"عندما يتوقف الصراع في غزة، سترغب الولايات المتحدة في التوسط في محادثات بين نظرائها الإسرائيليين والفلسطينيين، والتي من المرجح أن تحدد الأفق السياسي لإسرائيل وفلسطين خلال السنوات الـ 20 المقبلة"؛ يقول الدكتور نيل كويليام الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية "تشاتام هاوس". لكنه يرى لنجاح هذه المفاوضات، ضرورة أن تتشكل حكومة وحدة وطنية حقيقية في فلسطين.
فلسطين.. والترويج لغياب شريك السلام
على هذه النقطة بالتحديد، يركز الدكتور "كويليام"، قراءته المنشورة على "تشاتام هاوس" حول الحرب الراهنة على غزة، ويضيف: "ادعت إسرائيل لسنوات أنه ليس لديها شريك فلسطيني للسلام يمكنها التفاوض معه. لقد دعمت الحكومات المتعاقبة برئاسة بنيامين نتنياهو حماس هذا الادعاء بشكل فعال في سبيل تقويض السلطة الفلسطينية الأكثر اعتدالًا. والنتيجة هي أن إسرائيل نفسها لم تكن شريكًا للسلام على مدى العقدين الماضيين، وانتصرت روايتها وأقنعت صناع السياسة الغربيين بأن القيادة الفلسطينية غير الفعالة هي المشكلة".
اقرأ أيضًا: ما الذي يمنع مصر من دور أكبر في غزة؟
وفق "كويليام"، فإن القادة الفلسطينيين حاليًا ليسوا مستعدين للتفاوض من أجل التوصل إلى حل سياسي، بينما يجب أن يكون هناك حل سياسي، وهو صعب في ظل حكومتين إحداهما تمثل الفلسطينيين في الضفة الغربية والأخرى في غزة. ويشير إلى النقص في القادة الوطنيين الشعبيين والمستويات العالية من خيبة الأمل وانعدام الثقة بين الفلسطينيين تجاه الجميع. الأمر الذي يعززه أن القيادة الفلسطينية الحالية إما بعيدة عن سكانها - مجازيًا وجسديًا (كما في غزة حيث يتخذ معظم قادة حماس من الدوحة مقرًا لهم) - أو تحت الأرض.
"لقد انتظر الفلسطينيون منذ فترة طويلة تغيير القيادة أو تحديثها، واللحظة المناسبة للقيام بذلك هي الآن - في وقت يبدو فيه أن نتنياهو أيضًا في طريقه للرحيل"؛ يقول الدكتور نيل كويليام.
فلسطين.. ومواجهة سياسة "فرق تسد"
هناك مسألتان رئيسيتان في مجال القيادة تحتاجان إلى معالجة، كما يرى "كويليام"؛ أولًا: يجب على القادة الفلسطينيين من الطرفين تعليق خلافاتهم على الفور، ومحاولة سد الانقسامات المجتمعية المدفوعة بتكتيكات "فرق تسد" الإسرائيلية، للتفاوض من موقع قوة.
فشلت المحاولات السابقة لتشكيل حكومات وحدة وطنية، لكن الحاجة الملحة والهدف أكبر الآن.
أما الأمر الثاني الذي يحتاجه الفلسطينيون، فهو إدراك أن هناك فجوة متنامية بين القيادة الفلسطينية والمجتمع المدني واتجاه قوي وحديث داخل السلطة الفلسطينية وحماس نحو الاستبداد الذي يهدد بإخماد حيوية مقاومة الاحتلال.
يضيف "كويليام" أنه على الرغم من أن مستقبل غزة سيكون في قلب المفاوضات المبكرة، إلا أنه من غير الواضح أي كيان سيمثلها. ولكن هناك شيء واحد مؤكد: "سيتم استبعاد حماس، على الرغم من أنها لا تزال صوتًا ممثلًا للفلسطينيين.
ما بين حماس وعباس
قبل الحرب، بلغت نسبة التأييد لحماس بلغت 27% و30% للسلطة الفلسطينية، وفق الباروميتر العربي، بينما سجلت دراسة أجراها "أوراد" خلال الحرب، أن التأييد لحماس بلغ 59% وللسلطة الفلسطينية 8%، وذلك في الضفة الغربية وقطاع غزة.
تعليقًا على هذا، يقول "كويليام" إنه نظرًا لتصنيف السلطة الفلسطينية المنخفض، فمن المشكوك فيه إلى حد كبير أن يقبل رئيسها محمود عباس "الكأس المسمومة" المتمثلة في حكم غزة مرة أخرى، ما لم تلتزم الولايات المتحدة بتخصيص أموال كبيرة لإعادة الإعمار. ليس فقط وحسب، بل وأيضًا تقديم ضمانات حديدية بأنها سوف ترعى حلًا سياسيًا ينتهي بإقامة دولة فلسطينية. ولكن الولايات المتحدة لن تستثمر هذا الاستثمار في عملية السلام ولا في "عباس"؛ كما يرى الباحث في "تشاتام هاوس".
ومع ذلك، هناك رغبة قوية بين القادة الغربيين وبعض القادة العرب في تشكيل قيادة واحدة لحكم الضفة الغربية وقطاع غزة. وهو ما لم يحدث منذ استيلاء حماس على السلطة من السلطة الفلسطينية في عام 2007. لذلك، إذا فشل قادة الأحزاب الفلسطينية في تقديم جبهة موحدة، فمن المرجح أن تعمل الولايات المتحدة مع إسرائيل ومحاوريها الفلسطينيين من "الحرس القديم" الموثوق بهم لفرض حل على غزة.
فلسطين.. إلى من تؤول السلطة؟
الواقع أن جزءًا من الحرس القديم الذي يحظى بثقة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل لا يحظى بثقة الفلسطينيين أنفسهم، كما يقول "كويليام". فالأمين العام للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين آل الشيخ، ورئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية اللواء ماجد فرج، كلاهما لا يحظى بشعبية في الضفة الغربية ويعتبران فاسدين وضعفاء وقريبين جدًا من إسرائيل.
ومع ذلك، من المرجح أن تقنع الولايات المتحدة عباس بتعيين الشيخ أو فرج خلفًا له والسماح بانتقال بطيء للسلطة. وبقيامها بذلك، ستشجع واشنطن الرئيس المنتظر على تقاسم المسؤولية عن غزة مع إسرائيل.
اقرأ أيضًا: محور المقاومة.. يد إيران بالمنطقة وسلاحها في حرب غزة
لكن نموذج الحكم هذا لن يخدم المصالح الأمنية في غزة أو إسرائيل على المدى الطويل. وفي المقابل، إذا لم تتمكن المجموعة الحالية من القادة الفلسطينيين من التوحد لتجنب حل مفروض، فسوف يحتاج المجتمع المدني الفلسطيني إلى الضغط من أجل قيادة أكثر شمولًا للتفاوض من أجل مستقبل فلسطين، وفق "كويليام".
القمع الإسرائيلي الذي أضعف الوضع
يقول "كويليام" إن الثقافة السياسية والمجتمع المدني الفلسطيني كانا دائمًا ديناميكيين، إلا أن القمع الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية الذي لا هوادة فيه منذ أواخر عام 2000 - ومصلحتهما المشتركة في الحفاظ على الوضع الراهن - قمع أجيالًا متعاقبة من القادة السياسيين والناشطين الشباب.
وأغلق هذا الحيز السياسي والاجتماعي الذي كان يتمتع به المجتمع المدني، وأصبح القادة الشباب مقيدين بنظام المحسوبية المتعثر. ونتيجة لذلك، هناك نقص في القادة الشباب البارزين في السباق والمرشحين الوحيدين الذين لديهم أي أمل في الحصول على الدعم هم أصوات من الماضي، الذين يمكنهم الاستفادة من التاريخ والروابط العائلية والعلاقات القديمة مع الجهات الفاعلة الخارجية لصالحهم.
ومن بين هؤلاء المرشحين الأمين العام لحركة فتح جبريل الرجوب، والرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني في غزة محمد دحلان، ونائب رئيس حركة فتح محمود العالول، ورئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، ووزير الخارجية الفلسطيني السابق ناصر القدوة، والأمين العام السابق لحركة فتح مروان البرغوثي.
إن العثور على مرشح أو هيكل حكومي يرضي المصالح الفلسطينية والإسرائيلية والدولية على حد سواء سيشكل تحديًا كبيرًا، كما يرى "كويليام". فاللاعبون الخارجيون - أي الولايات المتحدة ودول الخليج العربية - لكل منهم تفضيله، وسوف تدفع إسرائيل من أجل مرشح مرن، وسوف يتقاتل الحرس القديم للسياسة الفلسطينية فيما بينهم للاحتفاظ بالسيطرة.
"البرغوثي".. هل يصبح "مانديلا" فلسطين؟
هنا، يبدو أن الجميع لديهم حصان في السباق، باستثناء الشعب الفلسطيني.
ومع ذلك، يرى "كويليام" أن "البرغوثي" هو المرشح الوحيد الذي يتمتع بجاذبية شعبية، على الرغم من أنه من غير الواضح مدى قدرته على التواصل مع شباب اليوم بالنظر إلى 21 عامًا في السجن.
هناك أمل في العواصم الغربية أنه بعد الحرب، ستتمكن القيادة الفلسطينية المحدثة من حشد الدعم الشعبي لعملية سلام متجددة تشبه حل الدولتين. ولكن بالنظر إلى الحجم الهائل للرعب الذي يحدث في غزة، فمن شبه المستحيل تخيل حصول أي زعيم فلسطيني على دعم شعبي للسلام في أي وقت قريب.
بطبيعة الحال، يتطلب إحياء عملية السلام أيضًا استبدال نتنياهو بسياسي وحزب ملتزمين بنفس حل الدولتين، وقادرين على جلب البلاد معهما. إن التغيير الكبير في القيادة مطلوب في كل من إسرائيل وفلسطين لتعطيل الوضع الراهن - وقد حان الوقت الآن، يقول "كويليام".
الدكتور نيل كويليام متخصص في سياسة الطاقة والجغرافيا السياسية والشؤون الخارجية، ولديه معرفة وخبرة واسعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.