نظمت لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، يوم أمس الإثنين، فعالية تضامنية مع الصحفيين المحبوسين، وذلك بعد زيادة الملاحقات الأمنية ضدهم في الفترة الأخيرة، والتي شملت القبض على الصحفي ياسر أبو العلا وزوجته، والصحفي والمترجم خالد ممدوح، ورسام الكاريكاتير والمترجم أشرف عمر.
حضور الأهالي والمحامين
شارك العديد من الصحفيين كما حضر محاميو الدفاع عن الصحفيين المحتجزين وحقوقيون، إلى جانب بعض أسر الزملاء المحبوسين، ما أكد على أن دعم حرية الرأي والعمل الصحفي لم يكن مقتصرًا على الصحفيين فقط.
وقد تضمنت الفعالية معرضًا للصور ورسوم الكاريكاتير، حيث عُلقت صور الصحفيين المحبوسين ورسومات الكاريكاتير، تضامنًا مع رسام الكاريكاتير أشرف عمر، الذي ألقي القبض عليه فجر الإثنين الماضي بسبب رسوماته التي تنتقد الأوضاع الاقتصادية.
مؤتمر صحفي
وفي المؤتمر الصحفي للفعالية، استعرضت لجنة الحريات بالنقابة أوضاع الصحفيين بعد تصاعد موجة القبض عليهم، حيث أكد رئيس اللجنة محمود كامل، أن أوضاع الصحفيين المحبوسين “سيئة للغاية”، مشيرًا إلى أن النقابة قدمت عدة طلبات للإفراج عنهم، وتلقت شكاوى من أسرهم حول ظروف احتجازهم، وتم تقديم هذه الشكاوى للنائب العام، حيث تم حل بعضها والبعض الآخر ما يزال معلقًا.
وأضاف كامل أن النقابة طلبت أيضًا زيارة الصحفيين في مقار احتجازهم، ولم يتم الرد على هذه الطلبات حتى الآن. بينما انتقد الحملة الأمنية التي استهدفت الصحفيين خلال الأسابيع الماضية، خالد ممدوح، وياسر أبو العلا في وقت سابق، وكذا الرسام والمترجم أشرف عمر، مشددًا على ضرورة احترام حقوق الصحفيين وحرية التعبير.
تحتل مصر المركز 170 من بين 180 دولة في تصنيف مؤشر حرية الصحافة لعام 2024، الذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود”، وبعد حبس رسام الكاريكاتير أشرف عمر، علق رئيس مكتب الشرق الأوسط للمنظمة قائلا بأنه ” ليس من الغريب في مصر أن يختفي الصحفيون ثم يظهروا بعد أيام في المحكمة كسجناء”.
البلشي يستنكر حبس الصحفيين
في كلمته، طالب نقيب الصحفيين خالد البلشي بالعفو الشامل عن المحبوسين في قضايا الرأي والنشر، والإفراج فورًا عنهم ووقف استهدافهم، مضيفًا أن النقابة تقدمت إلى الآن بـ 10 طلبات لزيارة الزملاء المحبوسين دون أن تتلقى ردًا.
وبينما شدد “البلشي” على ضرورة توفير مناخ عمل حر للصحفيين، لا يتعرضون فيه للتهديد بالحبس لمجرد كتابة مقال أو نشر خبر أو رسم كاريكاتير، أكد أن حالات القبض عليهم مؤخرًا يمكن اعتبارها عنوانًا لقائمة طويلة من المستهدفين من زملاء المهنة، مضيفًا أن هذه القائمة ليست مجرد أسماء وأرقام بقدر ما هي تشير إلى انتهاكات ترتكب بحق الصحفيين، تجعلهم رهينة الحبس الاحتياطي لسنوات طويلة، وصلت في بعض الحالات إلى 7 سنوات من دون محاكمات، بعضها على ذمة قضية واحدة أو على ذمة عدة قضايا بالاتهامات المكررة ذاتها من انضمام أو مشاركة جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة.
وتضم قائمة الصحفيين المحبوسين التي نُظم اليوم التضماني النقابي للمطالبة بالإفراج عنهم أمس أكثر من 24 صحفيًا نقابيًا وغير نقابي، يواجهون جميعًا المساءلة في قضايا تتعلق بالنشر، وهي الأزمة الحقيقية التي تواجه حرية الرأي والتعبير في مصر، التي تخالف الممارسات الأمنية فيها نص الدستور ومادته رقم 65 (دستور 2014)، التي تنص على أن “حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه قولًا أو كتابةً أو تصويرًا أو غير ذلك من وسائل النشر”.
في استهداف الصحفيين، لم تفرق الملاحقة الأمنية بين كبير وصغير؛ فالصحفي كريم إبراهيم “شاب صغير” كما يصفه “البلشي”، عمل في “البوابة نيوز”، يتعرض للحبس الاحتياطي منذ أربع سنوات وأربعة أشهر. وفي المقابل، لا يزال الصحفي توفيق عبد الواحد غانم، الذي ألقي القبض عليه في 21 مايو 2021، رهن الحبس الاحتياطي، رغم كبر سنه. وقد سُجلت معاملة غير إنسانية تعرض لها الصحفي أشرف عمر -آخر المحبوسين على ذمة قضية نشر- أثناء القبض عليه، كما تصف زوجته ندى مغيث، التي تفيد باقتياده مكبل اليدين معصوب العينين.
جميع هؤلاء ملاحقون بالاتهامات نفسها التي تُلصق بأصحاب الرأي وممارسي العمل الصحفي الذي قد لا يروق للدولة أحيانًا (انضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة)، وهم عرضة للتدوير من قضية لأخرى بالاتهامات ذاتها، كما حدث للصحفي محمد سعيد فهمي، الذي يعاد تدويره، حتى وصلت فترة حبسه إلى ست سنوات وثلاثة أشهر، في “مسار مؤلم”، على حد وصف “البلشي”، الذي يؤكد أن أي “رغبة حقيقية في الإصلاح” ينبغي أن تغلق ملف حبس الصحفيين والانتهاكات بحقهم.
صحفيتان ضمن قائمة المحبوسين
لا تتوقف الملاحقة الأمنية للصحفيين في مصر على الرجال منهم، فالقائمة التي قدمها نقيب الصحفيين خالد البلشي إلى النائب العام ومجلس أمناء الحوار الوطني ولجنة العفو الرئاسي للمطالبة بالإفراج عن أصحابها، تضم الصحفيتين: علياء نصر الدين عواد ودنيا سمير فتحي بالإضافة إلى 22 زميلًا آخر، منهم 7 أعضاء بالنقابة و12 غير نقابيين.
أسماء الصحفيين النقابيين
- كريم إبراهيم سيد أحمد
- مصطفى أحمد عبد المحسن حسن الخطيب
- حسين علي أحمد كريم
- أحمد محمد محمد علي سبيع
- بدر محمد بدر
- محمود سعد كامل دياب
- ياسر سيد أحمد أبو العلا
أسماء الصحفيين غير النقابيين
- حمدي مختار علي (حمدي الزعيم)
- توفيق عبد الواحد إبراهيم غانم
- محمد سعيد فهمي
- محمد أبو المعاطي
- دنيا سمير فتحي
- شريف عبد المحسن عبد المنعم محمد إبراهيم
- مصطفى محمد سعد
- عبد الله سمير محمد إبراهيم مبارك
- مدحت رمضان علي برغوث
- أحمد خالد محمد الطوخي
- أحمد أبوزيد الطنوبي
- كريم أحمد محمد عمر (كريم الشاعر)
حملة قبض جديدة
وألقت السلطات الأمنية في الأيام الأخيرة القبض على الصحفيين خالد ممدوح وأشرف عمر. كما صدرت أحكام على الصحفيين أحمد محمد رمضان الطنطاوي (المرشح الرئاسي السابق أحمد الطنطاوي)، ومحمد إبراهيم رضوان (أكسجين)، وعلياء نصر الدين عواد.
وقضت الصحفية دينا سمير إلى الآن سنتين وشهرين قيد الحبس الاحتياطي، بعد أن قررت محكمة جنايات القاهرة، الأحد الماضي، استمرار حبسها على ذمة القضية 440 لسنة 2022 حصر أمن دولة عليا، بتهم الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار وبيانات كاذبة.
التضييق والمنع
الانتهاكات بحق الصحفيين في مصر شملت أيضًا التضييق على النشر واستهداف المواقع الصحفية المستقلة. رصد تقرير مؤسسة حرية الفكر والتعبير “أفتي” عن حالة حرية التعبير في مصر خلال الربع الثاني من العام الجاري، حالات منع نشر مقالات واستهداف مواقع صحفية مستقلة، حيث منعت صحيفة “المصري اليوم” نشر مقال للطبيب والسياسي محمد غنيم، الذي تناول رؤيته لإصلاح الأوضاع في مصر، وفتح المجال العام، وضمان حرية التعبير، ومراجعة السياسات الاقتصادية. كما منعت صحيفة “الشروق” نشر مقال بعنوان “أزمات التنمية السياسية واتحاد القبائل العربية”.
وفي سياق التضييق على الصحفيين، استدعى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المسؤولين في موقع “ذات مصر” بسبب نشر خبر يتعلق بالفساد داخل وزارة الشباب والرياضة والمحليات.
التهمة رسمة كاريكاتير
كان لرسمة الكاريكاتير تلك “تأثير الفراشة” على حياة ندى مغيث، التي تخوض الآن معركة المطالبة بإطلاق سراح زوجها الصحفي أشرف عمر، المحبوس لأنه يرسم، ولأن رسمته الأخيرة لم ترق للمسؤولين.
تعيش “ندى” مشاعر متضاربة من الغضب والحزن والإصرار. “مش هسكت يوم واحد لغاية ما أشرف يخرج”، تقول في حديثها لـ”فكر تاني”، مشيرةً إلى أنها تفكر كل يوم فيما يمكن أن تفعله لتحرير زوجها، وهي لا تزال تجد صعوبة في تخيل “أشرف” في دوامة الحبس واحتمالية التدوير الممكنة بعد ظروف القبض عليه التي انتهكت خصوصية منزلهما.
ندى، التي زارت السجن مؤخرًا لتتعرف على إجراءات الزيارة المرتقبة لزوجها، تسعى جاهدة للبقاء متماسكة أمامه، وقد كانت حياتهما خططًا مشتركة للحياة والمستقبل وقد تحولت إلى خطط الزيارة والسجن.
تقول إن القلق يعتصرها، لكنها لا تزال تجد العزاء في رسوماته. تلك الرسومات التي اعتقل من أجلها وانتشرت عالميًا بعد القبض عليه.
“سجن من نوع آخر”
“مثلهم نحن نعيش في سجن، لكنه من نوع آخر”؛ تقول الصحفية رشا قنديل، زوجة الصحفي والسياسي أحمد الطنطاوي، والتي تؤكد أنها لن تتوقف في نضالها حتى ينال زوجها حريته، مضيفة أن الصحفيين يجب أن يستمروا في ممارسة عملهم دون خوف، ودون ترهيب، عليهم أن يقاوموه.
كبر الصغار في غياب الحبيب
أنهت المحامية ميرنا الزعيم، ابنة الصحفي المحتجز حمدي الزعيم، دراستها الجامعية وحصلت على الماجستير في القانون، وهي تدافع الآن عن والدها المحبوس منذ يناير 2021. دراستها كلها كان هدفها الوحيد أن تقف يومًا مدافعةً عن والدها.
“كبرت وكبر أخوتي في غياب والدنا”، تقول بينما تؤكد على إصرارها على استكمال رحلة المطالبة بالإفراج الفوري عن والدها الذي تدهورت حالته الصحية في الحبس مع تجاوز مدة حبسه الاحتياطي القانونية، ووصلت إلى السنوات الأربع.
