دلالات اختيار حماس لـ”رجل الأنفاق” رئيسًا

أعلنت حركة حماس تعيين قائدها العسكري في قطاع غزة، يحيى السنوار، رئيسًا جديدًا لمكتبها السياسي، خلفًا لإسماعيل هنية الذي اغتيل قبل أسبوع في العاصمة الإيرانية طهران، وفق ما أعلنته في بيان مقتضب مساء الثلاثاء. وهو ما يمثل تغييرًا في استراتيجية الحركة التي اعتادت اختيار ممثلها الدبلوماسي من عناصرها التي تعيش خارج غزة، ذلك لما يتطلبه هذا الدور من آداء وتحركات تمتع بحرية أكبر بعيدًا عن منطقة الصراع في الأراضي المحتلة.

يقول المراقبون إن هذا التغير في ديناميكية الحركة بجمع النشاط الدبلوماسي والعسكري في يد شخص السنوار إنما يهدف إلى إظهار الحركة مجتمعة حول رأي موحد متمثل في قيادتها العسكرية ضمن متطلبات مرحلة هي الأخطر في تاريخها، مع حرب ممتدة إلى ما يقرب من العام الآن. ويبرر القيادي في حماس أسامة حمدان، في مقابلة مع “الجزيرة”، اختيار السنوار بتدرجه وخبراته التي تراكمت على مدار سنوات شبابه في مواقع عديدة داخل الحركة، ما يجعله مؤهلًا لقيادتها في هذه المرحلة، مشيرًا إلى أنه سيكون مدعومًا بفريق كامل في قيادة الحركة.

في بيانه كأحد أبرز أطراف محور المقاومة، بارك “حزب الله” اختيار السنوار، وذكر أن “اختيار الأخ يحيى السنوار من قلب قطاع غزة المحاصر، الموجود مع إخوانه ‏المجاهدين في ‏الخنادق الأمامية للمقاومة وبين أبناء شعبه تحت الركام والحصار ‏والقتل والتجويع هو تأكيد أنّ ‏الأهداف التي يتوخّاها العدو من قتل القادة والمسؤولين، ‏فشلت في تحقيق مبتغاها وأنّ الراية تنتقل من ‏يد إلى يد، مضرجة بدماء الشهداء”.

وشدد “حزب الله” على أن اختيار السنوار هو “رسالة قوية للعدو الصهيوني ومن خلفه الولايات المتحدة ‏وحلفائها بأن حركة ‏حماس موحدة في قرارها، صلبة في مبادئها، ثابتة في خياراتها الكبرى، عازمة ‌‏على المضي ومعها سائر الفصائل الفلسطينية في طريق المقاومة والجهاد مهما ‏بلغت التضحيات” وبالرجل الذي قالت إسرائيل إنه ميت يمشي على الأرض بينما أذاقها هزائمًا كبرى في الفترة الأخيرة.

الشهيد إسماعيل هنية والسنوار
الشهيد إسماعيل هنية والسنوار

السنوار.. الميت الذي يمشي على الأرض

خلال عقدين من الزمن قضاها في السجون الإسرائيلية، اكتسب يحيى السنوار طلاقة في اللغة العبرية وتابع بشغف الصحف والقنوات الإسرائيلية المحلية. وفقًا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، يستخدم السنوار اليوم هذه المعرفة في الصراع مع إسرائيل.

يرى مايكل ميلشتاين، الضابط السابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، أن السنوار هو من نفذ خطة هجوم 7 أكتوبر، وهو أيضًا العقل المدبر الفعلي، الذي يتمتع بفهم عميق لتصرفات وردود فعل الإسرائيليين”.

وبصفته زعيم حماس في غزة، يشكل السنوار جزءًا من هيكل قيادة حماس المعقد والسري، الذي كان يجمع بين الجناح العسكري والذراع السياسي قبل أن يجمعهما باختياره أخيرًا لتولي زمام القيادة كاملة. ويشمل هذا الهيكل حوالي 15 فردًا، يتخذون القرارات الاستراتيجية للحركة عبر الإجماع، حسب المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

انتُخب السنوار قائدًا لغزة في عام 2017، خلفًا لإسماعيل هنية، الذي تولى منصب رئيس القيادة العامة للحركة في العام ذاته. هذا التعيين كان مؤشرًا على تحول حماس نحو التصلب في مواقفها، كما تقول “الحرة“.

يعتبر مسؤولو الأمن الإسرائيليون السنوار أحد الأعضاء الأكثر تشددًا في حماس، وهو حلقة الوصل بين القيادة السياسية وجناحها العسكري، المتمثل بكتائب عز الدين القسام بقيادة محمد الضيف.

وُلد السنوار في أوائل الستينيات في مخيم للاجئين في قطاع غزة، وبرز كناشط طلابي مقرب من مؤسس حماس، الشيخ أحمد ياسين. وعندما تحولت حماس إلى جماعة مسلحة في أواخر الثمانينيات، ساعد السنوار في تشكيل جناحها العسكري، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين. كما يُقال إنه ساهم في تأسيس وحدة أمن داخلي لملاحقة المخبرين.

في عام 1988، اعتُقل السنوار وأدين بقتل جنود إسرائيليين، وحُكم عليه بأربعة أحكام بالسجن مدى الحياة. وفي السجن، أصبح السنوار أحد كبار مسؤولي حماس المسجونين، وخصص وقتًا للتحدث مع الإسرائيليين، مما ساعده على تعلم ثقافتهم.

ومنذ انطلاق العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر الماضي، لم يغادر السنوار أنفاق غزة، لكنه أدار المعركة العسكرية والسياسية والإعلامية داخل القطاع ببراعة غير مسبوقة، الأمر الذي أظهر إسرائيل غير مسيطرة على الوضع رغم حجم الدمار الهائل الذي تصر على إحداثه في المدينة، وعدد الشهداء الذي شارف على الوصول إلى رقم 40 ألفًا، أغلبهم من الأطفال والنساء، فضلًا عن آلاف المصابين والمفقودين، وهو الأمر الذي أجادت الحركة تحت قيادة السنوار إبرازه عالميًا، فأعادت للقضية الفلسطينية زخمها وتأييدها بين الشعوب الغربية، بينما أحرج تل أبيب التي اختبرت للمرة الأولى كسرًا حقيقيًا بتابوه الدولة الديمقراطية المراعية لحقوق الإنسان في الفلسفة الشعبية الأوروبية والأمريكية.

يحيى السنوار أثناء وجوده في سجون الاحتلال (الصورة من فيلم للجزيرة)
يحيى السنوار أثناء وجوده في سجون الاحتلال (الصورة من فيلم للجزيرة)

“السنوار” رجل المرحلة

داخل الحركة، ينظر إلى السنوار باعتباره رجل المرحلة. نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مسؤول كبير في حماس، أن تعيين السنوار رئيسًا للحركة ينطوي على “رسالة قوية” لإسرائيل بعد عشرة أشهر من بدء الحرب في قطاع غزة.

اقرأ أيضًا: أي رد ومتى؟.. إيران وإسرائيل والحرب القادمة

يقول المسؤول، الذي لم يتنشر الوكالة اسمه، إن هذا الخيار هو “رسالة قوية للاحتلال مفادها أن حماس ماضية في نهج المقاومة”.

ويفسر القيادي في الحركة أسامة حمدان، في مقابلة مع “الجزيرة”، اختيار السنوار بأنه “دليل على أن الحركة تدرك طبيعة المرحلة الراهنة”. وهو ما يتفق معه خبير شؤون الأمن القومي المصري، محمد مخلوف، إذ يقول إن الالتفاف الحمساوي حول السنوار يأتي لعدة اعتبارات مهمة في مرحلة خطيرة.

ويلخص “مخلوف” اختيار السنوار لقيادة حماس في محاور خمسة: أولًا، إبراز دعم الحركة الكامل له خلال هذه الفترة بالغة الخطورة مع تواصل الحرب، وثانيًا، إظهار تماسك الحركة وتوحدها خلف قائدها العسكري وقائد الحركة في قطاع غزة، بما يكسب قيادات الحركة تعاطفًا من قواعدها ومواطني القطاع المؤيدين لها والمتعاطفين معها”.

أما ثالث هذه المحاور فيتمثل في أن قيادات الحركة بهذا الاختيار أكدت أنها مع خيار التصدي للعدوان الإسرائيلي ولن تبدي أي مرونة في التوجه للتفاوض بعد اغتيال رئيسها السابق الذي كان يتجاوب مع خيار التفاوض. بينما أرادت الحركة توجيه رسالة إلى إسرائيل بأن ثمة قيادة موحدة الآن هي الأكثر إلمامًا ووعيًا بالسياسة والتحركات العسكرية والدبلوماسية الإسرائيلية، والأكثر صلابة في مواجهة حكومة نتنياهو، وهي قيادة تتمتع بكامل الصلاحيات.

كيف رأت الأوساط الإسرائيلية اختيار السنوار؟

وقد ظهر أثر هذا الاختيار في التناول الإعلامي الإسرائيلي لتفرد السنوار بسلطة حماس، فقال محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” آفي يسخاروف، إن “حماس اختارت أخطر شخص لقيادتها”.

وفي أول رد رسمي، دعا وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، مساء الثلاثاء، إلى “تصفية سريعة” ليحيى السنوار، وكتب عبر منصة “إكس”، أن تعيين “السنوار على رأس حماس خلفًا لإسماعيل هنية، هو سبب إضافي لتصفيته سريعًا ومحو هذه المنظمة من الخارطة”.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأدميرال دانيال هاجاري، لقناة “العربية”: “هناك مكان واحد فقط ليحيى السنوار، وهو إلى جانب محمد ضيف وبقية إرهابيي 7 أكتوبر (يقصد قتله). هذا هو المكان الوحيد الذي نستعد له ونعتزمه”.

وفي واشنطن، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن السنوار “كان ولا يزال صاحب القرار الأساسي عندما يتعلق الأمر بإبرام وقف إطلاق النار”.

قيادات حركة حماس (رويترز)
قيادات حركة حماس (رويترز)

وأضاف أن السنوار يجب أن “يقرر ما إذا كان سيمضي قدما في وقف إطلاق النار الذي من الواضح أنه سيساعد الكثير من الفلسطينيين الذين هم في أمس الحاجة إليها، نساءً وأطفالًا ورجالًا وقعوا في مرمى النيران المتبادلة… إنه حقًا عليه”.

وقد ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن تعيين السنوار “مفاجئ ورسالة لإسرائيل بأنه حي وأن قيادة حماس بغزة قوية وقائمة وستبقى”.

المفاوضات مع السنوار

ودعا “بلينكن” رئيس الحركة الجديد “السنوار” لأن “يقرّر بشأن وقف إطلاق النار في غزة”. ويقول أستاذ العلوم السياسية، الفلسطيني أيمن الرقب، أن تعيين السنوار “سيعقّد أي ملفات متعلقة بالتفاوض؛ إذ أن عملية الاتصال ذاتها معه أمر صعب، وحينما تحتاج لرسالة سيكون مطلوبًا الانتظار لعدة أيام، ومن ثم بات الأمر صعبًا على الوسطاء أنفسهم”.

ويشدد المحلل الفلسطيني على أن خطوة حماس تعتبر متغيرًا جديدًا في مسار الحرب “ومن المقرر أن تربك المشهد بأكمله”.

ويتفق مع ذلك مدير مركز التحليل العسكري والسياسي في معهد هدسون، ريتشارد وايتز، الذي قال في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية“، إن “هذا ليس جيدًا لمساعي وقف إطلاق النار”.

ويقول المحلل السياسي الإسرائيلي، إيلي نيسان، إن تعيين السنوار يمثل مشكلة للحركة ذاتها، إذ لن يستطيع التوجه خارج غزة أو إقامة علاقات مع إيران وحلفائها على سبيل المثال، كما ستكون هناك صعوبة في محادثاته لجمع أموال للحركة.

لكنه لا يعتقد أن مفاوضات إطلاق سراح الأسرى ستتأثر بهذا الاختيار، يضيف: “هناك تفاؤل خلال الساعات الماضية بإمكانية التوصل إلى صفقة لتبادل المختطفين، وربما يأتي تعيين السنوار ليسهل هذا الأمر ويحسمه سريعًا خاصة وأن هناك ضغوطًا أميركية على الأطراف كافة لإنجاز هذا الاتفاق”.

حماس أقوى مع السنوار

ذكرت شبكة “سي إن إن“، في تقرير حديث، أن قوات حماس في وضع أفضل مما يزعم الجيش الإسرائيلي، بعد اختيار السنوار رئيسًا، وأن العديد من كتائب الحركة ما تزال تعمل وتعيد بناء نفسها، وهو ما يتناقض مع ادعاءات إسرائيل بأنها وجهت ضربة حاسمة لقدرات حماس القتالية باغتيال هنية.

وقالت الشبكة الأمريكية أنه تم تدمير ثلاثة فقط من كتائب حماس البالغ عددها 24، ثمانية منها فاعلة قتاليًا، والبقية تعرضت لأضرار بالغة.

وأضافت أن الكتائب التي هي في الوضع الأفضل موجودة في وسط غزة، ونقلت “سي إن إن” عن مصادر عسكرية إسرائيلية – لم تسمها – وبالاستناد إلى نتائج تحقيقها الخاص، أن الجيش الإسرائيلي تجنب اتخاذ إجراءات واسعة النطاق لأنه يعتقد أن مقاتلي حماس هناك يحتجزون العديد من الرهائن الإسرائيليين الـ 111 المتبقين الذين اختطفوا في 7 أكتوبر.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة