لاحظت "علياء" قبل عدة سنوات أنها لا تجد فروقًا بين شفرات الحلاقة وردية اللون المخصصة للنساء والزرقاء المعنية بالرجال، فهما للشركة المنتجة نفسها، يختلفان فقط في السعر واللون الذي يميز إحداهما عن الأخرى، فقررت أن تستخدم تلك المخصصة للرجال. "مش هأذي بشرتي بدي أنا"؛ قالت ابنتها، بينما كان رد الأم: "يا بنتي ما فيش فرق بين الاتنين، الفرق في السعر بس والله".
هذه الجدلية بين ليلى الابنة وعلياء الأم ربما ما كانت لتتصاعد لولا الخدعة الدعائية التي وقعت بها "ليلى"، في إعلانات التليفزيون. "شفرتان؛ إحداهما باللون الأرجواني للبشرة العادية، بينما ما تحلمين به هنا في الأخرى ذات اللون الوردي للعناية بالبشرة الحساسة". اقتنعت "ليلى" وحاولت إقناع "علياء"، التي أدركت الخدعة سريعًا بالملاحظة والتجربة.
"هذه ضريبة وردية"؛ تشرح "علياء" لـ"ليلى" كيف أن شركات الدعاية تستخدم هذه الأفكار للترويج فقط. مجرد خُدعة تمارسها الشركات لكي تقتنع النساء بأن سعر الشفرة الذي يتعدى 450 جنيهًا للشفرة الواحدة منطقي ومبرر.
الضريبة الوردية أو الضريبة الأنثوية، ليست قانونية وإنما هي رسم إضافي أو هامش ربح على المنتجات الخاصة بالنساء، في حين أن النسخة الذكورية من المنتجات نفسها تكون تكلفتها أقل.
الأعباء الاقتصادية المفروضة على النوع
تقول "علياء"، في حديثها لـ"فكر تاني": "نحن النساء، بالإضافة إلى الضرائب الوردية، نتحمل أعباءً اقتصادية إضافية بحكم النوع الاجتماعي وتنميط المجتمع لمظهرن الخارجي وربطه بالمكانة الاجتماعية".
"لو لبست لبس غالي، واعتنيت برشاقتي وشعري ومظهري، يعاملونني كهانم، والعكس تمامًا هيحصل لو كنت عادية"؛ تضيف "علياء"، التي تشرح كيف هي الأعباء الاقتصادية إضافية على المرأة كونها امرأة، فتقول: "عشان أنا مش محجبة، وبسعى إني أمنع عن نفسي المضايقات والتحرش في المواصلات العامة باضطر أدفع أكتر في وايل مواصلات خاصة لأنها أكتر أمانًا. بيحصل ده وأنا وغيري من الستات والبنات بنعاني من فجوة في الأجور مقارنة بالرجالة".
ليست منتجات فقط.. الخدمات أيضًا وردية
الأمر لا يتوقف عند المنتجات، الخدمات كذلك منها ما يتعرض للضريبة الوردية. "أنا بدفع في بعض الخدمات أكثر من جوزي. اكتشفت ده لما قررت اتعلم القيادة"؛ تقول "عبير"، التي تحدثت مع "فكّر تاني"، فقالت: "جوزي كان رافض إن يكون المدرب راجل، فدورت على مدربة، والأسعار كانت تقريبًا الضعف من 1300 لـ2000 جنيه".
التكلفة المجبرة عليها "عبير" كونها امرأة تتجاوز فكرة الاستغناء عن بعض المنتجات، فالأمر متشابك إلى الحد الذي يصل بهذه المنتجات والخدمات وجودتها حد الضرورة. "بصرف أكتر من نص مرتبي عشان ألتزم بتعليمات الشركة اللي شغالة فيها، سواء في اختيار الملابس الرسمية، أو استخدام مساحيق التجميل والعطور والأحذية ذات الكعب العالي والحقائب والأكسسوارات، دي كلها تكاليف إضافية طبعًا زمايلي الرجالة مش هيتكلفوها، رغم إن مرتباتهم أكبر من مرتبي".
تشمل الضرائب الوردية المفروضة على السلع الخاصة بالنساء: مستحضرات التجميل - العطور - أدوات الرياضة - الملابس والأحذية - منتجات الرعاية الصحية - لعب الأطفال، وتمتد إلى محلات تصفيف الشعر والخياطة وخدمات تعليم القيادة.
تلجأ "عبير" كما غيرها من النساء إلى شركات التوصيل الخاصة تجنبًا للتحرش والمضايقات، والتي تضاعفت أسعار خدماتها في الفترة الأخيرة بشكل مبالغ تأثرًا بمعدلات التضخم. "خلاص هعمل ايه باضطر أركب مواصلات عامة بس برضه تكلفتها عالية مش هتبقى عادية.. باخد كرسيين في الميكروباص عشان أمنع الاحتكاك على قد ما أقدر"؛ تقول.
تنميط واستغلال
تربط جواهر الطاهر، مديرة برنامج الوصول للعدالة بمؤسسة قضايا المرأة، بين فرض الضرائب الوردية على المنتجات النسائية واستغلال الشركات لكون تلك المنتجات تمثل أهمية كبيرة لدى النساء مقارنة بالرجال.

تقول الطاهر لـ "فكّر تاني: "يضع مجتمعنا معاييرًا للجمال والقبول، فتصبح منتجات التجميل والعناية الشخصية ضمن الأساسيات بالنسبة للمرأة في حين إذا لم يهتم بها الرجال لا يتعرضون للنبذ المجتمعي".
وتوضح جواهر أنه في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة وارتفاع معدلات الفقر، فإن قدرة النساء الأكثر فقرًا على الوصول للمنتجات النسائية وحتى مستلزمات الحيض باتت محدودة وتعجز بعضهن عن شرائها، في حين تضطر بعض النساء لشراء منتجات أقل جودة لأنها أرخص، ما يعرضهن للمخاطر الصحية.
وتستنكر جواهر الطاهر التنميط الواضح في تخصيص اللونين الوردي والأرجواني لمنتجات النساء.
اقرأ أيضًا: "وعملوها الستات".. المناصب القيادية ليست للرجال فقط

فيما تؤكد مي صالح، الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي، أن الضرائب الوردية والفجوة الجندرية في الأسعار، هي ظاهرة رصدتها مؤسسات المجتمع المدني والباحثون المهتمون بقضايا المرأة منذ فترة، ولا سيما فيما يخص المنتجات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية بالإضافة لمستحضرات التجميل، وهي أشياء تستخدمها النساء بشكل دوري وأحيانًا يومي.
وتشير صالح إلى أن حجم الفجوة الجندرية في الأسعار يصل إلى 40% زيادة في أسعار المنتجات النسائية بال
مقارنة مع منتجات الذكور، حيث تزعم الشركات المنتجة أن المنتج الخاص بالإناث أعلى جودة من نظيره الرجالي، بدعوى "معايير الجمال والبشرة الحساسة للمرأة".
وتضيف صالح: "وهو ما يؤثر على الوضع الاقتصادي للنساء، لا سيما إذا كانت لا تعمل وتعتمد على زوجها أو أبيها في النفقات، الأمر الذي قد يضطر بعضهن للجوء إلى منتجات الرجال الأقل سعرًا".
المطرقة والسندان
وتشير الباحثة، مي صالح، إلى أن المرأة في هذا الوضع تقع بين مطرقة شركات الدعاية وسندان الحكومة، حيث تقوم الأفكار الدعائية على تنميط وتسليع النساء وتضيف عليهم عبئًا إضافيًا من أجل ترويج منتجاتها، وتؤكد الحكومة أن غالبية المنتجات النسائية -حتى الضروري منها- سلع استفزازية لا تستحق الدعم.
وتؤكد صالح أن تحمل النساء للأعباءً الاقتصادية الإضافية لا يتوقف عند مستلزمات التجميل والعناية بالبشرة وغيرها من السلع، فهي تتحمل أيضًا كلفة وسائل المواصلات الأكثر أمنًا، والإيجارات الأعلى ليعيشن في مناطق أفضل تجنبا للمضايقات.
اقرأ أيضًا: "ادبحلها القطة".. إثبات الرجولة على حساب أجساد النساء في ليلة الزفاف
رمز الأنوثة
ترى الدكتورة سعاد الديب، رئيس الجمعية الإعلامية للتنمية وحماية المستهلك، أن الفوارق الجندرية في أسعار المنتجات ترتبط بمدى أهمية السلعة بالنسبة للمرأة وارتباطه بالقوة الشرائية المستهدفة من الشركة المنتجة، مشيرة إلى أن اللون الوردي يرتبط عادة بالأنثى، لذا تستخدمه بعض الشركات والمصانع في تلوين منتجاتها وتغليفها والتي تستهدف بها جذب النساء للشراء ورضاءً لأذواقهن، مشيرة إلى صعوبة السيطرة على تلك الفوارق في الأسعار.
وتوضح سهى عبدالعظيم، أخصائية تسويق ومديرة منتج بإحدى شركات مستحضرات التجميل، أن بداية ربط اللون الوردي بالنساء كانت في منتصف القرن الـ20، حين تمت الإشارة به للأنثى في أربعينيات القرن الماضي.
تستكمل عبد العظيم أن هذا اللون في فترة الخمسينيات أصبح رمز الأنوثة المفرطة، وازدادت شعبيته في الستينات، وقد ارتبط هذا اللون بالنسبة للشركات والمصانع بمنتجات النساء أكثر من غيره من الألوان، ومؤخراً أصبح اللون "الموف" أو البنفسجي الفاتح هو الآخر مرتبطًا بالسلع النسائية، وهنا ظهر مصطلح التسويق الوردي..
وتشير خبيرة التسويق إلى أن المنتجات وردية اللون غالبًا ما تكون أسعارها أعلى بنسبة تتراوح بين 13% إلى 40% مقارنة مع المنتجات الزرقاء والوردية، وتستغل الشركات كون عملية التسوق بالنسبة للمرأة مصدرًا للسعادة، مؤكدة أنه من الخطأ الاعتقاد بأن النساء يتشابهن في أذواقهن واحتياجاتهن وأنهن سيقبلن بالضرورة على شراء أي منتج وردي اللون، حيث أن التسويق للمرأة يجب أن يراعي طبيعتها النفسية ونمط تفكيرها ودوافعها الشرائية، وأن يضع في حسبانه أن المرأة تؤثر أيضًا على القرارات الشرائية للرجل، وتتسوق لشراء احتياجات أسرتها وأطفالها.
وترى الخبيرة أن الشركات التي تعتقد أن المرأة أقل حساسية للأسعار وأنها لا تكترث للضريبة الوردية المضافة لسعر المنتج النسائي هي بالتأكيد مخطئة، فكثير من النساء يبحثن عن تخفيضات المتاجر وعروض الشراء للتوفير، لاسيما في ظل ارتفاع الأسعار بشكل عام والضغوطات الاقتصادية.