تتوحد أصوات ندى، ورشا، وميرنا في مطلب واحد: الحرية لأحبائهم. صامدات كغيرهن من أسر المحبوسين، عازمات على مواصلة النضال حتى ينال ذووهم حريتهم.
حضور لافت للمحامين
أشاد رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، محمود كامل، بالجهود المستمرة التي يبذلها المحامون في الدفاع عن الصحفيين المحبوسين، بحكم تواصله اليومي معهم. وفي حديثه لـ”فكر تاني”، أعلن كامل عن تشكيل لجنة مشتركة بين نقابتي الصحفيين والمحامين للدفاع عن معتقلي قضايا الرأي والتعبير.
أثناء مؤتمر التضامن، قالت المحامية فاطمة سراج، التي تدافع عن الصحفي خالد ممدوح، إن ممدوح لم يواجه بأي أدلة على الاتهامات الموجهة إليه، سواء كانت خبراً أو صورة أو مقالاً، حيث اقتصر ملف القضية على اتهامات مكتوبة فقط. وأكدت أن التحقيق معه دار حول آرائه وأفكاره، وأنه تم حبسه بتهمة نشر أخبار كاذبة دون وجود أدلة تثبت ذلك، بجانب اتهامه بالانضمام إلى جماعة إرهابية دون توضيح اسمها أو طبيعتها. واستنكرت فاطمة طريقة القبض على ممدوح، حيث استمر تفتيش منزله لنحو 6 ساعات بحضور قوة أمنية كبيرة، ومنعت المحامين من زيارته والتواصل معه لمعرفة ظروف احتجازه. وأضافت أن جلسات تجديد الحبس تتم عن طريق “الفيديو كونفرانس”، مما يمنع تواصل المحامين مع المحبوسين.
وفي السياق نفسه، طالب شهاب خالد، نجل الصحفي المحبوس خالد ممدوح، بالإفراج عن والده، معبراً عن استنكاره لهجوم قوات الأمن على منزلهم وحبس والده بسبب عمله الصحفي. كما دعا المحامي أحمد عبد النبي، الذي يدافع عن الصحفي المعتقل ياسر أبو العلا، الصحفيين إلى مواصلة الضغط من أجل الإفراج عن زملائهم، منتقدًا سياسة الحبس الاحتياطي التي وصفها بـ”سياسة التنقيط”، حيث يتم الإفراج عن محبوسين في حين يتم حبس آخرين بأعداد أكبر.
الأسرة كلها رهن الحبس
تعد حالة الصحفي المحبوس ياسر أبو العلا من أبرز الانتهاكات ضد الصحفيين، إذ تم حبسه منذ مارس الماضي، بينما تعرضت زوجته للحبس بعد تقديمها بلاغات تطالب بالإفصاح عن مكان زوجها الذي تعرض للإخفاء القسري.
وقد أوضح محمود كامل، رئيس لجنة الحريات بالصحفيين، أن المحامين نسقوا لعدم إخبار أبو العلا بحبس زوجته نظراً لتدهور أوضاعه داخل محبسه. وأضاف المحامي أحمد النبي أن أبو العلا بعث برسالة لزملائه الصحفيين يطالبهم فيها بالضغط من أجل الإفراج عنه أو تحسين ظروف احتجازه. ووصف كامل حالة الصحفي ياسر أبو العلا بـ”الوضع المستفز”، حيث تتولى والدته المسنة والمرضية رعاية أبنائه.
فلسطين حاضرة
في سياق آخر، استنكر نقيب الصحفيين خالد البلشي حبس الصحفي كريم الشاعر بسبب تضامنه مع فلسطين، مؤكداً أنه لا يجوز أن تكون هناك قضية تحمل اسم “التضامن مع فلسطين”. وأشار إلى أن حرية الصحافة هي سلاح في يد الأوطان، وما يقوم به الصحفيون الفلسطينيون من كشف لرواية الاحتلال هو خير دليل على ذلك.