“حمل نعشها لم يكن وصيتها”.. الأنبا مكاريوس يكشف كواليس جنارة “فوزية يونان”

 

برأس يميل إلى أسفل، وعينين ذابلتين، وملامح منكسرة يخطف الأنبا مكاريوس أسقف المنيا أنظار رواد مواقع التواصل الاجتماعي على اختلاف انتماءاتهم، وهو يتقدم صفوف حاملي نعش سيدة مسنة “مجهولة” نزيلة دار إيواء مطرانيته “مكان إدارة” بعد أن وافتها المنية السبت الماضي.

بهذا التعاطف الجارف استقبل الجمهور مشهد الأسقف الذي أوقف مهامه الرعوية لأجل الصلاة على السيدة “فوزية يونان عبدالملاك”، وتباينت تعليقات النشطاء احتفاءً، وإشادة بالدور الرعوي الإنساني، نظير اهتمام لافت بسيدة “فقيرة” لا عائلة لها، منذ أن قدمت إلى دار إيواء “القديسة حنة ويوسف النجار” التابعة للمطرانية قبل سبع سنوات.

السيدة فوزية يونان أثناء وجودها في دار الرعاية
السيدة فوزية يونان أثناء وجودها في دار الرعاية

ويكشف الأنبا مكاريوس – أسقف المنيا وتوابعها- كواليس قصة السيدة “فوزية يونان”-81 عامًا مع مطرانية المنيا قائلًا:” قبل سبع سنوات، وصلت “السيدة فوزية يونان عبدالملاك”-مطرانية المنيا، تحديدًا “دار القديسة حنة ويوسف النجار”، وهي دار إيواء أعدتها المطرانية للمسنين على اختلاف دياناتهم، بعد أن أبلغ أحد المواطنين بوجود سيدة وحيدة تبدو عليها علامات الفقر الشديد بجوار محطة قطار المنيا.

اقرأ أيضًا:كمال زاخر في حوار خاص: الرهبنة في عصر البابا شنودة كانت بابًا خلفيًا لـ”الترقي الاجتماعي”

يكمل الأسقف: المطرانية تتبنى منهجًا واضحًا في تعاملاتها مع إيواء المسنين دون النظر إلى “خانة الديانة”، مشيرًا إلى أن إعلاء قيمة الإنسانية هو الهدف الأسمى دون الالتفات لديانة الشخص المسن، بما يعني أن الجميع يلحقن بدار الإيواء، وتمد لهن يد العون بما يتناسب مع الحالة، بعد التعرف على تفاصيلها سواء كانت إحداهن متزوجة، أو لديها أبناء من عدمه.

ويضيف “أسقف المنيا” في تصريح لـ”فكر تاني” بعد نفيه أن يكون حمل نعش السيدة “فوزية يونان” وصية خاصة منها، أن أحد أقاربها أكد عبر اتصال هاتفي أنه لا يستطيع تحمل مشقة إعادتها إلى منزله لبعد المسافة، بجانب تأكيده أنها وحيدة بلا أبناء، لأنها لم تتزوج إطلاقًا.
ويشير الأنبا مكاريوس إلى أن السيدة التي صارت ابنة له بمنظور رعوي خالص منذ إقامتها بدار الإيواء، لم تتحدث إطلاقًا عن حياتها الخاصة طوال السنوات السبع، ولم يجمعهما حديث خاص رغم حرصه الدائم على زيارة دار الإيواء، وتقديم الرعاية الكاملة.

ويستطرد قائلًا:” أردت فقط أن أكرمها في موتها، لأنها لم تجد من يكرمها في حياتها”.

الأنبا مكاريوس والسيدة فوزية يونان أثناء وجودها في دار الرعاية
الأنبا مكاريوس والسيدة فوزية يونان أثناء وجودها في دار الرعاية

الدور الرعوي للكنيسة

واحتفى نشطاء أقباط بحمل الأنبا مكاريوس نعش السيدة المسنة حيث يقول “دياكون ديسقورس”- أحد الرتب الكنسية-: إن أسقف المنيا يقدم انجيلًا معاشًا، ونموذجًا رعويًا فريدًا قائمًا على أمانة الخدمة.

ولا يعرف الأسقف – الذي صار حديث وسائل التواصل الاجتماعي بعد لفتته الشهيرة- شيئًا عن تفاصيل حياتها، باستثناء ما أبلغه به أحد الشمامسة الذي أقنعها بالقدوم إلى دار الإيواء، نظير “تكومها” في ثياب رثة أمام محطة القطار- على حد قوله-.

يقول الأنبا مكاريوس: إن السيدة “فوزية يونان” تعرضت في الأسبوع الأخير من حياتها لمشاكل في التنفس، وألحقت بمستشفى المحبة بقرية بني أحمد الشرقية، ومن بعدها مستشفى الصدر بالمنيا الجديد، حتى وافتها المنية يوم السبت الماضي”.

وعن مشهد الجنازة يضيف أسقف المنيا: عندما سمعتُ بخبر وفاتها، أنهيت زيارة هامة بسرعة، وبدأ المسئولون عن الدار بإنهاء الإجراءات، كما تم تكفينها، واخترنا لها صندوقًا للدفن يليق بها.

وأشاد الناشط هاني عزت-عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك- بموقف الأسقف، وعقب قائلًا: إن الملفت للنظر في مشهد “الأنبا مكاريوس” مع نعش السيدة المسنة ليس فقط تواضعه، وإنما حتى صندوق السيدة المنتقلة ليس رخيص الثمن، بل من نوع عالي التكلفة، ويتضح ذلك في حروفه المُذهبة، وأثق تمامًا أن الأنبا مكاريوس هو من قرر ذلك”.

ويروي أسقف المنيا تفاصيل مشهد الجنازة التي حضرها 80 فردًا، من بينهم كهنة، وشمامسة، قائلًا: قلت إننا صرنا أهلها، وأصبحت مسئولة منّا منذ أن حلّت بيننا ضيفة عزيزة، وكأنها فرد من العائلة، وأنا لست معنيًا الآن بالبحث في أصولها وعائلتها، وإن كان هناك من قصَّر في الاهتمام بها، ولكننا أمام حالة تستحق الاهتمام، وإن كان هناك كثيرون لم تُتَح لهم الفرصة ليحيوا حياة كريمة، فليس أقلّ من أن يودِّعوا الحياة ويُدفَنوا في كرامة”.

وتضمن الحضور – حسب قوله- خمسة من الآباء الكهنة، وعدد من الشمامسة والمُكرَّسات وخُدّام وخادمات دار المسنين، وعدد من السيدات، وعشرات من الأطفال الصغار الذين ألحّوا في الحضور.

وجاءت رسالته للحضور على النحو الآتي: “إن الواحد منكم يساوي ألفًا ممن يحضرون الجنازات في العادة، فمنهم من يؤدّي واجبًا، ومنهم أهل المُتوفّى، ومنهم من يردّ مجاملة سابقة معه”.

ويبرز الأنبا مكاريوس تفاصيل ما جرى في جنازة “فوزية يونان” قائلًا:” طلبنا إلى الله أن يعوِّضها -عمّا كابدته في حياتها من معاناة- أجرًا سمائيًا، فالحياة الباقية هي شغلنا الشاغل، فبينما البعض يبيع آخرته بدنياه، منهم في المقابل من يشتري أبديته بدنياه، و«نهاية أمر خيرٌ من بدايته».

ويعرب الأسقف الأشهر في الأوساط الكنسية على خلفية “مشهد النعش” عن دهشته من تفاعل الجمهور مع مشهد وداع السيدة المجهولة، لافتًا إلى أن المصريين لهم مشاعر طيبة، ويتأثرون عادة بمثل هذه المواقف.

وينفي “مكاريوس” انفراده بصدارة المشاهد الإنسانية داخل الحيز الأبوي الكنسي، مؤكدًا أن من يستحقّون الشكر هم الذين خدموها بحب خلال هذه السنوات السبع، وهم في غنىً عن الشكر والذكر”.
ويختتم قائلًا:” لقد تعلمنا أن من يسد أذنيه عن صراخ المسكين، فإنه يصرخ، ولا يستجاب له”.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة