بدأت منذ يومين وتحديدًا في ال25 من شهر نوفمبر الجاري، حملة ال16 يومًا لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وهي حملة سنوية عالمية تدعمها الأمم المتحدة وتقودها المجتمعات المدنية والمؤسسات الحقوقية والمبادرات والناشطون على مستوى العالم، حيث يبدأون في اليوم "الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة" سلسلة من الأنشطة والفعاليات المنظمة التي تحارب وترصد كافة أشكال العنف والتمييز ضد النساء على مستوى العالم، والتي تستمر على مدار 16 يومًا لتنتهي في "اليوم العالمي لحقوق الإنسان" وهو العاشر من شهر ديسمبر.
في العادة، الحركات النسوية بهيئاتها ومؤسساتها ومبادراتها أكثر نشاطًا في هذا الوقت من كل عام لتسليط الضوء على هذه القضية التي تعتبر أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شيوعًا على مستوى العالم، متخذين كافة السبل من التعريف بأشكال العنف المختلفة ومحاولة رفع الوعي المجتمعي بأثارها الجسدية والنفسية والاقتصادية والسياسية، وذلك تمهيدًا لفرض القوانين التي تمنع نهائيًا كافة أشكال العنف القائم على النوع، إلا أن هذا العام شهد حراكًا قويًا غير مسبوق من هذه المؤسسات والمبادرات في المجتمع المدني.
اقرأ أيضًا:ماهينور والعليمي وآخرون.. الحرمان من الحقوق السياسية
فجرائم الحرب والإبادة التي طالت النساء والأطفال في الشرق الأوسط وتحديدًا في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان واليمن، وما تبعها من كافة أشكال العنف والإنتهاكات كالتهجيروالخطف والأسر والاغتصاب والتحرش والتجويع ومنع الخدمات الصحية عمدا، أثار حالة من النفور والاستعداد لبذل كافة أشكال المساعدة والدعم للضحايا والناجيات، كما أثار موقف هيئات حقوق الإنسان المتخاذل من هذا الإرهاب الصارخ والوحشية الظاهرة مرأى العيان حفيظة الناشطات في مجال العمل النسوي والحقوقي ليحولن صدمتهن والغضب داخلهن إلى تحالفات مشتركة وحملات مناصرة وتشبيكات بين المبادرات والمؤسسات مؤثرات العمل بمبدأ الاتحاد قوة ومعلنات- للمجتمع، القيادات الحكومية والعالم أجمع- في بيانات حملاتهن الافتتاحية رفضهن القاطع لكل القرارات والسياسات الداعمة للكيانات المحتلة والمغتصبة، مؤكدات أن القيم والمباديء لا تتجزأ.
تحالفات نسوية
أكثر من 30 مؤسسة ومبادرة نسوية وحقوقية بدأوا بعقد اجتماعات وندوات تحالفية وتجهيز أجنداتهم وحملاتهم والتركيز على تقاطعاتها ليكون لهم تأثير قوي وفعلي وتعاون مشترك في إطار حملات ال16 يوم. على سبيل المثال ليس الحصر ما قامت به مبادرة "هي تفكر" النسوية والتي تعمل تحت مؤسسة "فكرّ تاني" الصحفية، حيث قامت بعمل تشبيك بين 8 مبادرات نسوية ومؤسسات حقوقية قانونية يغطون بحملاتهم أشكال العنف المختلفة لتبادل الدعم وزيادة مساحة انتشار الوعي وتحقيق أقصى استفادة من خلال أنشطتهم المختلفة أثناء الحملة.
اقرأ أيضًا:علي مصيلحي.. وزير الأزمات من شهداء الخبز لضحايا "كوباية الشاي"
كذلك قامت مؤسسة "جنوبية حرة" وهي مؤسسة نسوية مصرية بأسوان بعقد مجموعة من الأنشطة بالمشاركة مع مبادرات نسوية وحقوقية مختلفة كتدريبات المناصرة للمبادرات والمجموعات النسوية وكيفية عمل حملات ناجحة والترويج لها بشكل فعال.
وتبنت مجموعة من المبادرات مايحدث بخصوص القضية الفلسطينية وبالذات العنف المنزلي بحق النساء والأطفال منذ بدء عملية "طوفان الأقصى"، حيث تركزت حملاتهم ودعواتهم على دعم ضحايا العنف بأشكاله المختلفة، بكافة الطرق المادية والمعنوية، مثل مبادرة "سبيك أب/اتكلمي" ومؤسسة "المرأة الجديدة" ومؤسسة "براح آمن" ومبادرة "سوبر وومن"، كما تبنت مبادرة "جندريست" التحدث عن أوضاع النساء السودانيات والأضرار التي لحقتهن نفسيًا وجسديًا وما يواجههن من أوضاع غير آدمية جراء جرائم الحرب الأهلية الحالية في السودان وخاصة العنف الجنسي.
وكان للعنف المنزلي والأسري نصيب الأسد في مضمون حملات المبادرات لهذا العام، فبسبب ارتفاع عدد الجرائم المترتبة على هذا النوع من العنف، وعد وجود قانون موحد للعنف يحمي الفتيات والنساء من أنواع العنف المنزلي التي يبررها المجتمع ويمررها الشرع والقانون تحت مسميات مختلفة، فقد قامت مجموعة كبيرة من مؤسسات الدعم القانوني للنساء والمبادرات الداعمة لحقوق المرأة بعقد عدد من جلسات الحكي والصالونات والورش للوعي والتعريف بأنواع العنف المنزلي المختلفة وتوضيح أثرها النفسي الذي قد يبدأ بإيذاء النفس وقد يفضي للانتحار، كما تتضمن الحملات التوعية بطرق ووسائل التصدي لهذا الشكل من العنف وأرقام خطوط نجدة المرأة والطفل والعنف المنزلي، بالإضافة لمناقشتهم لمشروع قانون العنف الموحد المقدم للبرلمان، ومن أبرز هذه المبادرات مبادرة "سند" للدعم القانوني للنساء المعنفات وضحايا العنف الأسري، ومبادرة "بر أمان" النسوية ومبادرة "صوت" لدعم حقوق المرأة ومكتب "حرية" للمحاماة التابع للأستاذة "هالة دومة".
العنف الإلكتروني والتمكين الاقتصادي
وحول نشر الوعي بمصطلح العنف الإلكتروني والجرائم الإلكترونية كالتحرش والابتزاز والتهديد والتي بدأت تلقى صدى واسع في الآونة الأخيرة، قامت مجموعة من المبادرات مثل مبادرة "أنثى" ومبادرة "آمنة" ومبادرة "عون" للدعم القانوني بإطلاق حملات تحمل وسوما وشعارات لتبديد الخوف من قلب الفتيات والنساء اللاتي تتعرضن لمثل هذا النوع من العنف، وتوعيتهن بالطرق والمواد القانونية التي تحميهن وتضمن لهن مساحة إلكترونية آمنة خالية من العنف، بالإضافة لخلق مساحة للفتيات للتعبير عن أنفسهن بلا خوف.
ولأن التمكين الاقتصادي للمرأة المصرية أحد أبرز محاور الاستراتيجية الوطنية، فكان لابد من تسليط الضوء على العنف الاقتصادي والتمييز في الأجور القائم على النوع الاجتماعي وخاصة في بيئات العمل غير الحكومية، وهذا ما فعلته مبادرة "مؤنث سالم" وهي مبادرة نسوية تدعم حقوق الصحفيات، حيث كشفت حملتها "بدون أجر" معاناة الصحفيات مع العمل بدون أجر والأثر النفسي والاقتصادي عليهن مستعينات بشهادات الصحفيات أنفسهن. ولنفس الهدف قادت مبادرة "كوني رائدة" حملة لرفع الوعي لدى النساء بحقوقهن في قانون العمل، داعين للمساواة في الأجور بين الجنسين مع تبيان الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء وأسبابها وطرق القضاء عليها.
وفيما يتعلق بالختان وزواج القاصرات والأطفال فكان لمركز "تدوين" لدراسة النوع الاجتماعي دور بارز في هذه القضية على مستوى المحافظات والأقاليم، فقد قام بعمل تدريبات لإعداد مدربين ومدربات في عدة محافظات على رسائل لمناهضة ختان الإناث وزواج الطفلات لمساعدتهم على تنظيم جلسات توعية داخل مجتمعاتهم المحلية، كذلك استهدفت مبادرة "ياء الملكية" بحملتها مناهضة تزويج الطفلات من سن 15 إلى سن 18 وتوعية أولياء الأمور بضرورة الحفاظ على الصحة النفسية والجسدية ووعي وإدراك الطفلات، بالإضافة لأهمية رفع الوعي بالصحة الإنجابية والحقوق الجنسية لهن.
أما عن "مؤسسة قضايا المرأة المصرية" والتي أشادت بنجاح تعاون الحركات النسوية بمبادراتها ومؤسساتها وأفرادها في إحداث تغييرات تشريعية ومجتمعية لمناهضة العنف ضد النساء، فقد أطلقت حملتها التي تحمل اسم "اتحدوا لمناهضة العنف" مؤكدة على أهمية الجهود المتضافرة في القضاء على كافة أشكال العنف ضد النساء.