الدولار المجمد.. كيف وصل “الأخضر” إلى نصف ثمنه بالسوق السوداء؟

تسيطر شائعات الدولار المُجمَد على السوق المصرية، حاليًا، مع ظهور عروض لبيع العملة الأمريكية بالسوق السوداء، بأسعار أقل من السوق الرسمية، وبنصف ثمن بيعها بالسوق الموازية.

“الدولار المُجمد” لا يختلف عن العملة الحقيقة السارية من الناحية الشكلية في أي شيء، باستثناء أنه منهوب من بنوك ومؤسسات ببلدان شهدت أوضاعًا أمنية معقدة كسوريا والعراق ولبنان واليمن أو مرتبط بعصابات وجماعات ذات أنشطة غير شريعة.

تمتلك البنوك المركزية قائمة كاملة بالأرقام التسلسية للعملات الأجنبية المكونة للاحتياطيات النقدية لها أو المتوافرة بالبنوك، وحينما تتعرض الدول لمشكلات أو تُنهب يتم إبلاغ الاحتياطي الفيدرالي “البنك المركزي الأمريكي” بالأرقام التسلسلية الخاصة بها، فيصدر قرارًا بتجميدها على مستوى العالم.

رغم تجميد تلك العملات، إلا أنها تطبيق القرار يظل مرتبطًا بالتعاملات مع البنوك فقط، بينما يظل حاملوها يتداولونها ويستخدمونها في تعاملاتهم، خاصة في الدول التي تعاني تضخمًا مرتفعًا أو قلاقل سياسية.

الدولار المجمد.. مصطلح يعود حرب الخليج

لم يكن الدولار المجمد، معروفًا عالميًا، إلا بعد حرب الخليج الثانية مع نهب عملات أمريكية من البنوك العراقية. وتكرر الأمر ذاته حينما نهب تنظيم داعش بنوكًا رئيسية بسوريا والعراق، وكذلك الحال مع سقوط نظام معمر القذافي بليبيا.

لا يمكن للمواطن العادي أو حتى المتخصص الكشف عن تلك الدولارات من المعاينة البصرية، ولا يمكن اكتشافها إلا بمراجعة النشرات الدورية للبنك المركزي الأمريكي على مدار عدة سنوات. وهو أمر يجعل اكتشافها من المستحيل على المتعامل العادي الوصول إليه، بينما يسهل على البنوك التي لديها تسلسل لتلك العملات.

ظلت تلك الدولارات دارجة الاستخدام ولها سوق موازية خاصة في ليبيا والعراق، ومكاتب خاصة تبيعها بسعر أقل على اعتبار أنها تحتفظ بقدرتها للتداول خارج منظومة البنوك فقط. لكونها بتخفيضات سعرية تصل إلى 50% مع وجود مخاطرة باكتشافها.

الدولار المجمد في السوق السوداء المحلية

يقول تاجر ذهب يتعامل في السوق السوداء: “المصريين ما اهتموش بموضوع الدولار المجمد ده إلا من عشر أيام بس.. قبلها كان كل همهم يكون دولار سليم مش مزور وإنهم يوفروا دولار من السوق السودة عشان ينجزوا مصالحهم”.

ولكن بدأ الحديث في أمر “الدولار المجمد” ومخاطره الموضوع بعد ظهوره في بعض الصفحات تعلن عن بيع دولار مجمد بـ 30 جنيهًا، على حد قول تاجر الذهب المتعامل مع السوق السوداء، الذي يقول لـ”فكر تاني”: “بيبعوه أقل من سعر البنوك رغم الشائعات عن وجدود تعويم قريب للجنيه.. ده خلي ناس كتير تبتدي تتكلم وشائعات ملت السوق والكل بدأ يشوف السريال نمبر ويدور على الإنترنت”.

الدولار المجمد.. سوق ضخمة لايمكن رصدها

الدكتور أشرف غراب، نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية، يقول: “كل عملة أمريكية لها سيريال نمبر يتم توزيعها على البنوك المحلية والمركزية العالمية لمنع تداوله، والدولار المجمد سليم لا يفرق عن العادي في أي شيء وصادر عن الاحتياطي الفيدرالي، وله رقم مسلسل ورموز حماية لكن مُجمد الصرف”.

الدكتور أشرف غراب، نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية
الدكتور أشرف غراب، نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية

وحسب “غراب”، لا يمكن حصر كمية الدولارات المجمدة في المنطقة العربية بالكامل وليس مصر فقط، فكميات كبيرة من الدولارات المهربة من ليبيا تم تجميدها ووجدت سوقًا نشطة لتوزيعها عبر بلاد خارج المنطقة، خاصة تركيا التي تشهد عاصمتها أنقرة رواجًا كبيرًا لتلك التجارة.

يضيف “غراب”، في حديثه لـ”فكر تاني”، أن مشتري الدولار المجمد يعرض نفسه للمساءلة القانونية عن مصدرها، والتعرض للسجن عند ضبطها، وتجار السوق السوداء يتداولنه في السوق غير الرسمية ليخدعوا به المواطنين وينصبون عليهم، وقد يبيعونه بسعر يصل لنصف السعر الرسمي للدولار لمخاطره تلك.

وتنشط تلك العملات في الدول العربية رغم الإجراءات القانونية التي يتم اتخاذها بشأن المتعاملين بها، ففي عام  2020 شن الأمن اللبناني حملة على المتداولين بها بتهمة الاحتيال، لكن بعض الأنظمة تحرص على تداولها مثل الحوثيين الذين ضخوا منها 60 مليون ديولار في المناطق الخاصعة لسيطرتهم.

“المركزي” يشدد الرقابة على الصرافة

لكن حافظ الغويل، مستشار نائب رئيس البنك الدولي لشئون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يتحدث عن أرقام مفزعة لتلك المبالغ المجمّدة في المنطقة، إذ أن ليبيا وحدها تم تجميد 120 مليار دولار من أموالها.

حافظ الغويل، مستشار نائب رئيس البنك الدولي لشئون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
حافظ الغويل، مستشار نائب رئيس البنك الدولي لشئون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مسؤول مصرفي يقول إن البنك المركزي وضع ضوابط لشركات الصرافة وأخضعها للرقابة الشديدة من أجل تلك المشكلة، لمنع تداول أي عملة أجنبية دون علمه، وكذلك مصلحة الجمارك التي تسأل المسافرين عن إمكانية حملهم الكميات الإضافية من الدولارات.

يضيف المسؤول أن البنك المركزي يصدر تعليمات مستمرة تتعلق بالضوابط الرقابية الخاصة بالبنوك، وآخرها يوم 19 ديسمبر 2023 بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومنح البنوك فترة توفيق أوضاع لمدة 6 أشهر.

يشير التقرير السنوي لجهاز الخدمة السرية الأمريكي لعام 2022، عن مصادرة أكثر من 41 مليون دولار من العملة غير الشرعية دون تحديد الدول التي تمت مصادرتها منها، وتلك المبالغ ما تم رصده فقط من قبل السلطات الرسمية.

اللاجؤون.. سوق نشطة للدولارات المجمدة

مع نقص الدولار بالسوق المحلية، بدأت الدولارات المجمدة تثير المخاوف في تعاملات السوق السوداء بمصر، خاصة بعدما لامست العملة الخضراء مستوى 55 جنيهًا، في الساعات الأخيرة، وارتفاع دولار الصاغة الذي على أساسه يحسب تجار الذهب سعر الجرام لأكثر من 56 جنيهًا.

محمود حسن، الذي توجه لأداء العمرة بالسعودية، يقول: “كنتب رايح اشتري دولار وأبدله في السعودية عشان ما لقتش ريالات.. لما سمعت عن حكايات الدولار المجمد بقيت أدور على أي عملة خليجي أو يورو او استرليني.. أي حاجة غير الدولارات”.

بحسب تجار ذهب، فإن الشائعات تزايدت مع تفضيل بعض الوافدين لمصر تبديل الدولار في السوق السوداء بدلًا من الصرافة، للاستفادة من فارق السعر، وهو أمر أثار شكوك البعض من تجار الذهب الذين رفضوا شرائه خوفًا من أن يكون “مجمدًا”.

تشير الدراسات البحثية عن ارتباط بين الدولار المجمد وعمليات النزوح في الأزمات، التي تشهد أيضًا رواجًا للخدمات غير القانونية بتزوير الأوراق وتداول العملات غير الشرعية وعمليات التهريب وسرقة البيانات الخاصة، وغيرها.

المخاوف شجعت التلاعب بالسعر

منحت المخاوف من الدولار المجمد، التجار ذوي الثقة، فرصة للتلاعب أكثر بسعر الدولار والتفاوض مع زبائنهم: “مش عاجبك روح اشتري من حد تاني بس ممكن تشتري منه دولار مجمد تلبي فيه”، على حد قول تاجر الذهب سالف الذكر.

سيد حنفي طه عضو مجلس النواب
سيد حنفي طه عضو مجلس النواب

ارتفاع الدولار بالسوق السوداء، دفع سيد حنفي طه عضو مجلس النواب، لاتهام الحكومة بالتراخي في مواجهة السوق السوداء الموازية، مؤكدًا أن تقاعس الحكومة عن أداء دورها أدى إلى تجاوز سعر الدولار مقابل الجنيه المصري إلى درجة خطيرة وغير مسبوقة.

ومع اختلالات تسعير الدولار على مستوى السوق السوداء أو الصاغة، أعلن سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة “آي صاغة” لتداول الذهب والمجوهرات عبر الإنترنت، التوقف عن نشر الأسعار، حتى لا تشارك في عملية التلاعب التي يتعرض لها سوق الذهب من قبل بعض التجار، لتحقيق مصالح خاصة تدمر مدخرات المواطنين، خاصة وأن سعر الجرام تذبذب بمستوى 200 جنيه في يوم واحد.

يقول البرلماني سيد حنفي في طلب إحاطة قدمه إلى المستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس مجلس النواب، إنه يجب اتخاذ إجراءات تكفل مواجهة كل من يحاولون ضرب وتخريب الاقتصاد المصري، في ظل خطورة الفارق الكبير بين سعر الدولار رسميًا وسعره في السوق السوداء.

استقر سعر صرف الجنيه مقابل الدولار حول مستوى 30.9 جنيه للدولار، منذ مارس الماضي، لكن توجد ضغوط من صندوق النقد لتخفيض العملة رغم هبوط الجنيه بنسبة تتجاوز 95% من 15.76 جنيه في 20 مارس 2022 إلى قرب 31 جنيهًا رسميًا.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة