ضحية أو شريكة في الأذى.. الخروج من العلاقات المسيئة

في حديثنا مع مجموعة من النساء حول سنوات كانت فارقة في حياتهن، كانت الأجوبة تدور حول العام الأول بعد الخروج من العلاقات المؤذية أو النجاة من العنف. هنا لم يقتصر حكيهن على العنف البدني أو الجنسي لكن أيضا الاقتصادي والنفسي وغيرها من الأنواع التي يلمسن النساء الفارق من اللحظة الأولى عند الخروج من دائرة أذاها.

للتعريف بدائرة الأذى فهي حلقة من الإساءة مكونة من أربعة أجزاء “التوتر/ العزلة، والصدمة، والمصالحة، ثم الهدوء”، يعتمد فيها الشخص المسئ أو المؤذي على تكرار مجموعة من السلوكيات من خلالها يحافظ على نمط معين يتكرر أيضًا أثناء العلاقة، واستمرار تلك الدائرة تساعده في الحفاظ على سيطرته وهيمنته على ضحيته.

تعتمد مرحلة التوتر والعزلة على جعل الضحية تنعزل تمامًا عن كل مصادر الدعم، تشعر بالحاجة إلى الطرف المؤذي والاعتماد عليه، والخوف من فقده وفقد الأمان المزيف الذي تعيشه. كذلك افتعال الأزمات التي تشوش رؤية الضحية وتدمير صورتها عن ذاتها واحتكارها لنفسه. وكذلك تفريغ دائرة الثقة حول الضحية والتركيز على استنزاف المشاعر والموارد سواء النفسية أو الاقتصادية، وتمرير العنف في صورة حب وغيرة وشك وتقويم سلوكيات وغيرها من المبررات.

تأتي مرحلة الصدمة حين يكشف المسئ عن وجهه الحقيقي وكذلك نواياه الخفية، في تعريض الضحية للأذى المباشر، واستقبالها لذلك كصدمة كبيرة قد تدفعها للهروب مرارًا وتكرارًا من العلاقة، وهنا يعود المسئ إلى مرحلة المصالحة، وفيها يقدم المبررات ويستخدم فن قلب الطاولة مع البكاء والعويل أحيانًا كصورة مزيفة عن الخوف من الفقد وأحيانًا بتقديم الهدايا وقرابين الغفران حتى نصل لنهاية الدائرة، وهي الهدوء النسبي لترى الضحية وجهًا طبيعيًا للشريك، وتظن أن ما حدث لن يتكرر، ثم تعيد الدائرة نفسها.

يعاني ضحايا تلك العلاقات من صعوبة الخروج من هذه الدائرة، حيث يعتمد فيها الشخص المسئ بإحكام الدائرة وتشابك الخيوط التي تقيد حركة الضحية، والأهم من ذلك كما ذكرنا، أن يعزز عزلتها حتى تظن أن لا مخرج ولا مفر مما تعاني منه، وأن خارج هذه الدائرة تكمن المعاناة والألم الأبدي. وأن لن يفهم أحد ما أعيشه، لذلك لن أجد سبيلًا للمساعدة والدعم.

ما حكته النساء في صالون “سوبر وومن” عن اللحظات الأولى يمكن تلخيصه في شعورهن بالتيه والخسارة واستحالة البدء من جديد، لكن كما سردت بعض النساء عن رحلتها بعد سنة واحدة كيف صنعت فارق في حياتهن يمكن أن يمنح الأمل لغيرهن من الضحايا رهائن العنف الآن.

تحكي منال “اسم مستعار” عما فقدته داخل علاقتها السابقة، من استنزاف مادي ومعنوي أو كما وصفت “كنت بتشفط عشان ميبقاش فيا حيل أقوم وأقاوم”. وهذا هو تكنيك شهير للأشخاص المسيئين للمراهنة على عدم قدرة الضحية للمقاومة، من خلال استنزافهن وشغلهن بالمحاولات المستمرة لتجنب غضبهم أو عنفهم تجاهن. وكما ذكرت منال في حديثها معنا، عن رغبتها المستميتة في استعادة النسخة الجميلة التي وقعت في غرامها في بداية العلاقة ولكن ما رأته هو استحالة ذلك، وأن تلك النسخة هي مزيفة، الغرض منها الإيقاع بالضحية وتشويش رؤيتها بسبب ظهور واختفاء هذه النسخة، وتبرير العنف بأنها هي المسؤولة عن اختفاء هذا الوجه الطيب، ولولاها ما كانت تعرضت لكل ذلك منه أو كما قالت الأسطورة “أنتي اللي عصبتيني”.

من خلال العمل مع النساء الناجيات من العنف، كنا قد لمسنا هذا الفارق ما بين اللحظات الأولى وبعد سنة واحدة من الخروج. وهو ما قد تراه جيدًا في حديث الناجية عن نفسها، وعما تعرضت له وتفسيراتها لذلك. تعتقد الناجية في البداية أنها أحد أسباب ما كانت تتعرض له حتى ولو بالقبول أو السكوت والصمت، ثم تدرك مع الوقت حقيقة الدائرة التي كانت تعيشها داخلها حتى ترى الأمور بشكل أوضح، أن من يعنفها هو المسؤول وأنها كانت ضحية غير مسؤولة بأي شكل.

أهم ما يجب على الناجية أن تسعى لمعرفته هو حقيقة ما كنت تتعرض له داخل العلاقة المؤذية، وهي بداية المصالحة الحقيقية مع الذات حتى تبدأ رحلة التعافي ولمس الفارق بعد رحلة قصيرة أو طويلة من محاولات النجاة من فخ العنف والأذى، وخلق دوائر دعم بديلة أو استعادة ما فقدته أثناء عزلتها المدبرة، ما يوفر لها مساحات من الأمان تساعدها على عدم العودة وقطع كل سُبل التواصل مع المسئ، وتحمي نفسها من التلاعب بأفكارها ومشاعرها وتضمن رحلة نجاة متكاملة، وأخيرا الإيمان دائما أن بعد كل نهاية بداية جديدة وأن النجاة هي حق مستحق لها، ليس حلم بعيد المنال.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة