية) وعدد المقاعد المخصصة لكل منها في حال الجمع بين ثلاثتها أو الأخذ بنموذجين منها وفق ما أُعلن عنه في المخرجات النهائية للمرحلة الأولى من الحوار الوطني .
والحقيقة أن تلك النظرة القاصرة في التعامل مع ماهية النظام الانتخابى ومستهدفاته تتجاهل العديد من الاشتراطات الفنية والغايات التي تعد أسسا رئيسية في عدالة منظومة التعبير عن الإرادة الشعبية وكفاءة تمثيلها والتي يمكن تحديد البعض منها على النحو التالي:
أولا: مدى كفاءة هذا النظام في التعبير عن المكونات السياسية للمجتمع والمتمثلة في صورة أحزاب أو حركات تطبيقا لنص المادة رقم (5) من الدستور والتي جعلت من التعددية السياسية والحزبية أساسًا للنظام السياسي حيث تعكس النماذج التطبيقية للانتخابات المصرية اضطرابًا وتناقضًا كارثيًا في تحقيق هذا الهدف بداية من تقلص التمثيل الحزبي في ظل تطبيق النظام الفردي لعدد لم يتجاوز 7 أحزاب فقط في أفضل تجلياته بانتخابات 2010، رغم ما أحاط بها من شبهات، ومرورًا بما شهدته تجارب تطبيق النظام المختلط (الفردي+ القوائم المطلقة) الذي طبق في انتخابات (2015 - 2020) تفاوتًا في تمثيل القوى السياسية من 20 حزبا في الأولى إلى 13 حزبا في الثانية- رغم تغيير النسب العددية لحصة كل نظام ووجود قائمة انتخابية مهيمنة- وصولا للنموذج التطبيقي الثالث (الفردي + القوائم النسبية) والذي طبق في انتخابات 2011 والذي تحققت للأحزاب عبره أعلى نسب التمثيل المباشر برلمانيا بوجود 23 حزب بالمجلس في سلوك يعزز من النظرة المجتمعية للنظام النسبي باعتباره الأكفأ في تحقيق مستهدفات المادة الدستورية السابقة .
ثانيا : كفاءة الممارسة البرلمانية للأدوار المنصوص عليها في المادة (101) من الدستور والتي تحدد 5 أدوار رئيسية يؤديها المجلس- عبر نوابه- حيث يشير التحليل الفني والرقمي لأداء التركيبة الحالية للنواب إلى تردي شديد وترهل غير مقبول في الممارسة انعكس في الوصول لحالة عدم رضاء شعبي كاسح عن المجلس وانصراف عن نوابه، الذين لاحقت العديد منهم فضائح مالية وأخلاقية غير مسبوقة، فضلا عن افتقاد لأساسيات الممارسة البرلمانية فخلا هذا المجلس من أي استجواب للحكومة في سابقة هي الأولى في تاريخ المجالس النيابية عززتها سيطرة- شبه مطلقة- للحكومة على مشروعات القوانين المقترحة للإصدار، حتى أن المشروعات المقدمة من النواب في الأعوام الأربعة الماضية يمكن حصرها على أصابع اليدين لا أكثر، ناهيك عن غياب المساجلات البرلمانية والأداءات الخطابية التي حفظت لنا ذاكرة المجلس العديد منها عن مجالس سابقة بما يجعل من الضرورة بمكان مراجعة آلية تشكيل القوائم الانتخابية ومفاضلات اختيار هؤلاء المرشحين لعضويتها.

ثالثا: القدرة على احتواء وتمثيل الحركات السياسية والنشطاء والفاعلين في المشهد العام من خارج الأحزاب والذين يمثلون رقمًا لا يستهان به بالنظر لحالات التداخل والاضطراب التي تعاني منها التجربة الحزبية وهيمنة الأشكال العائلية والمصلحية على مقدراتها دون وجود نوايا حقيقية لإصلاح بنيتها الهيكيلة ما خلق مناخًا طاردًا للعديد من الكوادر والكفاءات التي فضلت العمل الحر والتحرك الفردي في إطار تحقيق قناعاتهم وهو ما ساهمت فيه مؤسسات العمل المدني والمبادرات الشبابية بشكل كبير يستحق مزيد من الاهتمام بتلك التجارب وفتح آفاق أمام تقدمها وتطورها على المستوى المؤسسي.

رابعا: ثبات واستقرار التقسيم الجغرافي والجهوي بما يخلق قواسم مشتركة بين الناخبين ويعزز من تراكم الخبرات والمعايير التقيمية الموضوعية لديهم عند اختيار ممثليهم خاصة وأن الارتباك الجغرافي في تقسيم الدوائر أصبح أحد الظواهر اللصيقة بالانتخابات المصرية بعد 2010 سواء من ناحية عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة والتي تختلف من عملية لأخرى ومن نظام لآخر أو من حيث المكونات الجغرافية التي تبدأ بالقسم الإداري في عملية وتتوسع لحدود المحافظة في عملية أخرى بما يفقد الناخب القدرة على تفهم واستيعاب طبيعة النظام الانتخابي أو امتلاك الفعل الإرادي الحر أمام صندوق الاقتراع في ممارسة يصعب القبول باستمرارها خاصة مع وجود تحارب انتخابية عديدة تمتلك رسوخ وثبات يمتد لعشرات السنين يمكن البناء عليها وتطويرها بما يتناسب مع الحالة المصرية.
ويبقى للحديث بقية...

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة