قبل فجر الجمعة بساعتين، يخرج باسم إبراهيم من منزله في شبرا الخيمة، متجهًا إلى مسجد السيدة عائشة. اعتاد أن يصلى الفجر هناك، قبل أن يبدأ رحلته في سوق الجمعة، التي اشتهرت فيما مضى بأنها سوق الحيوانات الأليفة، وقد توسعت أخيرًا لتصبح سوقًا لكسر الطعام، يحتال به الفقراء على غلاء المعيشة.
باسم -32 عامًا- هو أب لثلاثة من الأطفال، لم يحصل على أي قسط من التعليم، وهو ما يجعله مؤهلًا فقط للوظائف غير الدائمة ذات الأجر المتدني مثل سائق "توكتوك"، أو عامل في مصنع -لن يكون رسميًا بطبيعة الحال-. وفي ظل هذا الوضع لن يتمكن من تدبير أكثر من 150 جنيهًا يوميًا -3 دولارات ونصف- بما يعادل قرابة 3 آلاف و900 جنيه شهريًا هذا إن وصل إلى أجر دائم، وهو امر مستحيل مع طبيعة الأعمال المتاحة أمامه.
تعاني مصر من (عمالة موسمية) سوق غير رسمي كبير، يُقدر بقرابة 17.5 مليون يعملون من دون وثائق رسمية، بينهم 89% من الرجال، وفق إحصاءات منصة "Statista" للبيانات عن العام 2020.
"باسم"، لديه 3 أطفال، اثنان منهم التحقوا بالمدارس. يقول: "اللي جاي من دخل ما بيكفيش عيالي، كل حاجة غالية وياريتها بتقف عند حد. الأسعار كل يوم بتزيد.. أنا معنديش حل غير سوق الجمعة وكسر الطعام اللي جاي من بواقي الفنادق والمطاعم، والمعلبات اللي تواريخ انتهاء صلاحيتها قربت أو خلصت من شهر وشهرين.. عندكم حل تاني لوضعنا؟".

باكل قبلهم عشان لو مسمم
يعلم "باسم" وغيره من المترددين على سوق "كسر الطعام" أن الأطعمة منتهية الصلاحية وكافة ما يشترونه من سوق الجمعة قد يمثل خطرًا على صحة أسرهم. لكنهم أمام خيارين كلاهما أصعب من الآخر؛ إما الجوع أو قبول ما هو متاح وفق إمكاناتهم.
"كل اللي بقدر أجمعه ما يزدش عن 5 الآف جنيه في الشهر (قرابة 103 دولار)، بدفع منها ألف جنيه إيجار للشقة اللي عايش فيها، و700 للمرافق، خصوصا بعد ما شركة الكهرباء رفعت العداد عشان اتأخرت في دفع الفواتير، فأنا دلوقتي بدفع 300 جنيه كل شهر تحت بند الممارسة".
اقرأ أيضًا: وجبات الشارع بعد ارتفاعات الأسعار.. “تخيل إنك بتاكل لحمة”
يشتري باسم عُلبة الجبن حجم نصف كيلو بـ 10 جنيهات بدلًا من 36 جنيهًا في المحال الطبيعية. كما يشتري عُلبة سمك التونة بسعر 25 جنيهًا، بينما يشتري اللحوم المستوردة بسعر 120 جنيهًا للكيلو بدلًا من 220 جنيهًا. تختلف الأسعار حسب مدة انتهاء صلاحية المنتج، وشكل العبوة.
أحيانًا يتمكن "باسم" أيضًا بعد رحلة بحث طويلة من إيجاد وجبات من بقايا لحوم المطاعم تباع على أرصفة السوق. هذه على وجه الخصوص تُزيد مائدة الجمعة لذة تنتظرها الأسرة، وإن كانت لذن منقوصة بمخاطر سوء المنتج. "موضوع الخطر في الأكل اللي بجيبه ده أكيد بقلق منه، بس أنا اتعودت اتأقلم واتعامل مع المخاطر دي. باكل قبل ولادي بساعتين عشان لو الأكل اتسمم ما يتأذوش هما"؛ يقول "باسم".
لا يزال الرجل يتذكر تلك الليلة التي أصيب فيها ابنه الأصغر بنزلة معوية بسبب الطعام. "كانت ليلة سوداء، قعدت أبكي.. كنت حاسس إن أنا اللي سممته.. يومها فكرت في الانتحار واللي منعني بس أن حتى الأكل البايظ ده عيالي ممكن مايلاقهوش لو أنا مت".

بينما لا يوجد إحصاء دقيق بعددها، تنتشر في مصر عدة أسواق بقايا الطعام، أهمها سوق الجمعة، الذي يضم في الأغلب معلبات أوشكت صلاحيتها أو انتهت بالفعل، إلى جانب أسواق بقايا طعام المحلات والمطاعم، المعروفة للفقراء في عدة مناطق؛ منها إمبابة بمحافظة الجيزة، وأم بيومي في شبرا الخيمة، حيث تتراوح الأسعار حسب هيئة الطعام وتغليفه؛ فمثلًا يباع الدجاج المطبوخ في أكياس يتراوح سعر الكيس منها بين 30 و50 جنيهًا حسب الوزن وطريقة الحفظ، بينما تكثر منتجات كسر الحلويات من المخبوزات والحلويات التي مرت فترة يومين أو ثلاثة على خبزها، وتباع إما لسيدات يسوقن لها من المنزل، أو إلى بائعي أسواق الطعام.
وتعرف هذه الأسواق أيضًا الوجبات الجاهزة المعاد تدويرها من بقايا المطاعم في عبوات مغلفة تتضمن الأرز والبروتين والخضروات أحيانًا، وينخفض سعرها إلى حوالي 50%.
الموت في وجبة منخفضة التكلفة
نهى مروان واحدة من السيدات اللاتي يجمعن كسر الطعام بغرض بيعه عبر جروب أنشأته على تطبيق "واتساب"، وساحة خاصة (طاولة اليوم المفتوح open day) في نوادي الطبقة المتوسطة.
تقول: "مش كل اللي بيتباع في الأسواق دي فاسد.. أنا ببقى حريصة إني اختار نوعية أكل مش فاسد.. أنا باكل منه أنا وعيالي.. أنا بشتري بواقي الحلويات من محلات بتراعي ربنا في منتجاتها.. أنا بكسب وهما كمان مش بيرموا هدر الحلويات اللي مر عليها 3 أيام من خبزها.. بيلاقوا فرصة يكسبوا منها.. أنا بقى باخد الحلويات دي وأغلفها وأعرضها للبيع بأقل من سعرها الرسمي، فأنا كمان بوفر فرصة للأسر اللي مش قادرة تجيب حلويات لعيالها بسبب الأسعار إنهم يلاقوا حاجة معقولة وبسعر كويس".

لا يقتصر عمل "نهى" على الحلويات والمخبوزات فقط، بل أيضًا تقدم بعض الأطعمة الجاهزة الأخرى مثل البطاطس نصف المقلية. "بكتب على العبوة إنها درجة ثانية للآمانة، وكمان ببيع الفراخ المقلية والهوت دوج وغيرها من الأصناف التي بشتريها من مصانع صغيرة بأسعار معقولة. مش بالضرورة تكون المنتجات دي سيئة عشان مصانعها غير معروفة، الأمر ببساطة له علاقة بالحملات الإعلانية؛ أي منتج يتحمل في سعره تكلفة الإعلانات، وهذه المصانع قررت إن يكون السعر هو الإعلان، بدلًا من رفع السعر مقابل الإعلان".

بحسب د.سيد حماد، استشاري التغذية بالمعهد القومي للتغذية، فإن الأطعمة منتهية الصلاحية، خاصة الرطبة منها، سواء كانت مصنعات لحوم أو أجبان وغيرها، تحتوى على فرصة أكبر لنمو البكتيريا السامة وأنواع أخرى من العفن، كلها تؤذي المستهلك، سواء على المدى القريب مثل حالات التسمم أو النزلات المعوية، أو على المدى البعيد بإمكانية أن تسبب أمراضًا خطيرة قد تصل للسرطانات في بعض الأحوال، مشيرًا إلى أن اللحوم مجهولة المصدر تعد من أخطر ما يمكن أن يتناوله الإنسان؛ لأن نسب انتشار بكتيريا سامة مثل السالمونيلا بها مرتفعة.
ويضيف "حماد" أن حتى المعلبات وإن كانت داخل تاريخ صلاحيتها مثل الجبن نباتي الدهن هي من المهددات برفع نسبة الكوليسترول في الجسم ومن ثم احتمالية الوصول إلى الجلطات، وهذه المخاطر تكون مضاعفة في حال كانت هذه المنتجات منتهية الصلاحية.
تحدد المكتبة الوطنية الأمريكية للطب مسببات التسمم الغذائي بـ: الأطعمة النيئة - وغير المطبوخة جيدًا - والمتروكة لفترة طويلة - وغير المخزنة في درجات حرارة مناسبة.
التأقلم إلى حد الكفاف
ترفض "تغريد مسعود" فكرة أسواق بقايا الطعام، كوسيلة للتكيف مع ارتفاعات أسعار المنتجات المتتالية. في المقابل، غيرت نظام أسرتها الغذائي بالكامل؛ فالأم التي تعول 4 أطفال بعد أن توفي زوجها بجلطة مفاجئة في القلب، تعيش حياتها كلها تقلبًا في التأقلم حتى الفرصة الأخيرة.
اقرأ أيضًا: كان عندك طبقة متوسطة و”راحت”.. ما فعلته بنا سياسة الاستدانة ورفع الدعم
"جوزي الله يرحمه كان موظف حكومي، مرتبه مكنش ضخم لكنه بمقاييس الأسعار وقتها كان بيكفي إننا ناكل بروتين 4 مرات في الأسبوع. كان حالنا أفضل قبل وفاته اللي حصلت قبل بلوغه سن المعاش، وده معناه لأسرة من أم و4 أطفال إننا هنكمل حياتنا الباقية بمعاش قليل (أقل من 3 آلاف جنيه) بسدد منها التزامات شهرية من كهرباء ومياه وغاز فيتبقى 2000 أكمل بيهم مصاريف الولاد وأكلهم وشربهم".
تصف "تغريد" حياتها بأنها محاولة دائمة للتكيف، فمع وفاة زوجها انخفض الدخل بصورة كبيرة، لاسيما وأن الإجراءات الخاصة بصرف المعاش تأخرت شهرين كاملين بفعل البيروقراطية.
"البداية من جديد بعد وفاتها كانت أصعب اللي مريت بيه؛ اضطريت أقسم مصاريف الجنازة على الفترة اللي مستنية فيها المعاش، وفي الوقت ده قررت أقلل المصاريف. بناكل بروتين مرة واحدة في الأسبوع، جنب الخضار وبقيت الأكل اللي بنعرف نوفره. في الإجازة كمان بنقلل عدد الوجبات لوجبتين بس الفطار والعشا.. مش أحسن حاجة بس أهو الدنيا بتمشي"؛ تقول "تغريد".
بعد ثلاثة أشهر من حصولها على معاش زوجها، استطاعت "تغريد" الحصول على معاش والدها الموظف السابق بوزارة الثقافة، وهو ما جعل دخلها يزيد عن 4500 ألف جنيه تقريبًا -92 دولارًا- حينها شعرت بأن الوضع تحسن، لكن بعد شهرين فقط وقع تعويم العام 2022، وارتفع سعر الدولار إلى 19.75 جنيه بدلًا من 15 جنيهًا، وبعد 8 أشهر حدث تعويم ثان ليصل سعر الدولار إلى 25 جنيهًا، ومعه ارتفعت أسعار كل المواد الغذائية، وهو ما التهم الزيادة التي فرحت بها "تغريد".
بعد كل انفراجة تعويم
"بعد انفراجة المعاش قررت أن البروتين يكون 3 أيام في الأسبوع، مع الفلوس اللي بتيجي من شغلي في التطريز، فكنت اشتري كيلو إلا ربع لحمة في الأسبوع بسعر 120 جنيه، واشتري فرخة واحدة بـ 90 جنيه، وكيلو من هياكل الفراخ بحوالي 30 جنيه، أو نصف كيلو من الكبدة المجمدة بالسعر نفسه، ولكن لم يستمر ذلك إلا لمدة شهرين حيث ارتفعت كل الاسعار بصورة مفاجئة".

عقب التعويم ارتفعت الأسعار بصورة كبيرة بالإضافة إلى أسعار الزيت والسمن والأرز والمكرونة وحتى الخضروات، لذلك بدأت "تغريد" في البحث في تقليل جودة الطعام، حيث لجأت للحوم المستوردة بدلًا من اللحم البلدية، واكتفت بهياكل الدجاج التي كانت تشتريها قبل وفاة زوجها كطعام لقطط المنزل بسعر 10 جنيهات للكيلو، بينما لجأت لشراء السمن "السائب" من محلات السرجة، لكونها أرخص من السمن المعبأ.
ضمن بحث "تغريد" عن أسعار أقل، اشترت لحومًا مفرومة من عدة منافذ متنقلة، إلا أنها فوجئت في أحد المرات بوجود ريش وأمعاء داخل اللحم، مما اضطرها للاستغناء عنه، وظلت بعدها عدة أشهر لا تشتري اللحم.
"لحد دلوقتي بحاول اتكيف مع تغيرات الأسعار، فمع أزمة الزيت بقيت بشتري الزيت السايب من السرجة، اللي مش عارفة أضمن جودته أو حتى صلاحيته للاستهلاك من عدمه، لكنه البديل الأوفر خصوصًا وإن البطاطس المقلية طعام رئيسي في بيتي لأيام كتيرة".
البطاطس نفسها كانت خضعت لتخفيض الجودة في منزل تغريد، فمع ارتفاع سعرها لتصل إلى 30 و40 جنيه للكيلو، اضطرت لشراء أكياس البطاطس النصف مقلية من جروبات الانترنت، لان الكيس البالغ وزنه 2 كيلو ونصف لم يزيد سعره عن 50 جنيه، رغم عدم معرفتي بمدى جودة هذه البطاطس أو الزيت المستخدم في تجهيزها.
بحسب نشرة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الشهرية الاسترشادية لأسعار المستهلكين للمواد الغذائية، بلغ سعر اللحم البلدي في ديسمبر 2021 نحو 148.5 جنيه، وارتفع في ديسمبر من العام التالي لنحو 181 جنيهًا، وفي ديسمبر عام 2023 بلغ نحو 325 جنيهًا، وفي يناير الماضي وصل لنحو 333 جنيهًا، وهو ما يعني أن اللحوم ارتفع سعرها بنسبة 225% خلال عامين.
أما اللحوم المستوردة، فقد ارتفعت من 78.30 جنيه في ديسمبر 2021 إلى 125.60 جنيه في يناير 2022، لتبلغ في يناير 2024 نحو 227.24 جنيه مصري، وترتفع نسبة زيادة السعر باللحوم المستوردة عن نسبة زيادة أسعار اللحوم البلدية، لتصل في عامين إلى 290%.

بيزنس بقايا زيت الطعام
في 2013، بدأت شركة "تجدد" لتجميع زيت الطعام المستعمل المقدر سنويًا بـ 500 ألف طن، في إنتاج الوقود الحيوي. ومنذ هذا التاريخ انتشرت شركات جمع وتكرير زيت الطعام المستخدم لتصنيع المنظفات والوقود الحيوي، إلا أنه في المقابل نشأ سوق موازي لجمع الزيت المستخدم من المنازل سواء عن طريق الباعة الجائلين أو مواقع التواصل الاجتماعي، والذي تتسرب كميات منه إلى سوق زيت الطعام مرة أخرى، بعد إعادة تكريره، ببيعه للمطاعم بأسعار أقل، أو عن طريق إعادة تعبئته في عبوات جديدة، واستخدام ماركات مجهولة.
تنشر وزارة التموين بصورة دورية أخبارًا حول ضبط مصانع تكرير زيوت مجهولة المصدر.

بحسب وكيلة النقابة العامة للأطباء البيطريين ورئيس لجنة سلامة الغذاء، الدكتورة شيرين علي زكي، فإن الزيوت المعاد تدويرها خطر على صحة الإنسان وتعتبر أحد مسببات السرطان، مشيرة إلى أن الزيت المعاد تدويره تتغير تركيبته الكيميائية بسبب تعرضه للضوء والأكسجين، والطرق المستخدمة لتكريره التي تزيل الشوائب فقط، وتنقي لونه، بينما يظل متغيرًا في التركيب الكيميائي وانحلال المكونات.
وتطالب وكيلة نقابة الأطباء البيطريين الدولة بتشديد الرقابة على تجارة الزيت المستخدم خاصة الباعة الجائلين بسبب إمكانية تسرب هذه الزيوت إلى المطاعم، مشيرةً إلى وجود مبادرات للتخلص الآمن من الزيت المستخدم عبر وزارة البيئة.
طعام الكلاب طعامنا الآن
اعتادت "تريزة أمير" شراء الدواجن النافقة من صاحب محل قريب من الكنيسة التي تتبعها في الخصوص بمحافظة القليوبية. كانت تطهوها لكلاب الشارع خلال السنوات الماضية، ولكن مع ارتفاع أسعار الدواجن أصبحت تشتري الدواجن نفسها لإطعام أطفالها الثلاثة، لاسيما مع عدم انتظام زوجها في العمالة الموسمية.
"قبل 3 سنين كنت بدور على حاجة أعمل بيها خير بس دلوقتي ومع وضعنا المادي وارتفاعات الأسعار اللي مش طبيعية ما بقاش عندنا حل غير ده".
سعر كيلو الدواجن النافقة الذي كان لا يزيد عن 10 جنيهات ارتفع الآن إلى نحو 60 جنيهًا، كما توضح "تريزة"، التي تخدع نفسها بحديث صاحب المحل عن أن هذه الدواجن التي يبيعها لها ليست نافقة، وإنما كانت على وشك النفوق بسبب الحرارة أو غيرها من العلل. لكنها في قرارة نفسها تعلم أنه يبيعها نافقة في الأغلب، ولا يريحها إلا أنها تشتريها في أوقات قليلة، غالبًا بعد فترة الصيام التي تزيد عن 100 يوم في السنة.
فضلًا عنالدواجن النافقة، تشتري "تريزة" الدواجن المصنعة كـ "الناجتس" و"البانيه" و"الهوت دوج" من ماركات مجهولة بمحال المجمدات. ورغم علمها بأن هذه المصنعات غير صحية حتى وإن كانت ذات جودة عالية، إلا أنها لا تستطيع أن تحرم أبنائها من البروتين طوال الأسبوع.
بحسب نشرة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لمتوسط أسعار المستهلكين للسلع الغذائية بلغ سعر الدجاج الأبيض أو دجاج المزارع 29.56 جنيه للكيلو في ديسمبر 2021، بينما بلغ في ديسمبر 2022 نحو 45.17 جنيه للكيلو، وفي يناير عام 2024 وصل سعرها 76 جنيهًا، بينما في أبريل 2024 وصلت لما يزيد عن 100 جنيه، لتبلغ نسبة زيادتها في عامين 338%.
"أوت ليت" الطعام
قبل 8 سنوات، تطلقت "مهجة عبد الرحمن" من زوجها قبل أن تبلغ سن 21 عامًا، لم تستطع الحصول على نفقة من طليقها الذي منعها أيضًا من الحصول على معاش "تكافل وكرامة"، لأنه اشترى مركبة "توكتوك" باسمها، فلم يكن أمامها سوى العمل كحارسة عقار بالسادس من أكتوبر، بعد أن سمحت لها مالكة العقار بأن تقطن بحجرة صغيرة في الحديقة، وتعمل كمعينة منزلية لديها براتب لم يزد عن ألفين جنيه، ووجبة بروتين أسبوعية، بينما تدبر باقي مصروفاتها من خلال عملها في المنازل القريبة من العقار الذي تحرسه بموافقة صاحبة العقار.
ومع وصول بناتها لسن الـ 8 سنوات بدأن في مساعدتها، إلى جانب دراستهن في المعاهد الأزهرية التي فضلت إلحاقهن بها لانخفاض مصروفاتها عن التعليم الحكومي العادي.
تقول "مهجة": "في أول 5 سنين ما كانتش الدنيا بنفس الغلا ده دلوقتي، الأزمة بقت أصعب من قدرتي على تحملها أو حتى قدرة صاحبة البيت على مساعدتي. ما كنش قدامي حل غير إني اشتغل بشكل كامل أنا والبنات عشان نعرف نكفي مصاريفنا".
"أوت ليت الطعام" هو مصدر غذاء "مهجة" وبناتها الرئيسي. تقول: "بشتري علب الجبنة من مصانع المنطقة الصناعية.. الشركات بتبيع منتجاتها اللي تغليفها بايظ ومش هينفع تبيعها للمحلات.. أنا باخد المنجات دي بسعر ما بيزيدش عن 60 جنيه للكيس اللي وزنه 2 كيلو، وبعمل نفس الكلام مع البيض الأقل جودة أو بيض البط من عربيات التوزيع في المنطقة الصناعية بسعر 75 جنيه للطبق بدل 150"؛ تقول "مهجة".
أما اللحوم والدواجن، فتكتفي "مهجة" بوجبتين أسبوعيًا، واحدة منهما تشتريها صاحبة المنزل لها، أما الثانية فتتلقاها أحيانًا من أحد الأسر التي تعمل لديها أو تبتاعها كلحوم مستوردة أو مصنعة أو أجنحة دجاج مخفضة السعر من أسواق مجهولة. وكذلك تفعل مع الزيوت والأرز والمعكرونة.
ليه بنخاف من اللحوم المجمدة؟
"الأزمة مش في اللحوم المجمدة، الأزمة في إعادة التصنيع"؛ يقول "توفيق خضر" صاحب محل مجمدات في منطقة منطي بشبرا الخيمة، مشيرًا إلى أن اللحوم المجمدة أو المستوردة في الأغلب هي لحوم جيدة، ولا تفرق كثيرًا عن اللحوم البلدية، لاسيما وأن مزارع العجول في مصر تستخدم الأدوية الهرمونية بصورة كبيرة، ولكن الأزمة الأساسية في إعادة التصنيع، حيث ممارسات بعض المصانع من فرم اللحوم المستوردة المجمدة وإعادة تصنيعها في منتجات السجق والهوت دوج والكفتة والبرجر، التي تدخل في تصنيعها مواد أخرى ضارة تتنوع بين محسنات الطعم والقوام والدهون، وهذا فضلًا عن عمليات فك اللحوم بفرمها وإعادة تجميدها في المنتجات بما يسمح بنمو وتكاثر البكتيريا بها.
ويضيف "توفيق" بواقع خبرته العملية في تجارة هذا النوع من المنتجات أن الجزء الأخطر هو استخدام لحوم اقتربت صلاحيتها على الانتهاء لتصنيع هذه المنتجات. "هنا الخطر بيبقى أكيد"؛ يقول.
وقد انخفض مؤشر جودة وسلامة الغذاء في مصر في عام 2022 إلى 45.9 نقطة، وهو تراجع كبير مقارنة بـ60.7 نقطة في العام السابق. وكانت مصر سجلت أعلى نقاطها في هذه الفئة بين عامي 2015 و2017. ويبلغ مؤشر الأمن الغذائي العام الحالي (2024) 56 نقطة.
وتشمل الفئات الرئيسية الأربعة لمؤشر الأمن الغذائي العالمي (GFSI) كلًا من القدرة على تحمل تكاليف الغذاء، وتوافره، وجودته وسلامته، بالإضافة إلى الاستدامة والتكيف.