القانون والناس وتكتيك الميكروباص

أثناء دعاية الإخوان لدستور 2012. استخدمت تكتيك الميكروباص، حيث يصعد شخصان معهما نسخة من مسودة الدستور، ويفتحان حوارًا حول عظمة هذا الدستور المرتقب، وخلال دقائق يشارك كل الركاب في الحوار.

شاركت بالصدفة في أحد تلك الحوارات، وكانت المادة الأساسية التي تستخدم للترويج هي (حماية قيم الأسرة المصرية). وجهت لهما سؤالًا بسيطًا، ما هي قيم الأسرة المصرية؟ مثلًا بنات الطبقات العليا يجب عليهن لبس المايوه لنزول البحر وإلا كانت مخالفة لقيم الأسرة، كما أن الأسرة النوبية تعطي للبنت مساحة حرية لا تتوفر في الأسرة الصعيدية، فلها في أغلب الأحيان اختيار ملابسها بحرية، والمشاركة في الأفراح بالرقص والغناء.

بالطبع كان الإخوان يقصدون نموذج متخيل ثابت للأسرة، مستمد من رؤيتهم الأخلاقية الذكورية الخاصة.

ذكرني هذا الحوار بمرحلة الدراسة بكلية الحقوق، والنقاشات حول المفاهيم غير المحددة، وأذكر محاولة الأساتذة شرح ذلك بطرق أكثر تشويشًا، وأعقد تلك المفاهيم وقتها كان (النظام العام والآداب العامة) وأحد الأمثلة العجيبة التي لم تقنعني هي أن لو فتاة وشاب يمشيان متشابكي الأيدي بحي شعبي يمكن محاكمتهما بمخالفة النظام العام، لكن هما نفسهما لو فعلا ذلك على شاطئ الإسكندرية فلا يعد ذلك جريمة.

القانون المصري ملئ بمثل تلك المفاهيم غير المحددة، رغم أن فقه القانون يشترط أن تكون الأفعال المجرمة محددة، وواضحة دون أي لبس، وانتشار تلك المفاهيم ليس مجرد صدفة، فالقانون أحد أهم أدوات السلطة للسيطرة وليس مجرد تنظيم العلاقات، والجرائم والمحاكمات.

القانون ليس مثاليًا أو مجردًا بل هو انعكاس لواقع الدولة وطبيعة العلاقة بين السلطة والشعب، وكلما مالت السلطة للاستبداد زادت المفاهيم الفضفاضة التي تفتح مساحات ضبابية للتجريم، ويصبح المواطن عرضة ليد السلطة الثقيلة دون أن يقصد أو يعرف.

شهدت السنوات الأخيرة، توسعًا كبيرًا في استخدام مفاهيم للتجريم دون تحديد منها، الاستخدام المفرط لمفاهيم فضفاضة في قانون تنظيم الإعلام، وقانون الجريمة الإلكترونية الذي أدى إلى سجن الكثير من الفتيات المصريات بتهمة الإساءة لقيم الأسرة لاستخدامهن موقع “تيك توك”.

ومنذ أيام صدر عن البرلمان تعديلًا لقانون القضاء العسكري، شمل التعديل إضافة اختصاص القضاء العسكري بجرائم الاعتداء على المرافق العامة، وما في حكمها والتي تخضع لحماية القوات المسلحة، دون تحديد ماهية تلك المرافق، وما معنى “ما في حكمها” وما علاقة القوات المسلحة بحماية مرافق مدنية هي في جوهرها مجال حركة المدنيين؟ وتخضع لحماية وزارة الداخلية وهي وزارة مدنية، خاصة أن حماية القوات المسلحة للمرافق العامة لا يحدث إلا في حالات استثنائية، وكان ذلك السبب في صدور قانون خاص بحماية المنشآت عام 2014. ونص على أن يطبق لمدة عامين فقط، ورغم ذلك تعرض ذلك القانون لهجوم حاد من المنظمات الحقوقية، والحركة السياسية وقتها، والتي كانت ترفض محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري لأي سبب، وموقفها ما يزال صحيحًا تمامًا، فالقضاء العسكري خاص بالعسكريين فقط، ومحدد بمناطق عسكرية محددة.

التفسير الوحيد المنطقي، هو استمرار التهديد بالمحاكمات العسكرية للمدنيين، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، فكأن الشعب كله في ميكروباص لا يعلم إلي أين يتجه، والجميع مهدد بالمحاكمة والسجن علي جرائم لا يفهمها، ولا يقصدها. وحتي حقه في المحاكمة أمام قاضية الطبيعي لم يعد مضمون.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة