تسببت “فوائد الديون” في قفزة كبيرة لعجز الموازنة العامة للدولة، خلال الربع الأول من العام المالي الحالي 2023/2024، بعدما قفزت لمستوى 477.4 مليار جنيه، مقابل 216.9 مليار جنيه في الربع ذاته من العام المالي 2022/2023.
ووفق بيانات حديثة لوزارة المالية، اطلع عليها “فكر تاني”، سجلت الموازنة العامة عجزًا كليًا بنحو %3.85 من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 2.05% خلال الفترة ذاتها من العام السابق. بينما كان المحرك الأساسي للعجز فوائد الديون، التي مع استبعادها حققت الموازنة فائض أولى قدره 21.6 مليار جنيه.
60.4% لفوائد الديون
مثلت مدفوعات فوائد الديون 60.4% من إجمالي المصروفات العامة للدولة، فيما توزعت النسبة الباقية 39.6% بين باقي البنود التي تتضمن الأجور وتعويضات العاملين، والدعم والمزايا المجتمعية، والإنفاق على شراء السلع والخدمات، وشراء الأصول غير المالية “الاستثمارات”، والمصروفات الأخرى.
خلال الربع الأول (يوليو ـ سبتمبر 2023)، بلغت المصروفات 790.8 مليار جنيه مقابل 466.4 مليار جنيه، واحتلت الأجور المركز الثاني بعد الفوائد في الإنفاق بقيمة 117.9 مليار مقابل 97.13 مليار في الربع ذاته من العام السابق. وبلغت قيمة الدعم والمزايا المجتمعية 95.1 مليار جنيه، مقابل 63 مليارًا، والاستثمارات 45.5 مليار مقابل 39.1 مليار، والمصروفات الأخرى 31,2 مليار مقابل 29.3 مليار في الفترة المقارنة ذاتها.
اقرأ أيضًا: قرارات الخميس.. إبقاء الفائدة لدعم الموازنة والتضخم ينقذ أسعار السولار
يشير بند شراء السلع والخدمات إلى الإنفاق الحكومي على خدمات صحية وتعليمية والصيانة، مثل طباعة الكتاب المدرسي والتغذية المدرسية وتركيب أعمدة المياه والإنارة. ذلك إلى جانب الأدوية والمستلزمات الطبية للمستشفيات الحكومية، وتكلفة أعباء الوقود وزيوت السيارات.
أما المصروفات الأخرى فتتعلق بمصروفات جهات حكومية ضمن بند الأمن القومي، وجهات مثل وزارة الخارجية والجهاز المركزي للمحاسبات، ومجلس النواب، وكذلك الاشتراكات الدولية والتعويضات والغرامات.
الإيرادات تعتمد على الضرائب
يأتي العجز رغم ارتفاع الإيرادات التي تم تحقيقها خلال الربع الأول، لتبلغ نحو 335.1 مليار جنيه، بزيادة قدرها 76.3 مليار جنيه عن 258.8 مليار جنيه، تم تحقيقها في الفترة ذاتها من العام السابق.
لكن لا تزال الإيرادات تعتمد في المقام الأول على المتحصلات الضريبية التي زادت بنحو %85، بينما لم تزد الإيرادات غير الضريبية إلا بنسبة %15، وسجلت المنح زيادة بنحو 25%.
تجاوزت الضرائب في الفترة من (يوليو ـ سبتمبر) 285 مليار جنيه مقابل 211.3 مليار في الفترة المقارنة. فيما بلغت المنح 23 مليارًا مقابل 17 مليارًا، والإيرادات الأخرى 50 مليارًا مقابل 47.4 مليار في الفترة المقارنة ذاتها.
زيادة متحصلات ضريبة الدخل بـ 41%
وارتفعت المتحصلات الضريبية من ضريبة الدخل بنحو 25.7 مليار بنسبة زيادة 41% لتبلغ 87.6 مليار جنيه. وساهم في ذلك نمو الضرائب على المرتبات المحلية. وهي الضرائب التي يدفعها الموظفون خصمًا من المنبع دون قدرة على التهرب. وبلغت 22.5 مليار جنيه خلال الربع الأول من العام المالي الحالي، بزيادة بلغت 5.5 مليار جنيه تعادل نسبتها 32.7%.
بنود ضريبة الدخل الأخرى، تضمنت زيادة الحصيلة من الضريبة على النشاط التجاري والصناعي بـ 400 مليون جنيه لتبلغ 9.9 مليار جنيه، والضريبة على المهن الحرة غير التجارية بـ 400 مليون جنيه لتبلغ 1.4 مليار جنيه، والضريبة على الشركات بـ 17.4 مليار لتحقق 53.2 مليار جنيه.
أما ضريبة القيمة المضافة، فارتفعت بنحو 27.6 مليار جنيه لتبلغ 127.9 مليار جنيه، موزعة بقيمة 63.2 مليار جنيه على السلع و17.7 مليار جنيه على الخدمات. بينما بلغت الضرائب على سلع الجدول 30.4 مليار جنيه، ورسوم التنمية 3.3 مليار جنيه، والدمغة 5.4 مليار جنيه.
اقرأ أيضًا: متى تنتهي أزمة “ما فيش دولار”؟
الضغوط المالية وتراجع سعر الصرف
يقول الدكتور وليد جاب الله الخبير الاقتصادي، لمنصة “فكر تاني”، إن وزارة المالية منذ الإصلاح الاقتصادي استطاعات زيادة موارد الدولة. لكن المشكلة في تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار الأمريكي، الذي خلق ضعوطًا على المالية العامة.
ويؤكد الدكتور محمد معيط، وزير المالية، أنه لولا تغير سعر الصرف لهبط الدين العام إلى أقل من 80% من الناتج المحلي الإجمالي. ويضيف أن العجز الكلي تراجع إلى 6% من الناتج المحلي في 2022/2023 بدلًا من 6.1% خلال العام المالي 2021/ 2022.
ويوضح “معيط” أن ارتفاع أسعار الغذاء عالميًا زاد كلفة استيراد السلع من الخارج، والاقتصاد المصري عاني من ضغط بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. خاصة أن 80% من واردات مصر من القمح تأتي من دولتي روسيا وأوكرانيا. كما أن مصر خرجت منها 23 مليار دولار من الأموال الساخنة خلال 6 أسابيع فقط منذ بدء الأزمة الروسية.
حل الديون في الاقتصاد غير الرسمي لا زيادة الأعباء الضريبية
وهو ما يعلق عليه “جاب الله”، في تصريحاته لـ”فكر تاني” بأن “وزارة المالية في حاجة لكوادر فنية وزيادة بأعداد الموظفين بالمصالح الإيرادية.. الأعداد الحالية لا تستطيع حصر الاقتصاد غير الرسمي وتحقيق هدف توسيع المجتمع الضريبي بضم الاقتصاد غير الرسمي وليس زيادة أعباء الضريبة”.
وتستهدف وزارة المالية تحقيق فائض أولي 1.5% من الناتج المحلي خلال العام المالي الحالي، و2.5% خلال العام المالي المقبل والأعوام التالية، لخفض نسبة الدين للناتج المحلي لأقل من 80% بحلول العام المالي 2026 /2027.
ويقترح “جاب الله” الاستعانة بشباب الخدمة العامة والشركات الخاصة لحصر الاقتصاد غير الرسمي الذي يمثل أرقامًا ضخمة، وحصره يساعد في مضاعفة الحصيلة الضريبية. لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن برنامج الإصلاح ساعد الوزارة في تحقيق فائض أولى للمرة الأولى منذ تطبيقه، والحفاظ على العجز الكلي عند مستوى رقم واحد (من 3 إلى 9%).
الفائدة وسعر الصرف والديون
يرجع مسؤول بوزارة المالية -طلب عدم ذكر اسمه- في حديثه لــ”فكر تاني” عجز الموازنة إلى ارتفاع الفائدة وسعر الصرف. يقول: “تخيل أن كل 1% زيادة في الفايدة يرفع الفوايد على الديون 28 مليار جنيه.. وكل جنيه زيادة في سعر الدولار يرفع فاتورة الدين العام 83 مليار جنيه”.
بحسب بيانات وزارة المالية، فإن هبوط الجنيه أمام الدولار أدى إلى ارتفاع قيمة المديونية الحكومية 1.3 تريليون جنيه بنسبة 13.1% الناتج المحلي. وتقدر وزارة التخطيط الناتج المحلي الإجمالي بنحو 9.8 تريليون جنيه في 2022 /2023، ترتفع إلى 11.8 تريليون جنيه بنهاية عام 23 /2024.
وتغطي وزارة المالية عجز الموازنة عبر الاقتراض من البنوك المحلية أو الأجنبية من خلال أذون الخزانة قصيرة الأجل (مدتها أقل من عام) أو السندات طويلة الأجل.
ورفض مسؤول المالية الحديث عن إمكانية تخفيض سعر الجنيه مجددًا أمام الدولار في ظل المفاوضات الحالية مع صندوق النقد الدولي. واكتفى بقوله: “نستهدف معدل دين عند 95.6% من الناتج المحلي بنهاية العام المالي 2022-2023 ونعمل في ظل استراتيجية لإدارة الدين العام”.
كما وضعت وزارة المالية استراتيجية لإدارة الدين العام يتم النظر فيها كل ثلاث سنوات بتنويع الاقتراض في العملات، وإطالة أجل الدين ليصل إلى 3.7 عام بدلًا من 1.3 عام، وهو ما يخفف الضغوط عن الخزانة العامة.