هاني سري الدين في حوار خاص: الأفكار الاشتراكية لا تصلح الآن.. نحتاج كل سنة “رأس حكمة” جديدة

مصر لا تُفلس.. الناس يفعلون

أتوقع تغيير الحكومة قريبًا

لا تنجح الدول بدون مؤسسات برلمانية رقابية حقيقية وحوار مجتمعي جاد

حرية الصحافة والتعبير وفتح المجال العام ضرورة لنجاحنا اقتصاديًا

نحتاج كل سنة صفقة مماثلة لـ”رأس الحكمة”

مؤسسات البيروقراطية المصرية تناهض الاستثمار الخاص وتفكر كاليسار  

“الوفد” محطتي السياسية الأخيرة وعودته للحكم مرتبطة بالإصلاح الداخلي والسياسي

نحتاج إلى تعديل دستوري جديد للنظر في تفعيل المحليات

غرفتا البرلمان لم يقدما المأمول منهما وعلى الحكومة احترام دورهما

ما يهمني في قانون الانتخابات تمثيل كل قواعد الشعب والتوافق السياسي

أجرى الحوار: حسن القباني-  إسراء عبد الفتاح.. تصوير: محمد الراعي

أكاديمي بارز له تجربة حزبية وسياسية ثرية، يرى التدريس في الجامعة على رأس أولوياته إلى جانب العمل التشريعي والمحاماة. لديه نظرة اقتصادية ترفض الأفكار الاشتراكية، إذ يراها مُعطلة للإصلاح الاقتصادي، وآفة بعض الأحزاب كما هي آفة داخل البيروقراطية المصرية والدولة العميقة. يؤمن بأن التوسع في الملكية الخاصة هو الأفضل لأزمة مصر وتحقيق العدالة الاجتماعية بها، وأنه لا نجاح للإصلاح الاقتصادي بدون إصلاح سياسي حقيقي.

الدكتور هاني سري الدين، رئيس لجنة الشؤون المالية والاقتصاد والاستثمار بمجلس الشيوخ نائب رئيس حزب “الوفد”، كان له هذا الحوار المهم مع منصة “فكر تاني”، إلى نصه:

“البيضة ولا الفرخة”.. الإصلاح الاقتصادي والسياسي

في كتابك الأحدث “إصلاح مصر بين الاقتصاد والسياسة”، قلت: لا إصلاح اقتصادي دون إصلاح سياسي. يختلف معك البعض في هذا. يقولون: لا حديث أهم الآن من الاقتصاد. كيف ترد؟

الإصلاح الاقتصادي يحتاج إلى قرارات ومشاورات جدية تنظر إلى كل الأبعاد الاجتماعية وتأثيراتها تحت مظلة إطار مؤسسي، والحوار هنا والتشاور مهم في كل المراحل بداية من الطرح وحتى التنفيذ. هذا التواصل يجب أن يكون مع جميع المعنيين والمسؤولين ومع المجتمع وعبر الوسائل المتاحة، وهذه كلها أطر سياسية يعتمد عليها الإصلاح الاقتصادي.

أيضًا، يحتاج الإصلاح الاقتصادي إلى التأكد من سلامة ومراقبة إجراءات تنفيذه، والنظر في مدى جودة المشاورات، ولكي يتم ذلك فإننا بحاجة إلى لجان برلمانية فاعلة وحوار مجتمعي جاد يُشرك المعنيين، وهذا كله أيضًا جزء من العمل السياسي الذي يستلزمه الإصلاح الاقتصادي، ولا يتم إلا في مناخ سياسي جيد ومؤهل.

إن اتخاذ أي قرارات اقتصادية بمعزل عن العمل السياسي المؤسسي والرقابي والحوار المجتمعي يضع مصر أمام مشاكل حقيقية.

الحوار في ميزان هاني سري

بصفتك عضوًا في مجلس أمناء الحوار الوطني كيف ترى تجربة الحوار؟

الحوار في مفهومه العام لا يجب أن يكون لحظيًا أو احتفاليًا، بل يجب أن يمتد ليشمل كل قضايا المجتمع والقرارات المصيرية التي تُعني طوائفه بإشراك هذه الطوائف في حوار مجتمعي جاد يُدلي المعنيون فيه بآرائهم ومشكلاتهم.

كل قرار له تأثير، يحتاج إلى حوار مجتمعي. وكذلك، بعض القوانين تحتاج إلى حوار مجتمعي، مثل القوانين المرتبطة بالضمان الاجتماعي أو التأمين الاجتماعي، ولذلك يهمني أن يكون الحوار المجتمعي حالة دائمة.

وكيف تقيم الحوار الوطني إلى الآن؟ 

لا أرى الحوار الوطني الحالي منتهى الإصلاح السياسي ولكنه على الأقل خطوة من الخطوات التي تؤدي إلى الحراك المجتمعي والسياسي. فكرة الحوار الوطني جيدة في أنها خلقت حالة حراك شملت نقاشات مختلفة بين الأطراف المختلفة. لكن لا يزال أمامنا الكثير.

مصر في المسار السياسي تقف في “مفترق طرق”، والأدلة على ذلك كثيرة، على سبيل المثال: قانون الحكم المحلي لا يزال معلقًا، ونحن بحاجة إلى مساحات أكبر مما هو موجود الآن فيما يتعلق بالحريات السياسية وحرية الرأي،  كذلك نحتاج إلى تفعيل الآليات البرلمانية بشكل أكبر مما هي عليه الآن، حتى ولو وصل الأمر إلى طرح الثقة في الحكومة. ونحن أيضًا بحاجة إلى حرية الصحافة، نحتاج دائمًا أن نعرض الرأي والرأي الآخر. وكل هذا لا يزال معلق في مرحلة أعتقد أنها ليست الأمثل فيما يتعلق بالإصلاح السياسي.

ألهذا لم تشارك في الحوار الوطني؟

لم أشارك في جلسات الحوار لأنني عضو في مجلس أمناء الحوار، وقد اتفقنا على أن تكون أولوية المشاركة في الجلسات لمن هم خارج مجلس الأمناء.

وفيما يخص الجلسات الأولى لمجلس الأمناء، فلم أشارك لظروفي المرضية وقتها. وحاليًا في المرحلة الثانية من الحوار المعنية بالاقتصاد، يتولى المحور الاقتصادي قامة كبيرة؛ الدكتور أحمد جلال، الذي أطلعنا في مجلس الأمناء على الأوراق ووافقنا على المحاور المحددة للمناقشة، وتصادف بعد ذلك أن أول جلسات الحوار الاقتصادي كانت في نفس وقت ارتباط جلساتي في مجلس الشيوخ. الغياب إذن ليس لأسباب سياسية بالمرة.

البعض يقول لكي نحافظ على حالة دائمة للحوار فإننا بحاجة لجعل الحوار مؤسسة خاصة. هل تتفق أم تختلف؟

قولًا واحدًا، أنا ضد اتجاه مأسسة الحوار؛ الحوار الدائم يعني وجود حالة حوار مجتمعية مستمرة موجودة في كل القطاعات والمواقع ومستويات صنع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإقليمي، وليس تحويل الأمر إلى مؤسسة جديدة.

هل سمعك أحد؟

في سبتمبر 2016، كتبت تحت عنوان “خطيئة التراجع في منتصف الطريق”، ما نصه: “الإصلاح الاقتصادي شرط ضروري لتحقيق العدالة الاجتماعية ولا يوجد بينهما تضاد.. هل يسمعني أحد؟”.. هل سمعك أحد في 2023/ 2024؟

سمعني البعض في 2024.

أنا مؤمن أن المسار الاقتصادي لابد أن يرافقه مسار الدعم الاجتماعي، وتوسيع شبكة التضامن الاجتماعي، لأن الإصلاحات الاقتصادية لها تأثيرات سلبية في المرحلة قصيرة الأجل على كثير من الطبقات. وهنا من الجيد أن نشهد تحول “تكافل وكرامة” إلى مؤسسة دائمة. هذا يعني أن استهداف ومحاربة الفقر بالدعم النقدي باتت جزءً لا يتجزأ من السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وهذه خطوة إيجابية.

محتاجين كل سنة “رأس حكمة”

أين تقف مصر اقتصاديًا بعد جرعة أموال رأس الحكمة؟

لا مجال في ظل هذا العصر الحديث لتحقيق أي تنمية مستدامة أو عدالة اجتماعية أو نهضة صناعية أو الخروج من الأزمات الاقتصادية بدون استثمار القطاع الخاص.

مصر بحاجة في كل سنة إلى مشروع مثل “رأس الحكمة” يضخ ما لا يقل عن 35/ 40 مليار دولار، وذلك على مدار الأعوام الخمس القادمة إذا كنا جادين في الإصلاح الاقتصادي ونبحث عن الاستدامة.

ومع هذا لا يجب أن ننسى الأساس في فكرة الحوار المجتمعي أنه جنبًا إلى جنب مع أهمية هذه المشروعات يجب أن تبادر الدولة بتقديم التعويضات المناسبة وإيجاد بدائل جيدة لسكان هذه المناطق بما يكفله الدستور لهم من حماية في حال نزع ملكياتهم لصالح المنفعة العامة.

بعد “رأس الحكمة” تناقل الإعلام المحسوب على الدولة الحديث عن “رأس جميلة” بسواحل البحر الأحمر، ثم الحديث عن دراسة ازدواج قناة السويس.. هذه الرسائل أبدى المصريون على صفحات التواصل الاجتماعي قلقًا وتخوفًا منها. بماذا تفسر هذه التخوفات؟ 

التخوف نابع من أن مصر في أزمة اقتصادية حقيقية مرتبطة بظروف خارجية وداخلية. ومن هنا، كنا على المدى القصير بحاجة إلى إجراء سريع منشط لهذا الاقتصاد، وهو ما يأتي من خلال صفقات كبيرة بحجم مشروع “رأس الحكمة”، الذي منحنا قدرة على التنفس من جديد وانفراجة لمدة عام أو عام ونصف العام على الأكثر، بما يمنحنا فرصة لترتيب البيت الاقتصادي من جديد.

لدينا أزمة في الإيرادات بالعملة الأجنبية، وهذه الصفقة قدمت حلًا في هذا الإطار، كما عالجت احتياجنا الضروري لاستثمارات مباشرة، وخفض المديونية بالعملة الصعبة، على المستوى القصير، ولذلك التقييم الائتماني تحسن من سلبي إلى إيجابي على الفور.

المهم الآن بعد هذه الصفقة، إعادة هيكلة كثير من شركات القطاع العام، وتوسيع قاعدة الملكية الخاصة بشكل جدي، والحد من الاستدانة وترشيد سياسة الإنفاق العام الذي زاد بغرض إنعاش الاقتصاد في الفترة السابقة تحت وطأة الأزمات العالمية وإحجام القطاع الخاص.

معظم الإنفاق العام كان على مشروعات البنية الأساسية، وهذه مشروعات مهمة، ولكن يوجد مشروعات تشغيلية أخرى كثيرة لا تصلح إدارتها إلا من خلال القطاع الخاص، ما يتطلب التركيز الحكومي في الفترة المقبلة على تشجيع هذا القطاع.

مصر لا تفلس.. الناس يفعلون

قبل الصفقة.. البعض كان يتحدث عن مخاوفه من ملاحقة الإفلاس للدولة وعموم المواطنين.. هل نجونا؟

الحديث عن إفلاس مصر حديث غير صحيح على الإطلاق، وبعد انفراجة الصفقة الأخيرة، بات أكثر بعدًا عن مصر. أما ما يقال عن إفلاس المواطنين، يمكنني القول بدقة، إنه جراء الأزمة الاقتصادية التي تحدثنا عن معالمها، فإن الغلاء بالفعل “طحن الناس” ودفع إلى زيادة نسب الفقر والبطالة، ولمواجهة هذا يجب الإسراع في الإصلاح الاقتصادي والاستفادة من الجرعة المنشطة التي أوجدتها صفقة رأس الحكمة.

الحرية الاقتصادية لا تمنع العدالة الاجتماعية

لديك إيمان لافت بالاستثمار الأجنبي والخاص كليبرالي. ولكن هناك دائمًا ما يربط بين أفكار تياركم وبين بيع مقدرات البلد، وهناك حملات دعائية اشتراكية بمصر تناهض هذا التوجه.. ما تعليقك؟

هذه شعارات جوفاء، تمنع الإصلاح الاقتصادي في مصر، وأحيانًا أريد أن أقول لهؤلاء: “نقطونا بسكاتكم”.

الذي ينتقد عادة لا ينتقد الاستثمار الأجنبي فقط، بل ينتقد الاستثمار الخاص كذلك رغم أن الأخير 70% منه مشروعات صغيرة ومتوسطة، وإذا نظرنا إلى القطاع العام ونسب تشغيله للعمالة، سنجدها لا تتخطى 300 ألف عامل وموظف، ما يعني أن القوة العhlلة الآن معظمها تعمل في القطاع الخاص.

وإذا كنا نتكلم بالشعارات، فالاستثمار من أجل التشغيل، والاستثمار من أجل التنمية المستدامة، والاستثمار من أجل العدالة الاجتماعية.

بعضهم حينما يتحدث، يركز على الاستثمار الأجنبي، وينسى أن دولة كالبرازيل، قامت نهضتها على الاستثمارات الخاصة المباشرة في ظل رئيس اشتراكي، ولكنه فهم البعد الاجتماعي ومسار العدالة الاجتماعية، وفهم ما نقوله دائمًا من أنه لا يوجد تعارض ولا تضاد بين الحرية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.

في أي اتجاه تتحرك الدولة اقتصاديا اليوم؟

مؤسسات الدولة العميقة مثلها مثل التيار اليساري لا تريد الاستثمار الخاص أجنبي كان أو محلي.

البيرواقراطية المصرية في أعماقها ضد الاستثمار الخاص، مصريًا كان أو أجنبيًا، ولهذا هي تلفظ وترفض الاستثمار الخاص ومسؤولة عن جزء مما يحدث من أزمة الاقتصاد.

مصر بحاجة الآن إلى توسيع قاعدة الملكية الخاصة وترك المجال حرًا للقطاع الخاص المسؤول عن تشكيل النسبة الأكبر من المصريين. هكذا نحقق زيادة الإنتاج وحل مشكلات البطالة والاقتصاد.

الدولة كذلك بإمكانها أن توجه الاستثمار إلى القطاعات التي تحتاج إلى تنميتها إذا ما أرادت.

القطاع الخاص يقدر..

البعض يُحمّل القطاع الخاص المصري جزءًا من الأزمة الاقتصادية بالعزوف عن المشاركة في حل أزمات مصر في السنوات الأخيرة. ومن هنا تنبع فكرة بقاء الدولة كحامية اقتصادية. كيف ترد؟

القاعدة هنا أن “رأس المال جبان”، ولذلك من الطبيعي في أوقات الأزمات السياسية والاقتصادية الكبرى العالمية أن تعزف المؤسسات الاستثمارية الخاصة عن المشاركة، وأن تكون ذات خطوات استثمارية حذرة. وفي الوقت نفسه، أمر طبيعي جدًا في أوقات الأزمات، أن تتدخل مؤسسات الدولة، في معالجة أوجه القصور، وبخاصة في شبكات الضمان الاجتماعي.

لا يجب أبدًا أن يأتي توسع الدولة على حساب توسيع الملكية الخاصة، لأنه مهما توسعت كدولة هناك مشروعات لا تستطيع المنافسة فيها أو خوضها.

الدول ليس لديها إمكانات بمفردها للحد من البطالة وزيادة نسب التشغيل، وبالتالي يجب أن ينحصر دور الدولة في تشجيع القطاع الخاص، وتعزيز حضور الاستثمار الخاص، وتوسيع شبكة العدالة الاجتماعية.

المُلام في السياسة الاقتصادية الحكومة وليس البنك المركزي

لا يمكن أن نتكلم عن الأزمة الاقتصادية دون أن نتكلم عن البنك المركزي.. ما تقييمك لأداء المصرفي حسن عبد الله؟

البنك المركزي له وظيفتان: الأولى هي ضمان سلامة ومتانة القطاع المصرفي، وإذا قيمنا هذا المسار فالبنك المركزي يمضي بطريقة جيدة.

أما الوظيفة الثانية فهي المحافظة على استقرار الأسعار، وكلنا متفقين أن عندنا أزمة في هذا، ولكن هذا ليس دور البنك المركزي وحده، فهو لا يمتلك إلا آلية واحدة وهي السياسة النقدية، والدور الأساسي له هو تحديد سعر الفائدة، ولكن العبء الأكبر والمسؤولية الأكبر على الحكومة من حيث سياساتها المالية والاقتصادية.

أي محافظ بنك مركزي مهما يمتلك من براعة وخبرة لن يستطيع فعل شيء في غياب دور الحكومة في السياسات الاقتصادية والمالية.

تغيير الحكومة ضرورة منطقية

هل تتوقع استمرار الحكومة الحالية؟

أعتقد أن المنطق الطبيعي للأمور هو أن يكون هناك تعديل حكومي في الفترة المقبلة، وبالتحديد خلال الشهرين القادمين. هذه ليست معلومة ولكنه تقدير للمسار الطبيعي المفترض، في الولاية الرئاسية الجديدة، فتغييرها بعد كل هذه السنوات هو المنطق الطبيعي للأمور.

نحتاج كل فترة لإعادة ضخ دماء جديدة وأفكار مبتكرة للمرحلة الجديدة.

إذا طُلبت للحكومة الجديدة.. هل توافق؟

– إجابتي واضحة: أفضل العمل التشريعي.

لا النواب ولا الشورى بصلاحيات

نذهب إلى مجلس الشيوخ، وأنت رئيس لجنة مهمة تعتني بالشؤون المالية والاقتصادية والاستثمار.. هل صوتكم مسموع كلجنة وكمجلس؟

طموحاتنا وقدراتنا أكبر بكثير مما تم تنفيذه حتى الآن، وذلك لأسباب كثيرة؛ أولها أن مجلس الشيوخ حينما تم إعادته للحياة في التعديل الدستوري الأخير، كانت التعديلات الدستورية مقيدة جدًا جدًا لدوره، وسلبته كل الأدوات البرلمانية من استجواب وسؤال، وكذلك سلبته القدرة على اقتراح تشريعات ومناقشتها وإن كانت هناك إمكانية لدراسة آثار تشريعية موجودة، لكن اقتراح قوانين بعينها وتشريعات بعينها حُرم منها مجلس الشيوخ، حتي بالمقارنة بمجلس الشوري قبل ثورة 25 يناير 2011.

وفي رأيي، لابد من تحقيق الغاية من مجلس الشيوخ، كما تنص التشريعات مقارنة بالدول المقارنة، إذ يجب أن يكون هناك تعديل دستوري فوري لتعظيم الأدوات البرلمانية لمجلس الشيوخ كي يلعب دوره المفروض كغرفة تشريعية ثانية وكمجلس حكماء حقيقي ولا تكون مناقشاته حبيسة الأدراج.

على الجانب الآخر، البعض يرى أن مجلس النواب الحالي يمثل عبئًا على الدولة.

دعنا نتفق أن مجلس النواب كأصل لن يكون عبئًا على أي دولة، إذ يجب أن يكون له دور في الحياة السياسية وسيظل له دور محوري في المجال السياسي.

أما تقييمي لمجلس النواب الحالي فهو شأنه شأن مجلس الشيوخ، أعتقد أن قدراته وطموحات الناس فيه أكبر بكثير مما تم تحقيقه، ويكفى أننا لم نسمع عن تواجد رئيس الوزراء أمام مجلس النواب إلا مرة أو مرتين عارضًا، ويكفى أننا لم نسمع عن استجوابات إلا فيما ندر ، ولم نسمع رغم الأزمات الطاحنة عن طرح الثقة في الحكومة. قد يكون مفهومًا أن هناك في مرحلة ما دعم من الأغلبية للحكومة، بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية، ولكن حتى الأقلية لم تقم بدورها.

الانتخابات البرلمانية

الانتخابات البرلمانية على الأبواب.. كيف تنظر لجدل قانون الانتخابات الدائر حاليًا؟

كل ما أتمناه عند نظري للمقترحات المقدمة هو تمثيل حقيقي لكافة قواعد الشعب. هذا هو ما يمثل الأهمية القصوى بالنسبة لي، وقد تكون الانتخابات الفردية في رأيي الطريق الأمثل لهذا.

المهم في نهاية المطاف أن نراعي تمثيل كل القوى السياسية في المرحلة القادمة، وأن يتم التوافق على حلول مناسبة، وليس هناك ما يمنع من قبول فكرة المراحل، حيث يمكن أن نبدأ بالقوائم المغلقة مع المقاعد الفردية في هذه المرحلة ثم نذهب إلى القوائم النسبية في مرحلة تالية، المهم حتى لو كانت القائمة المغلقة المطلقة هي الاختيار في هذه المرحلة فهذا لا يمنع التوافق على كيفية تمثيل كل القوى السياسية بما فيها المستقلين داخل هذا القوائم. وإجمالًا أفضل أن تكون القوائم المغلقة في هذه المرحلة ولكن بشرط حدوث توافق سياسي سابق لإقرارها، يسمح بتمثيل الجميع داخل هذه القوائم.

لا اقتصاد ولا دولة ناجحة بدون رقابة برلمانية حقيقية

قبل 13 سنة، قلت إن برلمان 2011 الأهم والأخطر، كيف تنظر إلى برلمان 2025؟

نعود إلى الجدل القديم الجديد حول النجاح الاقتصادي في ظل غياب الديمقراطية. أنا أؤمن بأنه قد لا تكون الديمقراطية شرط ضروري للإصلاح الاقتصادي، ولكن المؤسسية وإنفاذ القانون شرط ضروري، بغيابه لا سبيل لنجاح أي دولة وأي اقتصاد. ومن هنا تأتي أهمية برلمان 25، إذا ما أردنا إرساء مسار اقتصادي ينقذ مصر فإننا بحاجة إلى برلمان قوي لديه صلاحيات، وتحترم الدولة دوره ورقابته.

الحياة الحزبية بمصر بـ”عافية”

ننتقل إلى رحلتك الحزبية الخاصة بداية من المصريين الأحرار إلى الدستور وصولًا إلى حزب الوفد.. كيف رأيت الحياة الحزبية بمصر؟

بـ”عافية شوية”

في المرحلة الحالية لا توجد حياة حزبية في مصر.. الحياة الحزبية بعافية لأسباب تاريخية منها:

ما نتحدث عنه من انعدام المؤسسية وضعفها داخل الدولة، موجود في الأحزاب، فهم جزء لا يتجزأ من الدولة.

المراحل الماضية التي مررنا بها جعلت النخب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية تعزف عن المشاركة في العمل العام السياسي داخل الأحزاب.

لا شك أن مساحة الحرية في التحرك الحزبي محدودة، وبالتالي التواصل ضعيف.

وتأتي مسألة التمويل كعامل عام في النشاط الحزبي. القدرة على التمويل باتت ضعيفة في ظل ذهاب التمويل إلى العمل الاجتماعي، وبالتالي كل الأحزاب ما عدا أحزاب الموالاة للدولة، فقدت القدرة على التمويل والتواجد داخل البرلمان.

والعمل البرلماني حاليًا يكرس فكرة النائب الخدمي، وبالتالي فالأصوات لا تذهب إلى النائب المعارض، لعدم قدرته على تحقيق هذه الخدمات، ولميل الحكومة إلى نواب الأغلبية بشكل أكبر، وبالتالي ضعفت الأحزاب.

ومن هنا تكمن أهمية الانتخابات البرلمانية القادمة في أنها ستمثل إما تحولًا حقيقيًا يُمهد لعودة قوية للحياة السياسية والبرلمانية في مصر أو البقاء على ما هو عليه.

الانتخابات المحلية، مهمة أيضًا في هذا الإطار وإن كان ليس لدي أمل في ظهورها للنور. وهنا يدهشني إن كنا غير قادرين على إنفاذ حكم الدستور فلماذا لا نعدل الدستور في هذه الجزئية بشكل يتلائم مع ظروفنا بدلًا من تعطيل العمل المحلي بشكل كامل.

نشرنا في “فكر تاني” مؤخرًا خارطة للتكتلات الحزبية الجديدة تضم أسماء عديدة منها عمرو حمزاوي وياسر الهواري ورائد سلامة.. كيف ترى هذا التحرك الجديد؟

أي حراك سياسي هو إضافة للحياة الحزبية والعمل الحزبي.

حزب الوفد والانتخابات القادمة

في وقت سابق، وصفت حزب الوفد بأنه “براند” يستطيع النجاح في أي وقت متى توافرت الشروط.. هل يمكن أن يكون بديلًا لحكم مصر مستقبلًا كما يحلم بعض الوفديين؟

رغم كل الأمراض التي أصابت حزب الوفد لا يزال عندي أمل فيه، لأنه حزب مؤسسي أو على الأقل لديه مؤسسات حتى وإن لم تكن مفعلة حاليًا، كما أن له قواعد داخل الشارع، وله اسم وتاريخ، وبالتالي نستطيع أن نبني عليه.

لكن في المرحلة الحالية علي أن أعترف أن حزب الوفد ضعيف، ولم يكن أبدًا في أي مرحلة سابقة بمثل هذا الضعف الحالي. بينما أمر عودته للحكم هذه، فإنها مرتبطة بتحقيق الإصلاح السياسي في مصر أولًا.

سعي الحزب للحكم في انتخابات الرئاسة الأخيرة تكلل بخسارة كبيرة.. هل التجربة كانت إضافة أم خصم من رصيد الحزب؟

ما أستطيع قوله بعد انتهاء الانتخابات أنني كنت أتمنى أن يكون حزب الوفد أكثر تحضيرًا وجدية في هذه الانتخابات المهمة في تاريخ مصر.

هل الحزب مستعد لانتخابات البرلمان القادمة؟

لاشك أنه إذا استمر وضع الحزب الحالي لن يكون له مستقبل في الانتخابات البرلمانية المقبلة. الحلول تقتضي تفعيل واحترام اللوائح ومؤسسات الحزب شبه المعطلة كالهيئة العليا للحزب والهيئة الوفدية والمكتب التنفيذي.

هل تفكر إذا استمر الوضع هكذا في الانتقال إلى تجربة حزبية خاصة بك؟

الوفد هو محطتي الأخيرة في العمل الحزبي.

إنقاذ المحامين مهم لتحقيق العدالة

ما الذي يحزنك في أوضاع نقابة المحامين؟

أتمنى من كل قلبي أن يعود لنقابة المحامين عهدها الذهبي، لأن المحاماة مهنة كل المهن إذا صح التعبير، وهي جزء من عملية الإصلاح المؤسسي.

اهتمامنا بالمحامين هو جزء من العناية بتحقيق العدالة بكل صورها والإصلاح السياسي وحماية الحريات بكل ما تعنيه الكلمة.

وفي الانتخابات الراهنة، لم يطلب أي من المرشحين الرئيسيين تدخلي المباشر، ولذلك احتفظ بحقي في سرية التصويت في هذه المرحلة. ونصيحتي للفائز بالاهتمام بتدريب الخريجيين الجدد والمحامين المشتغلين، وجعل التدريب مسارًا دائمًا لتأهيل هؤلاء المحامين للحفاظ على المهنة والنقابة.

إعلان دولة فلسطين الآن

نذهب إلى القضية الفلسطينية وقد اشتبكت معها في الفترة الأخيرة كثيرًا.. هل كسبت فلسطين معركتها القانونية في المحافل الدولية؟

تعامل المجتمع الدولي مع القضية الفلسطينية، يعكس بشكل كبير وواضح جدًا ازوداجية المعايير لدى الغرب والمؤسسات الدولية. ولكن الأمل لا يزال موجودًا، ومنبعه أن “الغشم” الإسرائيلي المنطلق من كونه نموذجًا للاستعمار والعدوان الوحشي والإمبريالية بكل ما تعنيه الكلمة، أدى بالشعوب في معظم دول العالم إلى استيعاب وفهم الحق الفلسطيني والتعاطف مع قضيته، ولذا أتمني اتخاذ موقف بإعلان الدولة الفلسطينية في أقرب وقت ممكن، والعمل على إنشاء هذه الدولة التي تأخر كثيرًا.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة