قضت محكمة النقض هذا الأسبوع بقبول الطعن المقدم من البلوجر مودة الأدهم، وإيقاف عقوبة سجنها عامين، وتأييد تغريمها 300 ألف جنيه، في قضية الاتجار بالبشر، لتعود إلى قوائم "أعلى نسبة مشاهدة" مرة أخرى بعد اختفاء بلائحة من الاتهامات وعدد كبير من محاولات الطعن.
فكيف وصلنا إلى هنا؟
في البداية حنين حسام
كانت الفتاة الجامعية حنين حسام أولى المتهمات بتهديد القيم الأسرية، بعد القبض عليها في أبريل 2020، على خلفية حملة ممنهجة شرسة قادها بعض الإعلاميين الذين طالبوا علنًا بالقبض عليها بتهمة التحريض على الفسق والفجور.
ومنذ ذلك التاريخ دخلت فتيات التيك توك دوامة الملاحقة والاستهداف، إذ تم القبض على عدد من البنات، بينهن مودة الأدهم، التي قُبض عليها في 14 مايو، ووضعت مع حنين حسام في القضية نفسها.
أزمة مودة الأدهم
بدأت قضية مودة الأدهم في 2020، وقد شهدت تطورات عدة لكثرة التهم الموجهة إليها، والتي تضمنت نشر فيديوهات خادشة للحياء، ونشر مقاطع مخلة بالآداب، والتعدي على قيم الأسرة المصرية، واستغلال الأطفال لتحقيق أرباح مادية، والاتجار بالبشر.
وفي 20 يونيو 2021، قضت محكمة الجنايات بحبس مودة 6 أعوام، على خلفية اتهام النيابة العامة لها بالاتجار بالبشر، والاستغلال التجاري لطفلين عن طريق نشر مقاطع مصورة لهما على وسائل التواصل الاجتماعي، لتطعن بالحكم مرة ثانية.
وفي فبراير 2023، قضت محكمة النقض برفض الطعن المقدم من مودة و6 آخرين، ضد الحكم عليهم بالسجن المشدد 6 سنوات وتغريمهم 200 ألف جنيه بتهمة الاتجار في البشر وتأييد الحكم.
وفي 25 مارس 2024، قضت محكمة النقض بقبول الطعن المقدم منها وإيقاف عقوبة السجن عامين وتأييد تغريمها 300 ألف جنيه في قضية الاتجار بالبشر. وهو ما تزامن مع عرض الحلقات الأخيرة من مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة" الذي شهد تفاعلًا جماهيريًا كبيرا وربط الجمهور بينه وبين قصص فتيات مثل مودة وحنين حسام.
القيم الأسرية وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية
استندت النيابة العامة في تحقيقاتها مع فتيات التيك توك إلى المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، والتي تنص على أنه: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصرى، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين من دون موافقته، أو منح بيانات إلى نظام أو موقع إلكترونى لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته، أو بالقيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، لمعلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة».
فيما أوضح المركز الإقليمي للحقوق والحريات أن مصطلح «التعدي على المبادئ والقيم الأسرية»، في الفقرة الأولى من المادة 25 من قانون جرائم تقنية المعلومات، يعد مصطلحًا فضفاضًا غير محكم ويفتقر إلى المعايير التي يمكن من خلالها تحديد صور هذا التعدي، فضلًا عن أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات لم يضع تعريفًا محددًا واضحًا للقيم الأسرية التي تتسم بالنسبية وتختلف باختلاف الزمان والمكان، وتتأثر بمجموعة من العوامل منها طبيعة المجتمعات والثقافات والأديان وغيرها.
ولفت المركز في بيان إلى أن المادة تخالف العديد من النصوص الدستورية، من بينها نص المادة 95 من دستور 2014 المعمول به، والتي تقضي بأن تحترم النصوص العقابية مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، بأن تكون النصوص القانونية واضحة ومحددة بطريقة لا يكتنفها أي غموض، وأن يستدل على أركان الجريمة من المضمون الظاهر للنص وليس من خلال التأويلات والتفسيرات المختلفة لأحكامه، وهو ما تفتقر إليه عبارة «الاعتداء على مبادئ وقيم الأسرة المصرية»، فضلًا عن إخلال المادة 25 من قانون الجريمة الإلكترونية بحرية التعبير عن الرأي التي يكفلها الدستور المصري.
من القيم الأسرية إلى الاتجار بالبشر
مع مرور الوقت أخذ استهداف فتيات التيك توك منعطفًا جديدًا، حيث اتسعت رقعة الاتهامات من تهديد القيم الأسرية إلى الإتجار بالبشر، وكانت حنين حسام ومودة الأدهم أول من دفع ثمن هذا الاتهام.
ففي يناير 2021، قررت محكمة جنح مستأنف الاقتصادية إلغاء حكم أول درجة وبراءة حنين حسام واثنين أخرين. كما قررت إلغاء عقوبة الحبس والإبقاء على الغرامة وقدرها 300 ألف جنيه لمودة الأدهم، بعد أشهر من قرار محكمة الجنح الاقتصادية بالحبس سنتين لحنين ومودة مع الشغل، وتغريمهم 300 ألف جنيه.
وكان النائب العام المستشار حمادة الصاوي أمر بإحالة حنين حسام ومودة الأدهم و3 آخرين إلى المحاكمة الجنائية لـ«قيامهم بالاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري، بأن قامت الأولى بنشر صور ومقاطع مرئية مخلة وخادشة للحياء العام على حساباتها الشخصية على شبكة المعلومات، وقامت الثانية بالإعلان عن طريق حساباتها على شبكة المعلومات لعقد لقاءات مخلة بالآداب، عن طريق دعوة الفتيات البالغات والقصر على حد سواء إلى وكالة أسستها عبر تطبيق التواصل الاجتماعى المسمى (لايكي) ليلتقوا فيها الشباب عبر محادثات مرئية مباشرة، وإنشاء علاقات صداقة مقابل حصولهن على أجر يتحدد بمدى اتساع المتابعين لتلك المحادثات التي تذاع للجميع دون تمييز، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات، قامتا بإنشاء وإدارة واستخدام حسابات خاصة على شبكة المعلومات تهدف إلى ارتكاب الجريمة موضوع الاتهام السابق».
ورغم انتفاء التهم عن حنين وحصولها على البراءة، وكذلك إلغاء قرار الحبس والإبقاء على الغرامة فقط لمودة، تم التحقيق معهما بنفس الاتهامات مجددًا بعد إخلاء سبيلهما بأشهر قليلة، بإضافة تهمة الاتجار بالبشر، لينتهي بهما الأمر بالحبس 6 سنوات بحكم من محكمة الجنايات.
وقررت محكمة النقض في فبراير 2023 رفض طعن مودة رقم 12737 لسنة 91 قضائية، على الحكم الصادر بسجنها مع آخرين 6 سنوات، وأيدت الحكم الصادر ضدها بتهم الإتجار بالبشر والاستغلال التجاري لطفلين، عن طريق نشر مقاطع مصورة لهما على وسائل التواصل.
جاء هذا الحكم رغم ما ذكرته مذكرة نيابة النقض التي نفت التهم عن مودة، وتأكيدها على أن «الحكم جاء في عبارات عامة وصور مجملة، ولا يحقق الغرض الذي قصده المشرع من استيجاب تسبيب الأحكام بما لا يمكّن محكمة النقض من مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة، كما لم يبين تفاصيل الوقائع والأفعال التي قارفها الطاعنون، والمثبتة لارتكاب جريمة الإتجار بالبشر، ولم يظهر عناصر الجريمة ومدى انطباق التعريفات والشروط الواردة بقانون الإتجار بالبشر، ولم يبين الأدلة ويكشف عن قيامها من واقع الدعوى». كذلك: «جاء قاصرًا عن بيان أركان الجريمة وعن بيان مؤدي أدلة الثبوت، وجاء أن عدم انطباق التعريفات والشروط الواردة بقانون مكافحة الإتجار بالبشر على ما حملته الأوراق وصورة واقعة الدعوى أثره القضاء بالبراءة».
وانتهت نيابة النقض كذلك إلى: «نقض الحكم وإلغائه، بسبب اعتماده على تحريات الشرطة، وأثبتت أن تحريات الشرطة ليست كلها صحيحة، وليست كلها لها سند من الأوراق، وجاء أن ليس كل ما يشاع عن الناس يصادف الحقيقة والصدق، فالواقعة الواحدة يختلف الناس في تفسيرها وفي رؤاهم عنها».
إن مقص الرقيب الذي أصبح مفتوحًا على مصراعيه ضد فتيات التيك توك له مسار لابد أن يمر عليه، إذ يبدأ باستهداف منظم وممنهج للفتاة، ومن ثم يأتي دور جهات الأمن للقبض على الفتاة المستهدفة، بناءً على حملة تحريض يشنها بعض صناع المحتوى من الرجال عبر يوتيوب أو فيسبوك أو تيك توك، أو عقب بلاغات يتقدم بها بعض المحامين ضد الفتيات، ليأتي بعد ذلك دور أجهزة الأمن والنيابة العامة، وهذا ما حدث مع أغلب الفتيات اللاتي تم القبض عليهن منذ واقعة حنين حسام وإلى الآن.