ضرب السفينة الصينية والاتفاق مع الحوثيين.. ماذا يحدث بالبحر الأحمر؟

في سابقة هي الأولى من نوعها، هاجم الحوثيون في اليمن سفينة صينية، مرتين، بصواريخ باليستية مضادة للسفن، وفقًا للقيادة المركزية الأمريكية، بعد أقل من أسبوع من تعهد الجماعة بعدم استهداف السفن الصينية والروسية. فما الذي حدث؟

هل أُبرم اتفاق في البحر الأحمر؟

الأسبوع الماضي، أشارت وكالة “بلومبرج” إلى أن الحوثيين في اليمن أبلغوا الصين وروسيا بأن سفنهم تستطيع الإبحار بأمان عبر البحر الأحمر وخليج عدن دون التعرض لأي هجمات. وأوضحت الوكالة أن البلدين الآسيويين توصلا إلى تفاهم بعد محادثات جرت في عمان بين دبلوماسييهما ومحمد عبد السلام، الذي يعتبر من كبار الشخصيات السياسية في صفوف الحوثيين، وذلك وفقًا لمصادر لم تكشف عن هوياتها نظرًا لطبيعة النقاشات السرية.

وعلى الرغم من عدم تأكيد المتحدثون باسم حكومتي الصين وروسيا ولا الناطق باسم الحوثيين على هذه المعلومات عندما طلبت وكالة “بلومبرج” تعليقهم، إلا أن الموقع أشار إلى أن هذا التفاهم يترافق مع تقديم الدعم السياسي من البلدين الآسيويين للحوثيين في المنتديات الدولية مثل مجلس الأمن، وذلك وفقًا للمصادر ذاتها.

هل كانت السفن الصينية والروسية في خطر؟

ويقلل محللون يمنيون من أهمية التطمينات الحوثية لروسيا والصين، بحكم أن الحركة لم تهدد طوال الفترة الماضية ولو مرة واحدة باستهداف سفن صينية أو روسية.

ومع ذلك، تنقل صحيفة “الشرق الأوسط” عن المحللين أن هذه التطمينات تهدف بشكل أساسي إلى تحقيق مكاسب مؤقتة وإيجاد موقع للحوثيين في الساحة الدولية.

ويعتبر حمزة الكمالي، عضو فريق الحكومة اليمنية الإعلامي في مشاورات السويد، أن تصريحات الحوثيين تعكس استخدامهم كأداة للقوى الدولية لتحقيق مصالحها وإرسال تهديداتها.

ويعتقد الكمالي أن الحوثيين يسعون إلى تحقيق مكاسب سياسية من خلال رسم مسار إقليمي ودولي، وهذا ما يجعلهم يسعون للتعاون مع إيران لاستغلال البحر الأحمر كنقطة ضعف للمجتمع الدولي، وبالتالي زيادة نفوذهم والمساهمة في تقويض وحدة المجتمع الدولي وتفكيكه.

ومن جانبه، يشير محمد العمراني، رئيس المكتب الفني للمشاورات السياسية في الحكومة اليمنية، إلى أن إيران تسعى لتحويل البحر الأحمر إلى مركز استقطاب لدول العالم، ويعمل الحوثيون على الارتباط بمحور أوسع لتعزيز قدرتهم ونفوذهم.

وبشكل عام، يظهر هذا التحليل الاستراتيجي أن الحوثيين وإيران يسعون لاستغلال التوترات الإقليمية والدولية لتحقيق مكاسب سياسية وزيادة نفوذهم على حساب استقرار المنطقة ووحدة المجتمع الدولي.

إيران ويدها الحوثية

وقد أكد تقرير أعدته وكالة الدعم القتالية التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، ونقلته “إندبندنت عربية“، أن الحوثيين يستخدمون الصواريخ الإيرانية والطائرات المسيرة (الدرونز) لتنفيذ هجمات عبر الشرق الأوسط. ويشير التقرير إلى أن الأسلحة التي تستهدف التجارة الدولية من قبل الحوثيين هي أسلحة مُزوَّدة من إيران عبر الحوثي.

ويذكر التقرير أن إيران قد زودت حلفاءها بأسلحة متطورة ودربت الحوثيين في إيران ومناطق سيطرتهم في اليمن لاستخدام الأسلحة المتقدمة.

اقرأ أيضًا: غزة والبحر الأحمر والانقسام الأوروبي

ويقول الخبير العسكري اليمني، عبدالعزيز الهداشي، إن اليمن لم يكن يمتلك هذا النوع من الأسلحة بشكل سابق، ويعتبر أن استخدام الحوثيين للصواريخ والطائرات المسيرة يعكس تدخل إيران في الصراعات في المنطقة.

وتُظهر تعليقات الخبراء العسكريين والمعاهد الدولية أن إيران تستخدم اليمن كنقطة استراتيجية لتعزيز تواجدها في المنطقة وللتأثير على خطوط الملاحة الدولية المهمة مثل ممر باب المندب. يُعتبر هذا التحليل مهمًا لفهم الديناميات السياسية والعسكرية في المنطقة ودور إيران في دعم الجماعات المسلحة لتحقيق أهدافها في المنطقة وخارجها.

علاقة روسيا والصين بالحوثيين

هنا، يتحدث علي القحوم، عضو المكتب السياسي للحوثيين، عن تطور العلاقات الدولية بين اليمن وروسيا والصين ودول البريكس، مشيرًا إلى وجود تبادل للخبرات والتجارب في مجالات مختلفة، بينما يخدم هذا التعاون مصلحة مشتركة تهدف إلى إغراق القوى الغربية، مثل أمريكا وبريطانيا، في تحديات مرتبطة بالبحر الأحمر والمحيطات العميقة، بهدف تقويض قوتهم وتقليل تأثيرهم الأحادي القطبية.

القحوم يلفت أيضًا إلى الجهود التي تُبذل لتحقيق النصرة لفلسطين، مع تأكيده على دخول اليمن في معادلة استراتيجية تؤثر في توجيه الأحداث الإقليمية والدولية. وقد تحدث عن اجتماعات ولقاءات جرت مع مسؤولين روسيين وتفاصيل تلك اللقاءات التي تناولت العديد من القضايا المتعلقة بالصراعات في المنطقة، بما في ذلك التوترات الحالية في البحر الأحمر والضربات الجوية التي تطال اليمن من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا.

ومن جانبه، أكد محمد البخيتي، المتحدث باسم الحوثيين، على إعطاء ممر آمن للسفن الروسية والصينية في البحر الأحمر، مع توضيحه أن السفن التي ترتبط بإسرائيل لن تكون آمنة وستستمر الهجمات عليها، وهو ما يعكس استمرار التوترات والتصعيد في المنطقة.

ويشير حسين إسماعيل، نائب رئيس تحرير الطابعة العربية لمجلة الصين اليوم، إلى عدم استهداف روسيا والصين مبدئيًا نظرًا لعلاقاتهم الجيدة مع إيران، مع التأكيد على عدم وجود اتفاقيات رسمية مع الحوثيين بسبب عدم اعترافهم بشرعيتهم كسلطة حكم. وتعكس هذه التصريحات الوضع الراهن في المنطقة وتعقيدات العلاقات الدولية المتشابكة التي تؤثر على مسارات المحادثات والتفاهمات الإقليمية والدولية.

مجرد خطأ

وعلى الرغم مما أثير عن الصفقة الروسية الصينية الحوثية الأخيرة (الآمان مقابل الدعم)، أفادت القيادة المركزية الأمريكية، في الساعات الأولى من صباح يوم السبت الماضي، بأن الحوثيين أطلقوا أربعة صواريخ باليستية مضادة للسفن بالقرب من سفينة M/V Huang Pu، وهي ناقلة نفط صينية. وبعد اثنتي عشرة ساعة، أطلقوا صاروخًا باليستيًا خامسًا باتجاه نفس السفينة.

وأفادت القيادة المركزية الأمريكية أن “سفينة M/V Huang Pu تعرضت لأضرار طفيفة، وتمت إخماد حريق على متنها في غضون 30 دقيقة. ولم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات، واستأنفت السفينة مسارها”.

ويقول محللون لموقع “بريك ديفنس” إن الهجوم الأخير على السفينة الصينية في البحر الأحمر كان على الأرجح “خطأ”، حيث كانت M/V Huang Pu مسجلة سابقًا تحت علم بريطاني.

ويؤكد دانيال بايمان، الزميل البارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS ومقره واشنطن العاصمة، أنه من الممكن أن يكون الحوثيون قد استهدفوا السفينة الصينية عن عمد، لكن الحادث يشير “بشكل مرجح” إلى فشل استخباراتي من جانبهم، حيث لم يكنوا يعلمون بشكل صحيح ملكية السفينة M/V Huang Pu، وارتكبوا أخطاء في التعرف عليها.

وفيما يتعلق بالصفقة المزعومة، أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إلى أن “البحر الأحمر هو طريق تجاري دولي مهم للسلع والطاقة. وتدعو الصين الأطراف المعنية إلى الحماية المشتركة لسلامة ممرات الشحن في البحر الأحمر وفقا للقانون والاحترام الجاد لسيادة وسلامة أراضي الدول الساحلية على طول البحر الأحمر.”

وأضاف المتحدث أن “ستواصل الصين لعب دور بناء والمساهمة في الاستعادة المبكرة للسلام والاستقرار في البحر الأحمر”.

وبشأن الحادث، قال نورمان ريكليفز، الذي يقود مجموعة “ناميا” للاستشارات الجيوسياسية، إن السؤال المهم هو ما إذا كان الحوثيون يدركون أن السفينة صينية، وأشار إلى أن ذلك يبدو على الأرجح كخطأ.

وأوضح علي بكير، الأستاذ في جامعة قطر وزميل أقدم في مبادرة سكوكروفت الأمنية للشرق الأوسط، أن الحادث قد يكون نتيجة “خطأ تشغيلي أو مشكلة فنية”، وأشار إلى أن صواريخ الحوثيين “ليست دقيقة للغاية”.

وبالرغم من ذلك، فإن الحوثيين “يخاطرون بتصعيد هذه القضية إلى ما هو أبعد من خلافهم مع إسرائيل والغرب”، حسب تقدير أندرياس كريغ، الرئيس التنفيذي لشركة MENA Analytica، التي تركز على الشرق الأوسط.

وأضاف كريج أن “جذب الصين سيكون خطأ، حيث أن الصين تجري بالفعل محادثات مع إيران بشأن هجمات الحوثيين. وقد تتعرض إيران لضغوط صينية، ولن تتسامح بكين مع هذه الهجمات على شرايين التجارة، التي تمثل بالنسبة للصين العمود الفقري لموقفها الاقتصادي كقوة عظمى.

وأشار إلى أن الحوثيين يعملون كشبكة ذات قيادة وسيطرة مركزية محدودة، وهذا يشير إلى أن هذا النوع من الهجمات قد يكون نتيجة “خطأ أو عنصر مارق داخل المنظمة الشبكية”.

وفي كلتا الحالتين، يشير كريج إلى أن هذا الحادث يظهر مدى خطورة تزويد جهات فاعلة ذات صلة بشبكة مثل الحوثيين بقدرات مثل هذه. ويعتبر الأمر مشكلة أمنية إقليمية، حيث يشير إلى أن الحوثيين ليسوا جهة فاعلة موثوقة في هذا النوع من الأنشطة.

على الرغم من وقوع الهجوم، إلا أن السفن الصينية لم تعاني من الخسائر الكبيرة، حيث لم تقع أي إصابات بشرية، مما يشير إلى أن التدخل العسكري الصيني قد تقيد بشكل أكبر لتجنب التصعيد غير المرغوب فيه.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة