منذ اغتيال جيش الاحتلال للقيادي في حزب الله فؤاد شكر في لبنان، ومن بعده رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب العاصمة طهران، وتتواصل رسائل التصعيد، وإن لم تُفعل مرحلتها القصوى بعد، بين إيران ومحور المقاومة الذي تقوده في عدة مناطق على رأسها لبنان واليمن، وإسرائيل التي لا تزال تواصل عملياتها الخارجة عن القانون الدولي الإنساني في غزة المبادة، وقد وصلت حصيلة دك أحيائها لأكثر من 40 ألف شهيد، بينهم أكثر من 16 ألفًا من الأطفال، وما يتجاوز 11 ألفًا من النساء، وآلاف المفقودين.
فجر الأحد، وبمبادرة تصعيدية على الجبهة الشمالية، نفذت نحو 100 مقاتلة إسرائيلية عمليات استهداف لمئات المواقع جنوبي لبنان، بينما بررت تل أبيب هجماتها بأنها "استباقية" مواقع عسكرية لحزب الله، كانت تستعد لشن هجوم كبير على الدولة العبرية.
وفي المقابل، نفذ حزب الله هجومًا بمئات الصواريخ والطائرات المسيرة، في هجوم للرد، قالت وسائل إعلام لبنانية إنه شمل مساحة 1500 كلم مربع من مناطق شمالي إسرائيل. بينما أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، مساء اليوم نفسه، أن "الهدف الأساسي" للهجوم الذي شنه حزبه فجرًا على إسرائيل، كان الرد على مقتل فؤاد شكر، باستهداف "قاعدة جليلوت للاستخبارات العسكرية" قرب تل أبيب.
وقد ردت تل أبيب على هذه التصريحات بأنها اعترضت كل الصواريخ والمسيرات التي أطلقت نحو "هدف استراتيجي" في وسط إسرائيل، وقالت إن ضرباتها الاستباقية "أحبطت جزءًا كبيرًا" من هجوم حزب الله، الذي أعلن بدوره قصف 11 ثكنة وموقعًا إسرائيليًا.
حزب الله وإسرائيل.. تصعيد ملتزم بقواعد الاشتباك
نقلت وكالة "رويترز" عن دبلوماسيين - لم تسمهما - إن إسرائيل وحزب الله تبادلا - عبر الوسطاء - رسائلًا من أجل منع المزيد من التصعيد، في أعقاب التصعيد الأخير الذي وصفته الوكالة بأنه واحدة من كبرى عمليات تبادل إطلاق النار بين الجانبين في 10 أشهر.
وذكر دبلوماسي أن الرسالة الرئيسية كانت أن الجانبين يعتبران أن تبادل القصف المكثف اليوم (الأحد) "انتهى"، وأن أيًا منهما لا يريد حربًا شاملة. فيما يبدو أنهما لا يزالا ملتزمين بقواعد الاشتباك بينهما.
"إسرائيل لم تقل كلمتها الأخيرة بعد"؛ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مستهل جلسة مجلس الوزراء الذي يقوده، متوعدًا بأنهم "مصممون على القيام بكل شيء لحماية بلادنا وإعادة سكان الشمال بأمان إلى منازلهم، ومواصلة اتباع قاعدة بسيطة: من يؤذنا، نؤذه".
ومع ذلك، فقد أكد وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن تل أبيب لا تسعى إلى حرب شاملة.
وفي المقابل، قال مسؤول في حزب الله إن الهجوم - الذي توعد به نصر الله ردًا على مقتل شكر - على إسرائيل تأخر لاعتبارات سياسية، على رأسها المحادثات الجارية بشأن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن من قطاع غزة.
وأضاف المسؤول، في تعليقات مكتوبة نشرتها وسائل إعلام، أن حزبه عمل على التأكد من أن رده على مقتل شكر في 30 يوليو لن يشعل حربًا واسعة النطاق. وكانت نتائج التصعيد الأخير 3 شهداء في الجانب اللبناني وقتيل عسكري في الجانب الإسرائيلي.
الولايات المتحدة التي تنتشر بأوامر إسرائيل
وفي الأثناء، أعلنت الولايات المتحدة، أنها عززت انتشارها العسكري في المنطقة خلال الأسابيع الماضية، رافعة جاهزيتها لدعم ما تعتبره "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". بينما نقلت وسائل إعلام أمريكية أن الرئيس جو بايدن كان يراقب الأحداث عن كثب، وكان منخرطًا مع فريق الأمن القومي طوال ليلة الهجوم الإسرائيلي على لبنان ورد حزب الله على تل أبيب.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي شون سافيت، في بيان: "بتوجيه من الرئيس جو بايدن يتواصل المسؤولون الأمريكيون الكبار بشكل مستمر مع نظرائهم الإسرائيليين.. سنواصل دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وسنواصل العمل للحفاظ على الاستقرار الإقليمي".
كما قال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، في أعقاب هذا التصعيد، إن الأمين العام يشعر "بقلق عميق" إزاء التصعيد بين الجانبين، ويدعو الطرفين إلى وقف الأعمال القتالية على الفور.
وأضاف "دوجاريك" في بيان: "هذه الإجراءات تعرض الشعبين اللبناني والإسرائيلي للخطر، فضلاً عن تهديد الأمن والاستقرار الإقليميين".
وعربيًا، عبرت مصر عن "قلق بالغ" من التصعيد الأخير، محذرة من مخاطر فتح جبهة حرب جديدة في لبنان، وشددت على أهمية الحفاظ على استقرار لبنان وسيادته وتجنيبه مخاطر انزلاق المنطقة إلى حالة عدم استقرار شاملة.
فيما أكد الأردن على أهمية "دعم لبنان وأمنه واستقراره وسلامة شعبه ومؤسساته"، داعيًا إلى ضرورة الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 1701 للحيلولة دون المزيد من التصعيد، معتبرًا أن "استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة والفشل في التوصل إلى اتفاق تبادل يفضي إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، يضع المنطقة في مواجهة خطر توسع الصراع إقليميًا".
مفاوضات غزة في القاهرة انتهت دون اتفاق
وبينما أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، أن الولايات المتحدة ما تزال تبذل جهودًا في القاهرة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة. وأفاد مسؤول أمريكي لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" بأن محادثات القاهرة في الأيام الأخيرة كانت "بناءة" وأن جميع الأطراف كانت متفائلة بإمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي قابل للتنفيذ، أشار مصدران أمنيان مصريان لوكالة "رويترز"، الأحد، إلى أن محادثات القاهرة بشأن اتفاق محتمل حول غزة انتهت دون التوصل إلى اتفاق، حيث لم توافق حماس ولا إسرائيل على عدة حلول قدمها الوسطاء.
وفي السياق نفسه، ذكرت مصادر "العربية/الحدث" أن مفاوضات وقف إطلاق النار بقطاع غزة انتهت مساء الأحد في القاهرة بمشاركة الوفدين الأمريكي والإسرائيلي. كما كشفت المصادر أن بقاء إسرائيل في غزة بعد الحرب يعد من أبرز نقاط الخلاف في المفاوضات.
وطرحت القاهرة مقترحًا جديدًا يقضي بانسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا (صلاح الدين) على طول الحدود بين مصر وغزة فور إتمام صفقة المحتجزين، لكن الوفد الإسرائيلي عاد إلى تل أبيب دون التوصل إلى اتفاق، حسبما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية.
ومن جانبها، أعلنت حركة حماس أن وفدها غادر القاهرة بعد لقاء مع الوسطاء المصريين والقطريين، حيث اطلع على نتائج المفاوضات. وأكد عضو المكتب السياسي للحركة عزت الرشق، في بيان، أن وفد حماس "استمع إلى نتائج جولة المفاوضات الأخيرة" قبل مغادرته القاهرة.
وأكد القيادي في الحركة أسامة حمدان أن حماس أبلغت الوسطاء بموقفها الرافض للقبول بالشروط الإسرائيلية الجديدة التي وصفها بأنها "تراجع عن ما تم الاتفاق عليه سابقًا". وأضاف أن من بين الشروط الجديدة لإسرائيل "إعادة التموضع في محور صلاح الدين وإدارة غير فلسطينية لمعبر رفح"، مشددًا على أن الحركة لن تقبل بهذه التراجعات أو بأي شروط إضافية.
واتهم حمدان الإدارة الأمريكية بزرع "أمل كاذب" بحديثها عن قرب التوصل إلى اتفاق لأغراض انتخابية. من ناحية أخرى، نفت إسرائيل تغيير مطالبها منذ الجولة الأخيرة من المحادثات في يوليو، بينما اتهمتها حماس بالتراجع عن وعدها بسحب القوات من محور صلاح الدين، مع إضافة مطلب جديد يتعلق بفحص النازحين الفلسطينيين عند بدء تنفيذ أي وقف لإطلاق النار.
وفي وقت سابق من يوم الأحد، أفادت مصادر لـ"العربية/الحدث" بأن إسرائيل ترغب في الانسحاب من 3 كيلومترات فقط من محور صلاح الدين، بينما تتمسك مصر بضرورة الانسحاب الكامل. وفي محاولة لمنع تعطيل الصفقة، تسعى القاهرة إلى تنفيذ الانسحاب على مرحلتين، مع تأكيدها أنها ستنسق فقط مع الجانب الفلسطيني في معبر رفح.