وضع يتأزم.. كيف تعيش النساء المعيلات؟

 

تسمع عن أزمة السكر والبحث عن كيس واحد، لكنك لم تعرف كيف تبحث وسط أزمات متتالية في البحث عن كل شئ! هكذا تعيش النساء المعيلات في مصر تحت ظروف اقتصادية قاسية وقوانين لا تحميها ونظام مجتمعي ضدها.

الظروف الاقتصادية واحدة على رؤوس جميع المواطنين، لكن ما نطرحه اليوم هي رؤية أقرب إلى معاناة مركبة تعيشها النساء المعيلات في مصر. بسبب عوامل كثيرة تعيش النساء المعيلات وهن نحو 12 مليون امرأة معيلة (تقوم على إعالة الأسرة لأي سبب) من إجمالي عدد السكان، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. هذا الرقم لا يشمل الأسر التي تقوم على أكتاف النساء دون اعتراف من الشريك أو من الأسرة ككل.

ما تعيشه النساء من معاناة هو أكبر من البحث عن أكياس السكر وسط اختفائها من الأسواق، بداية من القوانين التي لا تضع في اعتبارها كون النساء أصبحن معيلات لأسرهن، وحرمانهن من التمكين داخل إطار الأسرة والإصرار على امتيازات الرجل مقابل النفقة، بل تنظم النفقة للأطفال حسب ما يناسب الرجل لا كما يحتاج الطفل، مما يضع النساء تحت ضغوط توفير بدائل سريعة ومنجزة لحين الحصول على حكم نفقة محدودة لا تسمن ولا تغني من جوع، لتجد النساء نفسها تبحث ليس على السكر فقط بل على كل مستلزمات الحياة اليومية، وأكثر من ذلك.

على الجانب الآخر، تعاني النساء المعيلات من الانخراط في سوق العمل لعوامل اجتماعية وثقافية عديدة، تتخلف النساء عن المشاركة بسبب الضغوط الاجتماعية وحصر دورها داخل المنزل وحول رعاية الأسرة، وتحويلهم إلى ربات بيوت ليجدن أنفسهن بعد ذلك في مواجهة مع الضغوط الاقتصادية فاقدين مهارات عديدة ولا يستطعن مواكبة الركب السريع الرأسمالي لمتطلبات سوق العمل. لتبدأ دائرة جديدة من الصعوبات التي تواجهها أيضًا في محاولتها للحصول على وظيفة أو دخل ثابت مما يؤدي إلى قبولهن رواتب ضعيفة بدون عقود أو حماية اجتماعية مكفولة.

وعلى الرغم من الترويج للخطاب المجتمعي صاحب شعار النساء مكانهن المطبخ، إلا أن هذا الخطاب يتعمد إغفال دورها في الإعالة ولا يسعى إلى تخفيف الأعباء بل يزيدها حتى تتحمل النساء دورها داخل المنزل وتشارك أو تتحمل بشكل كامل في إعالة الأسرة، وهو ما يخلق عبء مزدوج تتحمله النساء وحدها ولا نجد للدولة أو للمجتمع دور واضح في تخفيف ذلك عنهن، حتى مع نص القانون والدستور بتمكين النساء من القيام بدورها في رعاية الأسرة ومتطلبات العمل وذلك من خلال الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة..

وفقا للقانون، الدولة مسئولة عن إلزام أصحاب العمل بتوفير دور رعاية للأطفال في أماكن العمل ولكن وسعت النطاق لتصل الأعداد التي تلزم أصحاب العمل بتوفير دور رعاية إلى 100 عاملة وهو ما يؤكد ويحصر الدور الرعائي للأطفال على النساء فقط، وليست الأسرة ككل مكونة من أب وأم مسئولون عن الأطفال وكان لزاما على الدولة أن تلزم أصحاب العمل على توفير ظروف آدمية للنساء تحترم فيها الدور الإنجابي، دون أن تدفع ثمن هذا الدور بفقدان حقها في العمل، وحقها في التمكين ومن ثم تعاني من الظروف الاقتصادية معاناة مضاعفة.

كل هذه المعاناة التي قد تحل بقوانين تنظم العمالة المنتظمة داخل سوق العمل، تتضاعف داخل سوق العمل غير المنظم، الذي لا يخضع للمراقبة أو التنظيم من قبل الدولة بشكل كبير، تعاني فيه النساء المعيلات للعنف الوظيفي، والتحرش والذكورية التي تعرضهم للإقصاء والحرمان من حقوقهن، بشكل غير ملموس مما يعيق هؤلاء النساء عن الشعور بالاستقرار الوظيفي والأمان المادي، وحرمان كبير من الحقوق الأساسية في العمل، مما يدفعهن للتخلي عن وظائفهن بشكل متكرر، أو القبول بظروف قاسية تضاعف عليهن الأعباء.

لم نتحدث حتى الآن عن العنف الأسري الذي تتعرض له النساء المعيلات من الحرمان من التمكين الاقتصادي، والحرية في التصرف في أموالهن، على يد شريك معنف أو أسرة معنفة. على نطاق واسع نرى نساء معنفات بسبب كونهن عاملات، أو يعملن تحت ضغط التعنيف وهو ما لا تذكره الإحصائيات والأرقام في مصر، حيث أن النساء تتحملن الأعباء الاقتصادية على أكثر من وجه، إلى جانب تحمل الظروف الاقتصادية في الحياة اليومية، بل تعد النساء هن الحلقة الأضعف التي يفرغ فيها الرجال غضبهم مما يعيشونه الآن، حيث يزيد خطر معاناة النساء من العنف نتيجة للضغوط النفسية، وضعف سبل الحماية القانونية والمجتمعية، وزيادة الصعوبات الاقتصادية، وانخفاض فرص الحصول على الخدمات.

ستظل معاناة النساء في تفاقم بسبب كل ما ذكرناه والإصرار على التغافل عن الأسباب والاعتراف بالضرورة القصوى إلى قانون موحد يحمي النساء من كافة أشكال العنف، وإجراءات للتدخل منجزة وسريعة، وإعادة قراءة المشهد المجتمعي بعين المساواة بين الجنسين، وإدراك تغيير الأدوار الجندرية الذي ناله المجتمع بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية، مما يضعنا أمام حاجة مؤكدة إلى قانون الأسرة وقانون عمل  يراعى فيه الدور الإنجابي للنساء ويضع عبء رعاية الأطفال على الأسرة ككل، مما يحمل الرجل المسئولية كما المرأة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة