حرية المؤخرات في عهد الديكتاتوريات "تاني"

 

لا أدري إن كان هذا فقط أنا أم هناك أشخاص يعانون من نفس المشكلة. لكن أنا أنسى تمامًا المحتوى الذي أكتبه في الغالب بعد فترة. أذكر أن في مرة جاملني أحد القراء "القلائل" وأرسل لي قطعة مكتوبة من قلب مقال كتبته منذ فترة واحتفظ هو بهذا المقطع منه في صورة "سكرين شوت"، ولكن أول رد فعل لي كان أن سألته "لمن هذه الكلمات تعجبني للغاية" وأكاد أتصور الموقف كان يمكن أن يصبح أشد غرابة في حالة إن قلت له هذا كلام لا معنى له أو لا يعجبني إطلاقًا كما أشعر -في الغالب- تجاه أغلب ما أكتبه بعد فترة.

لكن "ربنا سترها" هذه المرة أعجبني المقطع ولكن بالفعل مازال موقف محرج بعدما ذكرني أنه لي وأرسل لي عنوان المقال كاملًا.

لكن هناك بعض الجمل أو العناوين تعلق معي. لأسباب مختلفة. وأحدهم العنوان الذي استخدمه للمرة الثانية هنا. بالبحث على جوجل قد تجد المقال القديم. لكني الحقيقة لم أحاول. لأنني اليوم أعيد طرح الفكرة نفسها باختلاف ربما في اللغة والفكر بطبيعة الحال. لكنها هي الفكرة نفسها حول "حرية المؤخرات" في "عهد الديكتاتوريات"

اقرأ أيضًا:"حسام" و"ولاء".. حكايات العابرين/ات إلى إثبات الهوية

حريتك عُهدة مرهونة في خزانة الدولة

 في فترات الازدهار للحريات السياسية كالتي نحياها في العشر سنوات الأخيرة -ربنا يسامحني ع الكدب ده- نجد أن الازدهار نفسه يتعمق لباقي الحريات. فلو قُلت "يولعوا" في الحريات السياسية والمناصب والاتفاقات والتوزيع العادل لمقاعد البرلمان كهدايا لجميل المشاركة في الانتخابات مثلا -مش موضوعنا-. ستجد نفسك محاصرًا لا مخرج لك من التدخل في حريتك الخاصة وفي الحريات العامة.

تتدخل الأفكار السلطوية الديكتاتورية القميئة للتحكم في كل تفصيلة في حياتنا الشخصية كما في حياتنا العامة. نجدها حاضرة صوتًا وصورة في الحريات الثقافية والفنية وكذا في الحريات العامة والاجتماعية.

وطبعًا بديهيًا في كل ما يخص حرية الرأي والتعبير. وكذلك نجد بصمتها حاضرة وبقوة ووضوح في الحريات الدينية وحرية الاعتقاد. وهكذا دواليك تتسرسب التحكمات لأصغر تفاصيل حياتك في ملابسك وشربك ونومك انتهاءً حتى بلون لباسك. نعم قرأتها بشكل صحيح أقصدها بالفصحى والعامية كلاهما. تتدخل في -لا مؤاخذة- لباسك. 

حريات مخططة ومشجرة وأخرى سادة

منذ حوالي ١٤ عام في ٢٠٠٩، كنت في عمر ١٨ عام -عندي ٣٢ سنة متضيعش وقت في حسابها-، وقتها تقابلت لأول مرة مع عابرة جنسيًا ومعها شخص عرفته بناءً على ملامحه الجسدية أنه امرأة. عرفني عليهما صديق ووقتها كنت أرتدي خمار طويل وجوانتيات ولا أصافح الرجال، فمددت يدي أصافح كلتاهما وقبلتهما على الطريقة المصرية قبلة سريعة على الخدين.

كنا في اجتماع سياسي تابع لنشاط طلابي وقتها وكانت المرة الأولى التي أقابل فيها هذه المجموعة وقتها بالفعل، كل ما كنت أعرفه هو ما أراه "سطحيا" أمام عيني وهو امرأتان.

بعد الاجتماع قال لي صديق تندرًا ترفضين أن تصافحي الرجال لكنك اليوم قبلتي رجل. وبالطبع بحماسة السطحي القارئ كثيرًا غضبت وقبل أن أرد، أومأ برأسه تجاه الفتيات اللاتي قابلتهن في بداية الاجتماع وقال لي، هذه "فلان" سابقًا هي محولة جنسيًا لكن مازالت "رجل" بالمفهوم الجسدي. والثانية -على فكرة- تحب النساء "ليزبيان" بل وأزيدك هي أيضًا "بهائية".

في المرة التالية للاجتماع بالمجموعة نفسها. رفضت أن أصافح أيًا منهما. ونظرت لهما باحتقار ومشيت مبتعدة. ولم أذهب مرة أخرى لحضور اجتماع لهذه المجموعة بعد هذه المرة. لكني في الوقت نفسه -كعادتي- قضيت فترة طويلة أفكر في حكمي من الظاهر على نوعهن الجنسي، وكيف اختلفت معاملتي معهن بعدما عرفت، وما كانت حاجتي أصلا في المعرفة، وكيف أثر رد فعلي المهين في نظرة المرأتين لي يومها بلوم وغضب وحزن، وفي النهاية اتخذت وقتًا طويلًا حقًا للتفكير في تلك المسألة وتقليبها على أوجهها دينيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا وسياسيًا…

ووصلت لنتيجة واضحة لي بشكل كامل وبسيط حتى اللحظة وهي، "كيف يمكن أن يكون لشخص شأن فيما يخص الحياة الجنسية أو الدينية لشخص آخر إلا إذا كان سيمارس معه فعل ديني أو جنسي، فقط في تلك الحالة من حقك طبعًا أن تعرف ميول الشخص الدينية أو الجنسية، ببساطة، لو مش هتصلي معاه أو هتمارس الحب معاه فأنت مالك بدينه أو تفضيلاته الجنسية؟".

اقرأ أيضًا:إلى صديق لم يعرفني، وأعرفه

أقلية بالفعل، لكن في كل مكان وزمان موجودين

ومن نفس الفكرة وجدت مشكلتين أكبر، أولًا أن الميول الجنسية المغايرة أمر واقع موجود في نباتات وحيوانات وبشر عبر الزمن وفي كل مكان، لا هو أمر غربي ولا شرقي، ويبقى طيلة الوقت شيء في غالب الحالات غريزي لا له علاقة بمرض نفسي ولا بيئة اجتماعية ولا دفع ودعوات! فلا أظن أبدًا أن هناك شخص يغير ميوله الجنسية الغريزية بدافع من أي شخص آخر إلا أن يكون في نفسه بالأساس نزعًا لها.

بالإضافة لهذا فإن الميول الجنسية المغايرة علم كامل له أسباب مختلفة فكما قلت في الغالب الأمر لا علاقة له بمرض نفسي ولا بيئة اجتماعية. إلا أنه في حالات أخرى يكون بدوافع مرضية بالفعل سواء نفسية أو اضطرابات كرب ما بعد الصدمة وتجارب قاسية مر بها الشخص منذ فترة الرضاعة حتى. أو أمراض عضوية مرتبطة بخلل هرموني وتشوهات الجهاز التناسلي.

مما أخرجني لاستنتاج آخر. البعض يقول ومنهم مؤسسة الأزهر حتى أنه يقبل التحول الجنسي الناتج عن خلل عضوي. فكيف على أية حال يمكن للمواطن العادي في مناسبة عامة أو في الشارع أن يفرق بين هذا خلل عضوي وهذا نفسي وهذا اختياره التام وهذا وهذا… وأرجع وأقول أنا مالي بممارسته الجنسية طالما مش هشاركه فيها!

ومن ثم في جزئية حق معرفة الميول الجنسية في حالات الجواز مثلا فتلك كارثة أخرى، فكم من نساء لا يشتهين الرجال تزوجن وأنجبن، وكم من رجال لا يشتهون النساء تزوجوا وأنجبوا. هل تظنون أن هذه الأسر كانت سعيدة ومستقرة؟ هل تظنون أن هناك ظلم أكبر وفساد أكبر للشريك الذي تزوج من شريكة لا يعرف ميولها الحقيقة وعانى سنوات من برود ليلي يطفح على نهارات عصيبة ومزاج حاد متقلب للاثنين وغضب مكتوم وكراهية تنمو، كل هذا في بيت من المفترض تأسيسه على الرحمة والحب والتفاهم! وكذلك المرأة التي تجد نفسها في بيت واحد مع رجل لا يراها مثيرة ولا يرغب فيها هل تفهمون مقدار الخراب والمعاناة النفسية وردود الفعل المختلفة التي سيكون من حق هذه المرأة وقتها أن تفعلها.

الأمر نفسه ينسحب على الحريات الدينية وإن كان أشد خطورة وأعمق أثرًا على مستويات أكثر تعقيدًا. فأكيد إعلان تلك الميول واحترامها وتقبل أننا مختلفين يقلل بشكل كبير تلك التشوهات النفسية والمجتمعية الناتجة عن "الضحك على نفسنا"

كل واحد حر في "مؤخرته!"

طريقة تعاملنا سنوات طويلة مع الأمر، فهو موجود وكلنا نعرف أنه موجود منذ مدارسنا وفي حماماتها وفي أفلامنا إشارة له وفي تراثنا حكايات عنه، لكننا في الوقت نفسه لا نعترف بوجوده علنًا! ولا نعترف بحقوق الآخرين في اختيار ميولهم الجنسية! وهو أمر في ظني مربوط بتحكمات سلطوية لا أكثر، وتحكمات نابعة من نظام اجتماعي يهدف بلا شك أهداف الأنظمة السياسية المتعاقبة المختلفة المتغيرة -ربنا يسامحني على الكذب ده- للتحكم حتى في المؤخرات!

ففي النهاية حق اختيار الميول الجنسية أبسط الحقوق وأكثرها بديهية وخصوصية "حق كل واحد في مؤخرته!" وبالطبع أيضًا الحقوق الدينية والعقائدية نفس الموقف منها، وإن كنت سأتناولها بشيء أكثر تفصيلًا لاحقًا. وبالطبع أقدم اعتذاري للفتاتين اللاتي تعاملت معهن بسذاجة وأنا في فترات التعرف على الحياة الأولى، وأرجو أن نعيد النظر جميعًا لحدود تحكماتنا فيما يخص الاختيار الشخصي لتتحكم فقط في نفسك!

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة