بعد إذن الأسرة المصرية.. الحرية للستات

منذ عام أو أكثر، صدر حكم بسجن حنين حسام، ومودة الأدهم، وثلاث شابات أخريات، بالسجن من 2 إلى 3 سنوات، وغرامة 200 ألف جنيه، بتهمة الاتجار فى البشر، والتعدي على قيم الأسرة المصرية، والتحريض على الفسق والفجور، وذلك بالقضية المعروفة بـ”فتيات تيك توك”.

جاءت هذه المحاكمة بعد هجوم شديد تعرضت له هؤلاء الفتيات بسبب فيديوهاتهن على منصة “تيك توك”، والتي كانت عبارة عن مقاطع رقص أو الظهور في تطبيقات مثلا “لايكي” وغيره لكسب المال، وهي تطبيقات غير محظورة في مصر وما زالت مستخدمة إلى الآن من قبل المشاهير أيضًا.

تلك الحملات كانت تحت شعارات أخلاقية تشجب وتعترض على سلوكهن، حتى جاء الفيديو الشهير التي صرحت فيه حنين حسام بتكوينها فريق من الفتيات بغرض عملهن على أحد التطبيقات. استجاب القضاء المصري بسرعة للبلاغات المقدّمة بحقهن، ومحكامتهن بتهمة مطاطة، وهي الاعتداء على قيم الأسرة المصرية.

في واقع الأمر، هناك في القانون المصري عدة قوانين تجرَم التعدى على القيم الأسرية: وهي مواد قانون العقوبات التي تحاكم بها الفتيات والشباب، وتُجرم نشر صور ومقاطع فيديو خادشة للحياء، وتعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد عن 10 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من نشر صورًا بقصد العرض إذا كانت خادشة للحياء العام، حسبما تنص المادة 178 عقوبات، وكذلك الدعوة بالإغراء للدعارة على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن 3 سنوات وبغرامة لا تجاوز 100 ألف جنيه كل من أعلن بأية طريقة من طرق الإعلان، دعوة تتضمن إغراءً بالفجور أو الدعارة أو لفت الأنظار، وفق المادة 14 من قانون رقم 10 لسنة 1960.

بالإضافة إلى تهمة الاعتداء على مبادئ وقيم أسرية في المجتمع المصري، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري – المادة 25 من قانون 175 لسنة 2018 – في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

وكذلك إنشاء حساب وإدارته على الإنترنت للتحريض على الفجور، يُعاقب صاحبها بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد عن ثلاثمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أنشأ أو أدار أو استخدم موقعًا أو حسابًا خاصًا على شبكة معلوماتية يهدف إلى ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونًا، وفق المادة 27 من قانون 175 لسنة 2018.

الجدير بالذكر هو أن كل هذه الاتهامات تعود للقاضي أو المحقق لتقدير مدى فجاجة المقاطع أو الأفعال التي يرتكبها المتهم، وهو ما يطرح سؤالًا مهمًا: هل يخضع القانون المصري لمنظومة أخلاق من يحكمون به؟

جميعًا على علم بما يدور خلف أبواب البيوت المصرية وفي الشوارع تجاه النساء، بحجة الشرف والأخلاق والعرض والدين، حول ما ترتديه هذه وما تختاره تلك، بمباركة من المجتمع ورجال الدين وكذلك القانون، حيث يعطي هذا القانون الحق أيضًا في الحكم على سلوك النساء بالقانون حسب وجهة نظر من يحكم به، وهو أحد أفراد نفس المجتمع المعنف للنساء وصاحب السطوة الأبوية عليهن.

قد ترى أنت هذا المقال خادشًا للحياء، وقد يراه البعض مقالًا يدافع عن الحريات، لكل منا وجهة نظره، لكن بالقانون يمكن للآخرين اتهامي واتهام من يقرأ بالتحريض على الفجور، ومن يحكم هو من يحق له تحديد مدى فجور الفعل عن غيره.

ما كنت أشرحه هو أن ما حدث جاء بديلًا عن محاولة تفكيك ما يحدث للنساء في البيوت والشوارع والبحث عن سبل حماية لهن، بل تحويل القانون ذاته إلى أداة للقمع وعقاب النساء على اختيارتهن وسلوكهن.

تلك المواد القانونية تحتاج إلى مراجعة شاملة في احتوائها على عبارات لا يوجد قياس موضح لها غير وجهة نظر من يحكم بها، وبالتالي، يمكن استغلالها في العديد من الأمور التي لم يقصدها المشرع، وهو الأمر الذي لا يمكن التعايش معه خاصة مع التطور التكنولوجي ومواقع التواصل الاجتماعي الهادف للربح منها، وإقرار حق المواطنين المصريين دستوريًا في الحماية القانونية لحقوقهم وحرياتهم.

وإضافة لذلك يجب النظر لما يحدث بعين المساواة للرجال والنساء، وأن اختيارات والتصرفات المواطنين -جميع المواطنين- التي لا تتضمن مخالفة للقانون وخاصة إن كانت غير محظورة ومستمرة إلى يومنا هذا رغم معاقبة فتيات التيك توك عليها لا يجب أن يتبعها تهديد أو ملاحقة أو عقوبات قانونية، خاصة أن قيم الأسرة المصرية عبارة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتعنيف وقمع يُمارس ضد النساء ويستخدم من قبل المجتمع دومًا، والقانون للوصاية على حياة النساء ولتمرير العنف داخل البيوت وفي الشوارع والآن في الزنازين.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة