في الحب.. هل النجاة فردية؟

يرتبط شهر فبراير في الوعي الجمعي العالمي بالحب… تتزين الشوارع بالقلوب ‏والورود الحمراء، فاترينات محال الملابس تمتلئ بدرجاته، تتألق الماسات في ‏واجهات محال المجوهرات داعية إياك لشرائها، تزدهر أكشاك الزهور وتنشط حركة البيع في محال الهدايا، “دباديب” ثم دباديب.. ثم ‏الكثير من الدباديب الكبيرة في كل مكان. ‏
كثيرون يعتبرون “الفالنتاين” مناسبة تجارية في المقام الاول ” commercial day‏” ولا يمثل ‏حقيقة الحب المنسوب له، حيث أن الحب لا يحتاج يومًا للاعتراف به بل هو قيمة تمارس ‏يوميًا… ولكن من منا يعرف يقينًا تعريفًا للحب؟

لغات الحب الخمسة

Quality time  الوقت المميز

Acts of service  التطوع لتقديم الخدمات

Words of affirmation  كلمات الإعجاب والتشجيع

Receiving gifts  استقبال الهدايا

Physical touch  التلامس الجسدي

ظهر مصطلح لغات الحب ‏the Love Languages‏ في السنوات الأخيرة ‏كمحاولة لفهم أفضل للطرق المختلفة للتواصل والتعبير عن المشاعر بين المحبين. ‏

بشكل شخصي، أرى ألوان التعبير عن الحب متعددة ومختلفة بتعدد أطياف المحبين وأن ‏حصرها في عدد محدد سيكون اختزالًا مخلًا، لذا أعتقد أنه يمكننا اتخاذ لغات الحب الخمسة كأساس يمكن التعامل معه تعاملنا مع المشاعر الست الأساسية المكونة ‏لعجلة المشاعر، حيث ينقسم كل شعور منهم إلى أربعة مشاعر فرعية لدائرة أكبر، التي تنقسم ‏هي الأخرى بدورها مشكلة دائرة أكبر تحوي في قلبها عناصرها الأولية ‏الستة.

وفي ضوء النظرية نفسها نجد أن استقبال الهدايا جزء أساسي لدى العديد من الناس للتعبير ‏عن الحب، لذلك لابأس من اعتبار  عيد الحب ك‏commercial day” ‎”‏ فهو بالفعل يسعد ‏الكثير من المحبين.

اقرأ أيضًا: عن الحب…”بالراحة”

الحب كقيمة وفضيلة إنسانية

قد تكون نظرية لغات الحب قد ساعدتنا بشكل كبير في فهم أساليب التعبير عنه، ولكن ‏يبقى تحديد تعريف متفق عليه للحب أمر صعب حيّر الكثير من الفلاسفة ‏والمفكرين ورجال الدين على مر العصور، الأمر الذي كان منبعًا رئيسيًا للعديد من ‏الفنون والآداب. ‏
الحب يشمل مجموعة من الحالات العاطفية والعقلية القوية والإيجابية، هو أسمى ‏الفضائل ومنبع العادات الطيبة، هو الدافع لتعميق المودة بين الأشخاص و سر السعادة ‏بأبسط المتع، ‏تمثل فضيلته اللطف والرحمة والمودة، الاهتمام المخلص غير الأناني ‏وفعل الخير من أجل خير الآخر. ومن جانب آخر يمكن افتراض أن الحب هو ‏الوظيفة التي تحافظ على تماسك البشر ضد التهديدات، وتسهل عملية استمرار النوع. ‏الحقيقة أن إيجاد تعريف واضح للحب هو أمر مهم ينقلنا إلى السؤال الأهم…

هل ما تشعر به هو حب حقا؟

جلست أمامي حائرة وأنا أسألها هل حقا تحبه؟ وهل حبها يعني أن تنصاع لما يطلب حتى ولو لم يكن لها رغبة في هذا؟
جاءت إجابتي بالنفي القاطع، فالحب لا يعني الاعتداء على الحدود الصحية، والحدود ‏الصحية في أبسط أشكالها هي القدرة على قول لا. ‏
نظرت إلي وسألتني… أليس المحب لمن يحب مطيع؟ تركتها وقدت سيارتي وفي ذهني يتردد بيت الشعر الذي أشارت إليه
‏تَعْصِي الإِله وَأنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ……هذا محالٌ في القياس بديعُ

لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْتَهُ……إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ

فكرت كيف تحول مفهومنا عن الحب العاطفي بين الرجل والمرأة من علاقة ‏ديناميكية بين طرفين مبنية على العطاء المتبادل والتكاملية في أوقات الخلاف ‏والوفاق، إلى علاقة يرى فيها أحد الطرفين نفسه ك “إله” لا يثق في حب الطرف الآخر ‏له إلا بالطاعة، كيف انتقلنا من تبادلية العلاقات القائمة على المشاركة وتبادل البذل ‏والعطاء إلى برجماتية وأحادية التفكير في الأنا وما تحققه من مكاسب في هذه ‏العلاقة.

عزيزي القارئ.. عزيزتي القارئة ماذا تعرف/ ي عن فلسفة الفردانية؟

الفردانية (Individualism) ‏هي موقف أخلاقي، فلسفة سياسية، أيديولوجية أو النظرة الاجتماعية التي تؤكد على القيمة ‏المعنوية للفرد، ‎‏ تدعو الفردانية إلى ممارسة أهداف الفرد ورغباته ليكون قيمة مستقلة ومعتمدًا على ‏نفسه‎. ‎‏ تَعتبر الفردانية أن الدفاع عن مصالح الفرد مسألة جذرية يجب أن تتحقق فوق اعتبارات ‏الدولة والجماعات، في حين تعارض الفردانية أي تدخل خارجي ضد مصلحة الفرد من قبل المجتمع. ‎‏

ستستوقفني الآن متسائلًا: وما علاقة الفلسفة بالحب؟ وما علاقة الفردانية بالعلاقات؟ الإجابة أن الإنسان ‏ اجتماعي بطبعه، يتبادل التأثير والتأثر مع مجتمعه، والإفراط في النزوع نحو الفردانية سيؤدي ‏بالتأكيد إلى تحلل العلاقات الإنسانية ومن ثم انهيار البناء الاجتماعي مقابل تضخم الذات وال “أنا” ‏وترسخ المادية والأنانية، بالتالي يتحول الإنسان الكامل إلى إنسان ناقص عابث لا يهمه سوى إشباعاته ‏المادية ولو كانت افتراضية، وإن لم يكن يصدقها هو فإن سلوك الأفراد حوله يجعله يصدق ذلك ‏رغما عنه فيغرق في الفردانية. ‏

هل اهتمام الإنسان بحالته النفسية قد يصبح مصيدة للسقوط في الفردانية؟ ‏

شاهدت بالصدفة مقطع فيديو لطبيب نفسي شهير يجيب فيه عن سؤال “هل كل العلاقات المنتهية… ‏علاقات مؤذية أو مسيئة؟” ‏
وكانت إجابته أن الأصل في العلاقات هو الانتهاء وليس الاستمرار، إذا فهمنا هذا الأمر سنكون أكثر راحة في حياتنا، ومن المهم أن أكون على علم بسبب دخولي في هذه العلاقة ‏ وما الذي أحتاجه منها، فإذا شعرت في أي وقت أن هذه العلاقة لا تلبي احتياجاتي فمن حقي أن آخذ قراري بالرحيل.
وأضاف “العلاقة الناجحة هي إلي بنصحى فيها كل يوم الصبح نسأل نفسنا هل احنا عايزين نكمل النهارده ‏مع بعض ولا لأ ، ده بيحصل من غير ما نحط الطلاق على الترابيزه ، احنا بنكبر واحتياجاتنا وأولوياتنا بتتغير ودايرة معارفنا بتتغير وبالتالي بنحتاج شريك يتواءم ‏مع تغيرنا”. ‏
لا يساورني شك في النية الإيجابية من كلام الطبيب الشهير، فبطبيعة الحال رغبة الإنسان ‏الأسمى ومحركه الأساسي هو تحقيق السعادة لذاته في المقام الأول، ولكن يساورني شك إن كانت هذه ‏النصائح هي الطريق السليم لتحقيقها.

الوحدة في عصر الفردية

إذا تعمقنا في عالم جيل الألفية الرائع‎ (Gen Z)، الشريحة الأكبر من سكان العالم، يمكننا اعتبارهم ‏الأطفال المدللون للفردية، وهو أمر قد يبدو جميلا، لكنه قد يؤثر سلبًا على حياتهم الاجتماعية. ‏
وفقا لتقرير صادر عن‎ *YouGov، فإن 30 % من جيل الألفية يشعرون دائمًا أو غالبًا بالوحدة، 27% منهم يقولون إنه ليس لدينا أصدقاء مقربين، وواحد من كل 5 أفراد أفادوا أنه ليس لديهم ‏أصدقاء على الإطلاق. ‏
لا يعني كلامي-ولا تعتقد للحظة- أن الشعور بالوحدة يقتصر على جيل الألفية فقط، فالفئات العمرية الأكبر سنًا تصاب أيضًا بلسعة الوحدة، ولم ولن تكُن الوحدة أبدًا مفيدة للصحة النفسية ‏في أي عمر، فهي دائمًا مرتبطة بالاكتئاب والقلق والعديد من الاضطرابات النفسية، لذلك؛ وبغض النظر عن ‏عدد الشموع التي تطفئها على كعكة عيد ميلادك، فإن الوحدة يمكن أن تصيبك.

اقرأ أيضًا: جيل زد في مواجهة “ميتا”.. عن الوقوف في وجه الطغيان

‎وبالعودة إلى السؤال لماذا يشعر الكثير من جيل الألفية بالوحدة؟ حسن، قد يكون استخدام وسائل ‏التواصل الاجتماعي عاملًا مساهمًا، فوفقًا لاستطلاع آخر أجرته شركة ‏  *YouGov، يشعر 27 % ‏من جيل الألفية المهووسين بوسائل التواصل الاجتماعي بالوحدة، والحقيقة أن العلاقة بين وسائل ‏التواصل الاجتماعي والشعور بالوحدة مثيرة للدهشة بعض الشيء وهو أمر يستحق أن نفرد له ‏مقالًا مستقلًا.

لسوء الحظ، أدت هذه العقلية الفردية- أو الفردانية كما يتم ترجمتها أحيانا- إلى ظهور جيل من الشباب الذين اعتادوا ‏التقاط صور السيلفي (وحدهم)، ويقدرون وقت “أنا”(‏Me time‏) على الصداقة. ‏
من ناحية أخرى، فإن تأثير الفردية على ‎الجيل السابق لجيل ‏”Z”‏ وجيل الألفية- والمقصود هنا جيل ‏‏(1965-1985) المعروف بجيل”X”- كان جليًا في طموحهم وإدمانهم على العمل، والتأكيد على ‏أن الأفراد مستقلون ومسؤولون عن قراراتهم وأفعالهم. ولا جدال على أهمية هذه القيم في الحياة وأثرها على الفرد والمجتمع، لكن تذكر أن كل شيء في الكون يدور حول التوازن، فعندما ننظر إلى أنفسنا فقط، قد لا نفكر في ‏الصورة الأكبر وكيف تؤثر أفعالنا على الجميع.

الفردية تجعلنا نشعر بأننا مُستحِقون دائمًا، والاستحقاق بالتدريج يجعلنا أقل اهتماما بالآخرين، فعندما ‏نهتم بأنفسنا فإننا لا نفكر في احتياجات ورغبات من حولنا، وبالتركيز أكثر من اللازم على أنفسنا يوصلنا ذلك إلى نقص المسؤولية الاجتماعية، وقد لا نفكر في القضايا الأكبر ‏التي تؤثر علينا جميعًا بدءًا من الظلم الاجتماعي وصولًا لأزمة تغير المناخ، وغير ذلك من ‏المشاكل التي تتطلب التفكير خارج إطار الذات، ولأننا جميعًا نشكل المجتمع، علينا أن نقوم بدورنا لجعله مكانًا ‏أفضل. الموضوع أكبر بكثير من انعكاسه على قصص حبنا العاطفية وحسب، فهو ينعكس على حبنا للكون ‏ولخلق الله في العموم.

هل يوجد حل؟ ما هو الحل؟

أعتقد أن الحل يكمن في تحقيق التوازن بين الرغبات الفردية وصالح العلاقة، نحن بحاجة إلى تجاوز النظام ‏الذي يقدر قيمة الشخص فقط… والنظر لفكرة الشراكة والارتباط المبني على وجود رباط حقيقي ‏وقوي مبني على التكاملية والدعم المتبادل، وعلى النقيض من الفردية… التي تركز على المصالح ‏والحقوق الشخصية، وأن يكون هناك تأكيد متبادل بين الطرفين على أهمية الانسجام والمسؤولية المشتركة ‎لنجاح ‏العلاقة،
أو- بصياغة أخرى- إيجاد شعور بالانتماء لكيان مشترك مكون من فردين… يقدر فيه كل فرد الآخر وسماته ‏الفريدة، مع إعطاء الأولوية أيضا لصالح العلاقة ‎. ‎
ما نحتاجه هو التوازن بين الفردية والروابط الاجتماعية… لذلك دعونا نعطي قيمة أكبر لعلاقاتنا ‏الاجتماعية ونحارب الوحدة والعزلة الاجتماعية… ونتمسك بالحب. ‏

 

* YouGov plc is a British international Internet-based market research and data analytics firm headquartered in the UK with operations in Europe, North America, the Middle East, and Asia-Pacific. [1]

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة