نحو عهد مستقل.. اتحاد تضامن النقابات العمالية في طريقه للبزوغ

"الاتحادات الدولية للعمال لا تعترف بالكيانات المرتبطة بالسلطة. لذا فهي ترى مصر بلا تمثيل عمالي حقيقي"؛ يقول أحمد رشدي المغربي، رئيس اتحاد تضامن النقابات العمالية، الذي جرى تدشينه قبل أيام من عدد من النقابات العمالية المستقلة، والذي يسعى إلى تجاوز إخفاقات محاولات التمثيل العمالي الحقيقي في السنوات الماضية، بتجربة جديدة تعمل وفقًا للقانون خدمة لمطالب الطبقة العاملة في مصر، بما يشمل العمالة غير المنتظمة.

وقد دشنت دار الخدمات النقابية والعمالية، السبت الماضي، الاتحاد الجديد، بعد أن صدّقت جمعيته العمومية التأسيسية، على لائحته الداخلية، وضم 46 من النقابات العمالية المستقلة، عدا نقابة عامة واحدة (النقابة العامة للعاملين بالهيئة العامة للإسعاف، وتضم 25 لجنة نقابية فرعية)، تمثل عدة قطاعات؛ القطاع الحكومي (9 نقابات)، وقطاع العمالة غير المنتظمة (8 نقابات)، والقطاع الخاص (3 نقابات)، وقطاع الأعمال العام (نقابة واحدة).

يقول "المغربي"، في حديثه لمنصة "فكر تاني": "منذ العام ونصف العام تمت دعوتي وكمال عباس منسق عام دار الخدمات النقابية والعمالية إلى عدد من الفعاليات المتصلة بالقضايا العمالية العربية والدولية. فوجئنا وقتها بعدم تمثيل أي من الاتحادات العمالية المصرية في تلك الفعاليات. وقد وجهت لنا بعض الاتحادات العربية لومًا شديد اللهجة، خاصة وأن الاتحادات الدولية لا تعترف بالاتحادات المرتبطة بالسلطة، وتطالب بتمثيل العمال عن طريق اتحادات مستقلة".

الاتحاد الجديد يسعى إلى تمثيل يليق بالحركة العمالية المصرية المستقلة
الاتحاد الجديد يسعى إلى تمثيل يليق بالحركة العمالية المصرية المستقلة

رئيس الاتحاد الجديد: واجهنا معارك ضارية منذ 2011

من هنا جاءت فكرة تأسيس الاتحاد، وفق "المغربي"، خاصة وأنه لم يكن هناك سوى اتحاد العمال الديمقراطي كممثل وحيد لعمال مصر في الاتحاد العربي للعمال. وقد بدأ حينها "تفريغه بالكامل ولم يكن هناك سوى لجنة نقابية واحدة عاملة في داخله وهي اللجنة النقابية للعاملين بالتموين في الإسماعيلية، وانسحبت هي الأخرى بعد مؤتمر أخير عقد في الجزائر العام الماضي. وبالتالي فشل الاتحاد وانهار".

يضيف "المغربي": "منذ العام 2011 ونحن نواجه عراقيل في مسألة تنظيم النقابات والاتحادات العمالية، في ظل قوانين معيبة. بدأنا معركة توفيق الأوضاع وكانت بمثابة مجزرة قضت على الحركة العمالية في مصر، منعت على إثرها مئات التنظيمات النقابية من الاستمرار أو توفيق أوضاعها. كما تم منع مناطق عمالية كاملة من تأسيس أي كيان نقابي مستقل مثل منطقتي المحلة الكبرى، والسادات. في المقابل وجهت السلطة العمال للالتحاق باتحاد عمال مصر الحكومي. وقد وجه وزير القوى العاملة محمد سعفان، العمال للانضمام للاتحاد الرسمي بوعد زائف بتصفية مشاكلهم. كان يقول لهم: انضموا لاتحاد عمال مصر وكل مشاكلكم هتخلص. لكن أغلبهم رفض دعوته. قررنا تأسيس اتحاد يليق بالحركة العمالية المصرية المستقلة، وقد بدأنا منذ أكتوبر الماضي في جمع فرق العمل، وإعداد اللائحة، وبعد صعوبات عدة، نجحنا في تأسيس هذا الاتحاد".

ينتقد "المغربي" أداء وزارة القوى العاملة التي يرى ضرورة أن تكون ممثلة حقيقة للعمال كإحدى الإدارات التابعة لاتحاد عمال مصر، وهو ما لا يحدث، على حد قوله، إلا خدمة لأعضاء مجلس إدارة الاتحاد فقط، بينما يتم إجبار العمال على الانضمام القسري لاتحاد العمال الحكومي الذي لا يعترف بالتعددية النقابية ولا حقوق العمال ولا يعمل على حل مشكلاتهم.

ترحيب عمالي وحزبي بالاتحاد الجديد

وقد عقد الاجتماع التأسيسي للاتحاد الجديد في حضور عدد من الشخصيات العامة والحزبية والسياسية، التي أعربت عن تضامنها مع مطالب العمال في خلق كيان نقابي ممثل لهم، بالإضافى إلى ممثلين عن حزب العيش والحرية (تحت التأسيس)، والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والحزب الاشتراكي المصري، وأحمد البرعي وزير القوى العاملة الأسبق، ومحمد طه عليوة عضو مجلس الشيوخ المصري.

اقرأ أيضًا: تزايد "محاولات الانتحار" بين العمال.. ماذا تنتظر "يونيفرسال" للاستجابة لمطالبهم؟

كما ضمت اللجنة التحضيرية لأعمال الجمعية العمومية، مجموعة من قدامى النقابيين، وهم محمد أبو قريش مؤسس النقابة المستقلة للعاملين بالمصرية للاتصالات، وصلاح الأنصاري القيادي في الحديد والصلب وخبير التدريب العمّالي، وأشرف الشربيني المستشار القانوني لدار الخدمات النقابية والعمالية.

وحضر تأسيس الاتحاد الجديد عدد من ممثلي الاتحادات والنقابات الإقليمية الاجتماع عبر تطبيق "زووم"، أبرزهم؛ نجوى حنا المدير الإقليمي للاتحاد الدولي للخدمات، وعدنان الصفار الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال العراق، وغسان حجازي مسؤول العلاقات الدولية للاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، وهند شروق من مركز التضامن الأمريكي، ومصطفى السعيد ممثل منظمة العمل الدولية في لبنان.

الاتحاد الجديد.. عمالة غير منتظمة ممثلة

ويتكون المجلس التنفيذي للاتحاد الجديد من 13 عضوًا جرى انتخابهم وفق أعمال الجمعية العمومية، هم: أحمد المغربي (نقابة صيادي دمياط - عمالة غير منتظمة)، وعبد الرؤوف حسين (النقابة العامة للعاملين بهيئة الإسعاف المصرية - حكومي)، وأحمد عبد المرضي (نقابة العاملين بهيئة تعليم الكبار - حكومي)، وكرم عبد الحليم (العاملين بأندية هيئة قناة السويس - قطاع خاص)، وإمام مهدي (نقابة موندليز إيجيبت اسكندرية - قطاع خاص)، ومحمد عبد الرحمن (خدمات السائقين بالقليوبية - عمالة غير منتظمة)، وإبراهيم الجمل (العاملين بالإسعاف - حكومي)، ومحمد عبد الفتاح (العاملين بالمدن الجامعية بجامعة الأزهر - حكومي)، ومصطفى حامد (نقابة الضرائب العقارية بالإسماعيلية - حكومي)، وهناء عبد الحكيم (صغار المزارعين بسمالوط - عمالة غير منتظمة)، وياسر عبد المجيد (العاملين بالمعمار بالقليوبية - عمالة غير منتظمة)، وعبير الحبشي (السياحيين بالقاهرة - قطاع خاص)، وحسام اللقاني (العاملين بالمصرية للاتصالات - قطاع أعمال عام).

تضم هيئة مكتب الاتحاد ستة أعضاء على رأسهم المغربي
تضم هيئة مكتب الاتحاد ستة أعضاء على رأسهم المغربي

وتضم هيئة مكتب الاتحاد، ستة أعضاء هم: أحمد المغربي رئيسًا للاتحاد، وعبد الرؤوف حسين أمينًا عامًا، وأمين الصندوق أحمد عبد المرضي، وكرم عبد الحليم نائبًا لرئيس الاتحاد، وإمام مهدي أمينًا عامًا مساعدًا، ومحمد عبد الرحمن أمينًا مساعدًا للصندوق.

يقول رئيس الاتحاد: "هدفنا الرئيسي تحسين الشروط والظروف فيما يخص عقود العمل والقوانين ذات الصلة، وتحسين الأداء والعمل النقابي. أيضًا كسب مزيد من الحقوق التي كفلها القانون، والتي يتغاضى عن تطبيقها القائمون على مصالح العمال في مصر".

خطوة مهمة في ظل أزمة يدفع فاتورتها العمال

في بيانه، أعلن حزب العيش والحرية -تحت التأسيس-، دعمه فكرة تأسيس اتحاد حر بين النقابات العمالية المستقلة التي وفقت أوضاعها، وفقًا لقانون المنظمات النقابية العمالية، بما يشير إلى اتساق الاتحاد الجديد مع معايير الحريات النقابية الدولية الملزمة لمصر والمحمية بقوة الدستور المصري، مضيفًا: "نثمن دعوتهم بالاتحاد مع النقابات العمالية والاتحادات المستقلة الأخرى، فرغم احترامنا لحق التعددية النقابية؛ إلا أننا نجد في الوحدة سبيلًا لخلق كيان أقوى للدفاع عن مصالح الطبقة العاملة".

ولفت البيان إلى أن تأسيس الاتحاد إنما يأتي تكليلًا لجهد مستمر منذ ما يزيد عن العام "في ظل أزمة اقتصادية طاحنة يدفع فاتورتها العمال والعاملات المصريين وأصحاب الدخول الثابتة والمنخفضة، بسبب ارتفاع معدلات التضخم وبلوغها مستويات غير مسبوقة. والمعاناة الشديدة لعمال القطاع الخاص والقطاع غير المنتظم، إضافة إلى انعدام الأمان الوظيفي". هذا فضلًا عن "مناخ تنتهك فيه الحريات العامة، وعلى رأسها الحق في التنظيم، ويتم تجاهل ممثلي العمال وتعطيل أي حوار مجتمعي حقيقي"، وفق بيان الحزب.

الاتحاد الجديد.. نواة لصفحة جديدة من النضال العمالي

وقد أعلنت دار الخدمات النقابية والعمالية تضامنها مع مؤسسي الاتحاد منذ بدايته. ووفقًا للدار، فإنها قدمت المساعدات القانونية اللازمة لصياغة اللائحة وإعادة ضبط المصطلحات القانونية اللازمة. إضافة إلى حشد التأييد الدولي للاتحاد الوليد من النقابات والاتحادات العمالية الدولية.

وحسب بيان دار الخدمات، فقد "خرج إلى النور، اتحاد تضامن النقابات العمالية، على أمل بدء صفحة جديدة من النضال العمالي، يقودها اتحاد حقيقي من النقابات المصرية المستقلة، في ظل سيطرة الدولة على اتحاد العمال الحالي، وميزان علاقات العمل المختل".

وترى دار الخدمات في هذا الاتحاد أنه بمثابة صوت حقيقي يمثل مطالب العمال الحقيقية، ويدعم حقهم في إنشاء نقاباتهم المستقلة دون أي عقبات طبقًا لما شرعه الدستور والقانون. وهو يهدف إلى أن يكون أحد أركان القوى الديمقراطية، وينضم إلى مطالبها المتمثلة في حرية التنظيم، والتعبير عن الرأي، وفتح المجال العام، والحوار المجتمعي عمومًا، وتأكيد سيادة القانون، حفظًا للسلم المجتمعي.

ترى دار الخدمات في هذا الاتحاد أنه بمثابة صوت حقيقي يمثل مطالب العمال الحقيقية
ترى دار الخدمات في هذا الاتحاد أنه بمثابة صوت حقيقي يمثل مطالب العمال الحقيقية

في حديثه لمنصة "فكر تاني" يؤكد كرم عبد الحليم، نائب رئيس الاتحاد المنتخب، هذا الدعم الذي لقاه الاتحاد الجديد، فيقول: "لقد لعبت دار الخدمات النقابية دور رمانة الميزان، وعملت على تقريب وجهات النظر بين النقابات بعضها البعض، ودعمتنا بإمكاناتها التنسيقية والقانونية، حتى اتفقنا وتم التأسيس".

الاتحاد الجديد والقانون

تشير المادة (12) من قانون المنظمات النقابية العمالية وحماية حق التنظيم النقابي رقم 213 لسنة 2017، إلى الضوابط التي وضعها المشرّع المصري لتأسيس اتحادات عمالية، حيث تقر بأن: "إنشاء الاتحاد النقابي العمالي من عدد لا يقل عن عشر نقابات عامة، تضم في عضويتها ما لا يقل عن 200 ألف عامل". ووفق المادة (13) فيجوز للاتحاد تشكيل فروع أو اتحادات محلية بالمدن والتجمعات الصناعية أو بالمحافظات، ويضع اللوائح اللازمة لتسييرها.

وحسب المادة (17) من القانون، تتولى الاتحادات العمالية عدد من الاختصاصات، أبرزها؛ إبداء الرأي في مشروعات اللوائح والقوانين التي تمس حقوق ومصالح العمال وتنظيم شؤون العمل أو تعديلها، ووضع ميثاق العمل الشرف الأخلاقي للمنظمات المنضمة، وإبداء الرأي في خطط الإنتاج والتنمية الاقتصادية والاجتماعية العامة، وتأسيس الجامعات والمعاهد ذات الشخصية الاعتبارية المستقلة وفق أحكام القانون، وإبرام اتفاقيات العمل الجماعي على المستوى القومي، والعمل على تسوية المنازعات الخاصة بأعضائه، وأخيرًا إصدار الصحف والمطبوعات وفق أحكام القانون.

اقرأ أيضًا: لماذا نحتفل بعيد العمال في الأول من مايو؟

وزارة في الاتجاه المعاكس

يضيف كرم عبد الحليم: "منذ أكثر من عام نحاول جاهدين تأسيس اتحاد عمال حقيقي يهتم بالطبقة العاملة ومشكلاتها المتضخمة، خاصة المرتبطة بالحالة الاقتصادية المتدهورة وبيع وتصفية الشركات، وما تزامن معها من تردي في مستويات دخول العمال. وقد رأينا في الفترة الماضية عددًا من المشكلات التي قابلها مثلًا عمال يونيفرسال، ولينين جروب، حيث تعرض من سعى منهم إلى تأسيس كيانات نقابية مؤثرة داخل هيئاتهم إلى الفصل التعسفي، أو انتهاكات أدت إلى انتحار البعض".

"الإخفاقات التي تعرضت لها التجارب السابقة التي خضناها مثّلت أبرز مخاوفنا حينما فكرنا في تأسيس هذا الاتحاد"؛ يقول "عبد الحليم"، ويضيف: "مررنا بتجربتي تأسيس للاتحاد المصري للنقابات المستقلة واتحاد عمال مصر الديمقراطي، ولم ننجح نتيجة عدد من العوامل.. الحركة العمالية في تدهور وتحديدًا منذ العام 2013، نتيجة الممارسات الضاغطة التي لاحقت كل من يسعى للحق في التنظيم وتكوين نقابات أو لجان أو اتحادات.. العمل النقابي نضال حقيقي، ولكن، نحن نأمل في تضامن وانضمام أكبر من عمال مصر، وهذا سيحدث حينما يجد العمال ترجمة حقيقية لمطالبهم على الأرض".

يرى "عبد الحليم" أن عدم نجاح التجارب السابقة سببه الرئيسي عدم تقارب وجهات النظر بين العمال، وعدم النظر للمصالح الجماعية وتفضيل المصالح الفردية. لكن لا يفضل وصفها بتجارب فاشلة، ذلك لأنها مثلت زخمًا مهمًا وطرحت خطابا عُماليًا مختلفًا عما كان يقدم قبل العام 2011.

ويشير إلى أن هدفهم في المرحلة المقبلة تأسيس اتحاد قوي يضم كافة أطياف العمال، تحت مظلة القانون، في سبيل تقديم حماية قانونية وعمالية حقيقية. يقول: "نسعى لأن نكون صوتًا قويًا وحقيقيًا يمثل العمال، دون انتماء لأي جهة أو اتصال برجال أعمال هدفهم إجهاض الحركة العمالية أو الضغط على ممثليها. فقط نسعى للتفاوض وكسب مزيد من الحقوق".

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة