هل أُسدل الستار على قضية "مقابر الإمام؟"

طفت على السطح أزمة مقابر الإمام الشافعي والسيدة نفيسة مرة أخرى في الأيام السابقة، بعد صدور قرار محافظة القاهرة رقم 2557 لسنة 2024، بوقف الدفن في المقابر والمدافن الواقعة في نطاق محور صلاح سالم البديل، وهي الموجودة في منطقتي الإمام الشافعي والسيدة نفيسة بالقاهرة.

البداية كانت في 2022 عندما أعلنت محافظة القاهرة استكمال مشروع تطوير منطقة شرق القاهرة وانشاء محور الحضارات، والتي تضمنت هدم بعض البيوت بمنطقة عرب اليسار بحي الخليفة وإزالة بعض مقابر منطقة السيدة عائشة والسيدة نفيسة والإمام الشافعي، ونقل قرابة 2700 مقبرة إلى أماكن بديلة في منطقة 15 مايو وهدم كوبري السيدة عائشة، وذلك لعمل توسعة في الطرق وإنشاء الكباري.

مقابر ومبان أثرية وتاريخية

بدأ هدم مئات المباني لبدء أعمال المرحلة الثانية بالمنطقة، بعد صرف التعويضات القانونية اللازمة للمستحقين، أما بخصوص المقابر فقد أكد "وليد يوسف" مدير إدارة الجبانات بمحافظة القاهرة في تصريح له بأحد المواقع، أن حال هدم مقبرة يتم توفير البديل بمعرفة المحافظة، أما نقل رفات الجثامين فتتم بمعرفة ذويهم الذين يتم إخطارهم قبل عملية الهدم ب 6 أشهر، على أن تستأنف عمليات الهدم بعد نقل رفات المتوفى بأسبوع.

إلاّ أن القضية بدأت تتصاعد إعلاميا عندما ارتفعت أصوات غاضبة من المواطنين وعشاق التراث والأثريين، إذ أن المنطقة المذكورة تحوي مبانٍ أثرية ومقابر تراثية مسجلة ضمن قوائم التراث المعماري المتميز بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري وقد وضعت عليها علامة الإزالة، منها مقابر لمجموعة من أهم الشخصيات التاريخية والسياسية والثقافية والمبدعين والكتاب في تاريخ مصر، مثل الشيخ محمد رفعت والشيخ محمد المراغي، والشاعر حافظ إبراهيم ويوسف بك وهبي والكاتب يحيى حقي وغيرهم.

اقرأ أيضًا: “طالع إزالة”.. مصريون إلى الشوارع بعيدًا عن السياسة

كما استغاث عدد من مُلاك المقابر الموجودة خلف مسجد السيدة عائشة والسيدة نفيسة، من إبلاغ محافظة القاهرة  لهم بنقل رفات أسرهم بشكل مفاجئ، ووقف تصريح الدفن بالمقابر مع سرعة نقل الرفات إلى المقابر البديلة بالعاشر من رمضان، الأمر الذي دفعهم بالاستغاثة بالرئيس عبد الفتاح السيسي ومناشدته.

"جدي مدفون في لحد داخل المقبرة، وكدة هيكسروا عليه اللحد عشان يطلعوا الرفات، ده تاريخ، ده تاريخنا، ومش عارفين نعمل إيه" استغاثة الحاجة هناء، حفيدة الشيخ محمد رفعت، بالجهات المسئولة ومحبي الشيخ محمد رفعت من أجل التدخل لوقف قرار إزالة مقبرته.

"تم إبلاغنا عبر التربي بأنه تلقى قرارًا بضرورة إخلاء الأحواز والحصول على أخرى بديلة في العاشر من رمضان، فوجئنا بقرارات الإزالة ونحن لانعترض على المنفعة العامة لكن يجب الحفاظ على الطابع التراثي والتاريخي بالأخص مدفن مثل مدافن الشيخ المراغي" شيرين تحسين حفيدة الشيخ محمد المراغي.

توقف الهدم وتشكيل اللجنة

في بيان رئاسي، بعد تفاقم الأزمة، دعا رئيس الجمهورية إلى إصدار عدد من التوجيهات، منها سرعة تشكيل لجنة يرأسها مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء وتضم جميع الجهات المعنية من الأثريين المختصين والمكاتب الاستشارية الهندسية، لتقييم الموقف بشأن نقل المقابر بمنطقة السيدة نفيسة  والسيدة عائشة والإمام الشافعي، وتحديد كيفية التعامل مع حالات الضرورة التي أفضت إلى مخطط التطوير، على أن تقوم اللجنة بدراسة البدائل المتاحة والتوصل لرؤية متكاملة وتوصيات يتم الإعلان عنها للرأي العام قبل يوم الأول من يوليو 2023. كما وجه بإنشاء "مقبرة الخالدين" في موقع مناسب، لتكون صرحاً يضم رفات عظماء ورموز مصر من ذوي الإسهامات البارزة.

تكونت اللجنة من 8 من الأساتذة والهندسين ومتخصصي المعمار، و2 من ممثلي الدولة، أحدهم ممثل عن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والآخر وهو مساعد مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمراني، ويباشر عمل اللجنة وزير التعليم العالي، أيمن عاشور، الذي يرفع تقارير العمل إلى رئيس مجلس الوزراء.

قدمت اللجنة حلولًا بديلة عن إزالة المقابر، تقضي بإقامة كوبري بديل موقع كوبري السيدة عائشة الحديدي القائم حاليًا، على أن يصمم بمخارج متعددة، ليصبح رابطًا بين شارع صلاح سالم ومنطقة المقطم، ومحور الحضارات ومنطقة سور مجرى العيون والمناطق المحيطة، كما وضعت تصورًا للتعامل مع أزمة المياة الجوفية التي تضرب بعض المقابر، عبر إقامة مساحات خضراء وزراعة شجيرات موقع المقابر التي أُزيلت بالفعل، إذ تمتص الأشجار المياه الجوفية الزائدة تحت الأرض، وتوقف تدفقها بين المقابر.

عودة العلامات

ولكن في سبتمبر 2023، وفي الوقت الذي كانت اللجنة تنتظر ردًا من مجلس الوزراء على اقتراحاتها، بدأت الحكومة في عمليات إزالة جديدة لبعض المقابر في منطقة الإمام الشافعي، ما دفع 4 أعضاء من اللجنة إلى التقدم باستقالاتهم النهائية، اعتراضًا على استمرار الهدم وعدم الانتظار لحين نهاية عمل اللجنة.

" قدمنا حلول بديلة للهدم إلى اللجنة الهندسية التي استأفت أعمال الهدم والإزالة في نفس الوقت دون اعتبار لطرحنا، وهو الأمر الذي سبب لي ولبعض الزملاء حالة من الغضب والحزن ما دفعني إلى الانسحاب واستقالة 4 أعضاء من اللجنة اعتراضًا على هذا الموقف" د. عباس الزعفراني عميد كلية التخطيط العمراني الأسبق وأحد أعضاء اللجنة، في حديثه لمنصة "فكّر تاني".

في 18 من أبريل الجاري أصدرت محافظة القاهرة  منشورًا رسميًا وُزع على حراس المدافن بمنطقة الإمام الشافعي والسيدة نفيسة، يُفيد بوقف الدفن في مقابر المنطقة، وإصدار تراخيص الدفن الجديدة على المقابر البديلة في العاشر من رمضان، تمهيدًا لاستكمال أعمال الإزالة في نطاق محور صلاح سالم البديل، وكان السكان قد لاحظوا قبلها عودة علامات "إزالة" و "إكسX" حمراء على جدران مقابر المنطقة التاريخية.

أين اللجنة؟

عن موقف لجنة مقابر الإمام من استئناف أعمال الهدم مرة أخرى وهل أغلقت القضية على هذا الأمر قال "الزعفراني" لفكّر تاني: " لم تعد هناك لجنة، في البداية انسحبت ثم قدمت استقالتي منها مع باقي الزملاء، ولا أعلم إن كان هناك بعض من أعضائها مازال يعمل على الأمر، والوحيد الذي يمكنه الإجابة عن هذا السؤال هو الدكتور أيمن عاشور".

ويعبر الزعفراني أنه شهوره بالحزن والأسى كأي مصري يعتز بتاريخ بلده ويريد له البقاء والاستمرارية، مؤكدًا أن الأجهزة المعنية التي كلفت بالأمر كان من السهل أن تجد حلولًا للأزمة المرورية دون الحاجة للإزالة، لكنهم استسهلوا الهدم دون تقدير للقيمة التاريخية والأثرية للمكان.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة