"محمد" وخطيبته يبحثان عن "عُلبة كبريت" تكفيهما

"اللي تجمعه النملة في سنة.. ياخده الجمل في خُفه"؛ مثل دارج في الريف المصري ينطبق بحذافيره على أسعار الشقق السكنية ومواد البناء في مصر وكذلك ينطبق على الشاب محمود السيد، الذي يحلُم منذ ثلاث سنوات، بتغطية سقف شقته التي بنى جدرانها منذ 36 شهرًا. فكلما أراد قطع خطوة للأمام وجمع المبلغ المطلوب عاد إلى نقطة الصفر مجددًا بسبب "مواد البناء".

شهدت أسعار الحديد ارتفاعات قياسية، أخيرًا، ليبلغ مستوى 38 ألف جنيه للطن، بينما بلغ متوسط سعر طن الإسمنت 2000 جنيه، والرمل العادي 160 جنيهًا للمتر المكعب، والزلط ما بين 275 و400 جنيه للمتر المكعب، حسب حجمه ونوعه.

يقول "محمود"، الثلاثيني الذي يعمل مندوب مبيعات في شركة أدوية ويقضي يومه متجولًا بين الصيدليات: "من سنتين كانت تكلفة الحديد للسقف حوالي 20 ألف جنيه لشقتي اللي مساحتها 100 متر بس.. لما جمعتهم ووفرت باقي التكاليف المقاول قال لي: الطن ونصف حديد عايزين لوحدهم 50 ألف جنيه. يعني كل اللي حوشته يدوب يجيب الحديد".

حديد مسلح
حديد مسلح

تتطلب الخرسانة المسلحة لسقف مساحة شقة سكنية 100 متر من 1.25 إلى 1.5 طن حديد بسعر يتراوح بين 47.5 و50 ألف جنيه، بالإضافة إلى حوالي 5 أطنان إسمنت بحوالي 10 آلاف جنيه، وكميات رمل بقرابة 1500 جنيه، وزلط بحوالي 3 آلاف جنيه، إلى جانب أجرة المقاول التي لا تقل عن 7 آلاف جنيه في القرى وترتفع بشكل مضاعف في المدن.

يضيف "محمود": "عملي في القاهرة.. ما أقدرتش اشتري شقة هناك فقررت أني ابني في بيت أهلي.. عملت العمدان والجدران من 3 سنين وكانت الدنيا تمام.. لكن كل ما أجي أغطي السقف يحصل زيادة في الأسعار.. لا بقيت عارف ابني ولا عارف أحجز شقة في المدينة جنب شغلي بعدما الأسعار ولعت".

30 % زيادة في أسعار شقق السكن

حال "محمود" كحال الكثير من مواليد الأجيال المنتمية للثمانينيات والتسعينيات حاليًا، ممن انضموا إلى سوق العمل قبل سنوات، ويسعون جاهدين خلف الشقق السكنية، عل واحدة تصلح لأن تكون نواة استقرار وزواج وبدء حياة جديدة.

ارتفع متوسط أسعار الوحدات السكنية بمصر خلال الربع الأول من عام 2023 بنسبة 30%، بالمقارنة مع الربع الأول من عام 2022 بسبب انخفاض قيمة الجنيه المصري وارتفاع معدل التضخم على تكاليف البناء في قطاع العقارات.

"محمد. ا" مدرس مساعد بجامعة طنطا (عاصمة محافظة الغربية تبعد 93 كم شمال القاهرة)، يسعى من 5 سنوات تقريبًا لشراء شقة سكنية للزواج. أجل المشروع أكثر من مرة، لكن الأمر بات ملحًا الآن بعدما ارتبط بزميلة له تعمل بذات الكلية.

نيويورك تايمز:عاصمة جديدة تليق بالفراعنة.. ولكن بأي ثمن؟

يقول: "راتبي الضعيف خلاني أدي دروس خصوصية لطلبة الثانوية العامة عشان أقدر أجيب شقة.. جمعت مبلغ كويس.. حطيته في البنك في وديعة عشان الفايدة وبعدما استحق أجلها.. رحت أشوف أصغر شقة لاقيتها قد علبة الكبريت عاملة 700 ألف جنيه ونصف تشطيب كمان".

انعكست أسعار مواد البناء على أسعار الوحدات السكينة في المدن حتى باتت أقل شقة في المدن الجديدة تناهز المليون جنيه حاليًا لوحدات لا يزيد صافي مساحتها عن 80 مترًا، بينما وصل المتر في بعض الأماكن لـ 23 ألف جنيه.

يضيف "محمد": "تخيل شقة قد علبة الكبريت أكتر من تحويشة 5 سنين من الدروس والشغل في الجامعة.. وعايزها لها مش أقل من 150 ألف جنيه تشطيب كمان.. ده للتشطيب الاقتصادي مش اللوكس لا السوبر لوكس.. وكل ما أكلم سمسار يقولي أقل من مليون جنيه ما تدورش".

المطورون يتوقعون مزيدًا من الارتفاعات

رغم طرح الدولة العديد من المشروعات العقارية التي تتناسب مع جميع الفئات، لكن "محمد"، يقول: "الغربية ما ما فيهاش مشروعات تتبع الدولة غير في كفر الزيات والشقق اتحجزت بسرعة الصاروخ.. المعروض كله نظام أهالي حتى الشركات العقارية مش كتير.. وكل واحد بيسعر حسب مزاجه.. واللي ما معهوش ما يلزموش".

ويتوقع المطورون المزيد من الارتفاع مثل رئيس شركة "بالم هيلز للتعمير" ياسين منصور الذي رجح زيادتها بنسبة 40% خلال العام المقبل. بينما رجحت شركة التعمير للتمويل العقاري "الأولى" ارتفاع الأسعار بنسبة 25%.

بحسب المهندس أحمد عبد الحميد، رئيس غرفة صناعات مواد البناء باتحاد الصناعات، فإن مشكلة العقارات بمصر نابعة من عدم توافر العملة الأجنبية التي تعترض تشغيل وتوفير الخامات لبعض المصانع العاملة بمواد البناء التي قلصت إنتاجها 50%، قائلاً : "مواد البناء بريئة من زيادة سعر العقارات..  والعقارات زادت من 5 لـ10 %".

الأرض.. المتهم الأول في ارتفاع أسعار الشقق

يشكو كثير من المطورين العقاريين في مصر من أن سعر الأرض ـ رغم أن غالبية مساحة مصر صحراوية وغير مستغلة ـ مؤكدبن أنها شهدت ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار خلال عام واحد، لتشكل 45% من إجمالي التكلفة الإجمالية للمشروع العقاري. وهو ما ينعكس على أسعار بيع الوحدات العقارية.

لكن أحمد الزيني رئيس شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية بالقاهرة: "ارتفاع الدولار جعل الرؤية ضبابية تجاه وضعية السوق في المستقبل.. الشركات رفعت أسعارها في نوفمبر ووصل لمستوى قياسي ما بين 39 و42 ألف جنيه لكن الأسعار بدأت في الرجوع".

يضيف الزيني: "في شهر نوفمبر كان فيه زيادة كبيرة في الاستهلاك في بعض القرى في الدلتا بسبب مخالفات المباني لكن توقيع الغرامات جعل الطلب يستقر.. وسعر الدولار استقرر في السوق الموازي خلال الأيام الماضية، والشركات أعلنت الأسعار بالجنيه بعدما كانت تقدرها بالدولار".

هبوط أسعار مواد البناء لا تعني تراجع أسعار العقارات،فالمطورين يحتاطون حاليا من ارتفاع معدلات التضخم خاصة أن البيع بالتقسيط يعن أن المطور سيحصل على أمواله كاملة بعد 3 إلى خمس سنوات والبعض يزيد هامش الربح اتقاء لإمكانية هبوط العملة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة