الاغتصاب الزوجي من منظور ديني وقانوني

الاغتصاب الزوجي يعد قضية هامة ضمن ملف المساواة بين الجنسين، كالمساواة في العمل والسفر والتنقل والحق في تربية الأبناء وغيرها من القضايا التي تهدر حقوق النساء في المجتمعات العربية، إذ يرى عدد كبير من الرجال أن النساء العاملات مصدر تهديد لأزواجهن نظرًا لاستقلالهن المادي ونجاحهن، لذلك يلجأ هؤلاء الأزواج لإهانة زوجاتهن والسيطرة عليهن عن طريق العلاقة الجنسية، مستندين على الحق الشرعي في هذا الأمر.

إن أساس العلاقة الجنسية بين الزوجين هو الود والمحبة والرحمة، وهي من حتميات التقديم القائم على التفاهم والقبول بين الطرفين، وذلك طبقًا لقول الله تعالي “وقدموا لأنفسكم”. هذا هو التشريع الإلهي لهذه المسألة دون أي تأويل، فالقرآن الكريم شرّع هذا التشريع من وقت نزوله كحق أساسي من حقوق النساء في الإسلام قبل أي مواثيق دولية لحماية حقوق النساء، ولكن الثقافات والعادات هي الإشكالية الكبرى والأهم لأي قضايا مجتمعية وبالتحديد قضايا النساء التي طغت على هذا النص الإلهي، لذلك، فإنه من الضروري العمل على توضيح وإبراز هذا التشريع وإقرار آليات قانونية ومجتمعية لتنفيذه مدمجًا بعودة الوعي الصحيح للبشرية كافة.

نجد بعض العقول المريضة التي تريد السيطرة التامة على النساء وتقوم بانتهاك أجسادهن باعتبارها حقهم الشرعي، وهم يعتمدون على قواهم الجسدية، ويعود ذلك للفهم الخاطئ لمنظومة الزواج والعلاقة الجنسية الواجبة بين الزوجين، فتنتهك أجساد النساء بطرق شهوانية حيوانية تسيطر على عقل الزوج بشكل مبالغ فيه، حتى في نومها وأثناء مرضها، وفي حالات عدم رغبتها واستعدادها نفسيًا وجسديًا.

يرجع ذلك إلى التربية والنشأة الخاطئة وجهل النساء بحقوقهن القانونية، فالنساء العاملات والمطلقات والأكثر فقرًا أكثر عرضة للعنف الجنسي والجسدي.

المجتمعات العربية لم تعترف بتجريم الاغتصاب الزوجي، ولم يقروا بأن الزوجة تتعرض للعنف الجنسي، وهذه المجتمعات تعتبر أن من حق الزوج أن يأخذ ما يشاء في كل وقت من زوجته، وأن ذلك حقه الشرعي كزوج، بينما تتهم الزوجة بالنشوز إذا رفضت زوجها، وفقًا لتأويلات بعض الأشخاص المتبنين للفهم غير الصحيح للدين ممن يطلقون طوال الوقت الفتاوى المعنفة للنساء.

تواجه الزوجة معاناة مؤلمة في إثبات تعرضها للاغتصاب الزوجي، فأغلب الحالات في مجتمعاتنا العربية لم تتلق أي دعم نفسي ولا معنوي من الأسرة نتيجة للثقافة الخاطئة كما أوضحت. يعتبرون ذلك وصمة عار على الأسرة بالكامل دون اعتراف بما يعد انتهاك لأجساد بناتهم.

يجب علينا طرح القضية وتشريع قانون يُجرم ويحرّم اغتصاب الزوج لزوجته بشكل صريح ومباشر.

يقول الخبير القانوني والباحث الحقوقي، ياسر سعد، إن مواد القانون جاءت عامة دون تحديد الفاعل أو صفته بل زادت العقوبة في حالة أن يكون الجاني ممن له سلطة على المجني عليها، وبالتأكيد طبقًا للقانون والشريعة الإسلامية الزوج له سلطة على الزوجة فالمادة 267 من قانون العقوبات تنص على أن من واقع أنثي بغير رضاها يعاقب بالسجن المشدد، فإذا كان الفاعل من أصول المجني عليها، أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها، أو ممن لهم سلطة عليها، أو كان خادمًا بالأجرة عندها أو عند من تقدم ذكرهم، يعاقب بالسجن المؤبد. وهنا المشكلة تكمن في الإجراءات وقيود المجتمع.

ويؤكد “سعد” على أن الأزمة ترتبط بعدة عناصر:

أولًا: العنصر التشريعي فهو مانع المسؤولية وأسباب الإباحة في نصوص مواد قانون العقوبات، فالمادة رقم  60 من قانون العقوبات المصرى تنص على أنه لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة ، كما نصت المادة 61 على أنه لا عقاب على من ارتكب جريمة ألجأته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره، ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا فى قدرته منعه بطريقة أخرى، بالإضافة إلى نص المادة 62 على أنه لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار فى عمله وقت ارتكاب الفعل إما لجنون أو عاهة فى العقل، وإما لغيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أيًا كان نوعها إذا أخذها قهرًا عنه أو غير علم منه بها.

أما بالنسبة للعنصر الثاني فهو متعلق بالإجراءات أمام جهات الشكوى والنيابة العامة التي تعتبر مواقعة زوج لزوجته دون رضاها ليست جريمة، والعنصر الثالث متعلق بالعنصر الاجتماعي الذي بكل تأكيد ضد أي زوجة تتهم زوجها بهذا الاتهام، وأكد علي أنه لهذا السبب دائمًا يصطف مع طلبات المنظمات النسوية التي تنادي بقانون موحد للعنف ضد النساء، لأنه يعتبر قانون خاص يقيد قانون العقوبات سواء في مرحلة الإعفاء من العقوبة أو تسهيل الإجراءات أمام النساء بإلزام جهات زى القسم والنيابه باستلام الشكوى والتحقيق فيها وعدم تجاهلها وتنظر المحكمة للاغتصاب الزوجي أنه جريمة.

لذلك، نؤكد دائمًا على توفير كل سُبل الدعم لكل النساء اللاتي تتعرضن لجريمة الاغتصاب الزوجي التي تؤثر عليهن تأثيرًا نفسيًا وجسديًا، وضرورة تثقيف النساء بحقوقهن الزوجية والجنسية وتغيير بعض الثقافات والعادات المجتمعية المترسخة في عقول الرجال تجاه ملكيتهم لأجساد نسائهن ليدركوا أن أساس الزواج هو المحبة والمعروف والقبول دون أي تعنيف زوجي من قبل الزوج؛ فموافقة الزوجة أمر حتمي لحدوث العلاقة الحميمة بينهما.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة