“أنا مالي” هي ثقافة تقوم على الاهتمام بالمصلحة الشخصية في مقابل عدم الاهتمام بمصلحة الآخرين ودون تحديد أسباب منطقية للأفعال والسلوكيات، كذلك هي التزام الجانب السلبي من رد الفعل والصمت تجاه ما يحدث حولنا لعدم الرغبة في تحمل المسؤولية.
محمد، أحد سكان عمارة بها 2 مصعد، عندما أراد النزول في أحد الأيام محاولاً ركوب أحد المصعدين لم يستطع، لانشغال المصعدين في وقت واحد. ظل محمد علي هذا الحال لمدة 10 دقائق حتى وصل مصعد منهما، وعندما هبط للأسفل رأى أن أحد سكان العمارة يستخدم المصعدين لنقل أشياء خاصة به، دون الاهتمام بباقي سكان العمارة في صعودهم وهبوطهم، وعندما اعترض على ما يحدث لم يلق أي اهتمام من هذا الساكن، ولو حتى بالاعتذار لما يحدث وكأنه أمر عادي.
تنتشر ثقافة “أنا مالي” في المجتمع المصري بكثرة، فهي ثقافة تدعو إلى التركيز على ما أريده أنا وليس لي علاقة بالآخرين، ثقافة فردية تركز على الذات، وغالباً ما تؤدي إلى سلوكيات سلبية وغير محببة مثل الاستئثار بالحق في الأشياء دون الاهتمام بحقوق الآخرين في نفس الشيء، أوالاهتمام بما أفضله أنا حتى لو كان سيتسبب في إيذاء الغير أو إزعاجهم.
هذا النوع من السلوكيات يتسبب في خلق الضغائن بين الناس حتى ولو كان في أبسط الأمور، فالتركيز على الذات يؤدي إلى زيادة العدوانية بين الأفراد، والمنافسة الشديدة لتحقيق المصلحة الشخصية لأن كل فرد يرى نفسه هو من يستحق فقط الوضع الذي من شأنه أن يولد العديد من المشكلات المجتمعية، مثل العنف والمشاجرات، وإبراز ثقافات غير مستحبة مثل الأنانية، والفهلوة، والبلطجة في السلوك.
ذهبت هبة السيد ربة منزل إلى السوبر ماركت لشراء بعض الاحتياجات، والتزمت كعادتها بالصف في دورها في المحاسبة على مشترياتها، ثم تأتي إحدى النساء ببعض المشتريات وتذهب إلى الكاشير مباشرة متجاهلة من يقفون في الصف من أجل أن يحاسبها الموظف قبل الآخرين، وإذا اعترض بعض الناس تبرر موقفها بأنها مستعجلة ولديها أشياء قليلة ستحاسب عليها سريعا وتمضي.
أيضا ومن خلال مثل بسيط من منا لم يشاهده، الموقف الخاص بإحدى وسائل المواصلات العامة، حيث نجد شاب صغير يتمتع بالصحة، يجلس على الكرسي، ويقف بجانبه سيدة أو رجل هم الأولى بالجلوس، ولكن هذا الشاب لم يتحرك له ساكناً.
ماذا ستفعل مثل هذه السلوكيات في المجتمع، ستجعل الفرد يرى أن مصلحته الشخصية فوق مصلحة الجميع وأن الشاطر هو من يبرر تصرفاته الخاطئة ويكسب علي حساب الآخرين، ستجعلنا لا نرى المصلحة العامة ولا ننتمي إلى المجموع ولكننا ننتمي لأنفسنا فقط، لأن هذه النظرة تشجع مقولة ( أنا ومن بعدي الطوفان ).
ومن خلال دراسة حول الأطر الثقافية الحاكمة لسلوك المصريين واختياراتهم، دراسة لقيم النزاهة والشفافية والفساد في أكتوبر 2009 تحت رعاية وزارة الدولة للتنمية الإدارية لجنة الشفافية والنزاهة، قالت الدراسة في أحد أجزائها..
تتجلى مظاهر التغير فى البناء الأخلاقي فيما عبرت عنه عينة الدراسة من سوء العلاقات الإنسانية المنتشرة بين جميع فئات المجتمع الآن، والفساد الأخلاقى وعدم إتقان العمل وانخفاض الإنتاجية، وتفسر الدراسة تلك النتيجة الحالة العامة السائدة فى المجتمع الآن، والتى تتسم بحالة من العداء بين كثير من فئات المجتمع، والافتقاد إلى الثقة بين أفراد المجتمع، حيث أصبح الكل متربصا بالكل، وتمهد تلك الحالة لسيادة القيم الفردية مقابل القيم الجماعية، وهى القيم التي تمهد الطريق لانتشار الفساد، ويدلل على ما سبق ما كشفت عنه البيانات من أن 63.1% من عينة الدراسة يرون أن العلاقات الإنسانية السيئة بين فئات المجتمع تمثل التغير الأخلاقي نحو الأسوأ حيث لم تعد العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع يشوبها الثقة والاحترام والمشاركة وإنما تميزت العلاقات بالمنفعة والفردية، وهو ما يعبر عنه المصريون بنسبة %56.9 أن من مظاهر التغير الأخلاقي ما تمثل في الفساد الأخلاقي السائد في المجتمع الآن. ويمثل عدم إتقان العمل وانخفاض الإنتاجية مظهرا من مظاهر تغير البناء الأخلاقي للأسوأ، وهو ما يرتبط أيضا بقيمة الإنجاز فى المجتمع.
فمجتمعنا في حاجة شديدة إلى إحياء القيم والأخلاق المتمثلة في الصدق، الأمانة، العدل، الإحسان، التسامح، الرحمة، التعاون، الاحترام، التقدير، التضامن، والشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع، وإحياء مثل هذه القيم هي مسئولية الأسرة التي تتولى الرعاية والتنشئة، ومسئولية المدرسة التي تعلم وتربي بجانب الأسرة، ومسئولية كل مؤسسة تحمل على عاتقها واجب تجاه الأفراد والمجتمع.
ومسئوليتنا جميعاً للمساهمة في اندثار ثقافة “أنا مالي” التي أصبحت ظاهرة سلبية متفشية حولنا تهدد قيمنا وطبيعتنا الخاصة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من قيمنا وأخلاقنا ومسئوليتنا تجاه بعضنا البعض وتجاه مجتمعنا، تفاديا للآثار السلبية التي نجني العديد منها في الوقت الحالي.
