لم يكن هناك "عيد ميلاد سعيد"، ولا "سنة حلوة يا جميل"، ولا أحضان، فقد غاب الناشط السياسي البارز علاء عبد الفتاح عن الاحتفاء مع أسرته وأصدقائه بعيد ميلاده للمرة العاشرة، بسبب "وجوده خلف القضبان"؛ تقول خالته الروائية المعروف أهداف سويف.
بينما تذكّر "سويف" جمهورها عبر حسابها على "فيسبوك"، بعيد ميلاد ابنها الذي لم تلده، ووصوله إلى واحدة من محطات منتصف العمر، حيث بلغ 42 عامًا، تشير إلى أنه في تلك المعاناة منذ أن كان عمره، 29 عامًا، لتنهال عليها دعوات المؤازرة والمناصرة. تقول لها نادية عبد العزيز: "الله يفرجها عليه، وعيده الجاي مع أهله وأحبابه"، لترد "سويف" بلهفة قلب الأم: "يا رب.. والله الواحد بيكتب وهو مكسوف عشان غزة. بس عيد ميلاده بقى، حبيبي"، فيما لم تجد الأم الأكاديمية ليلى سويف سوى مشاركة تغريدة شقيقتها مع استخدام "الحرية لعلاء".
"ليس لدي كلمات"، تقول أخته الأقرب منى سيف، في تدوينة عبر حسابها على "فيسبوك". تضيف وهي تشارك صورة لاحتضان شقيقها علاء عبد الفتاح لها في وقت سابق: "اليوم هو عيد ميلاد علاء العاشر، وما زال بعيدًا عنا".
أما صوت "علاء عبد الفتاح" المتحرك في دول العالم للدفاع عن حريته، شقيقته "سناء سيف"، فقد كانت -كعادتها- مشغولة بالحديث عن قضيته في فعالية دولية.
علاء عبد الفتاح.. أن تنتمي لأسرة حقوقية بارزة
ولد علاء عبد الفتاح في 18 نوفمبر عام 1981 في أسرة يسارية تقدمية مناضلة، بارزة في الدفاع عن الحقوق والحريات وذات مساهمات واسعة في النشاط الحقوقي والمجتمع المدني. وبرز حضوره في المجال العام والتدوين والكتابة السياسية والحراك الميداني، وهو أحد أبرز وجوه ثورة 25 يناير 2011، وله ابن أسماه "خالد"، ولد في ديسمبر 2011، تيمنًا باسم أيقونة ثورة 25 يناير الشهيد خالد سعيد.
والده أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح حمد (9 يناير 1951 ـ 27 أغسطس 2014)، علم من أعلام القضاء في مصر، محامي وحقوقى مصري والمدير التنفيذي الأسبق لمركز هشام مبارك للقانون. برز في الدفاع عن استقلال القضاء والمحاماة، واعتقل أكثر من مرة في عهد الرئيسين السابقين محمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك. أما والدته فهي الدكتورة ليلى سويف (1 مايو 1956) أكاديمية بارزة وناشطة حقوقية وسياسية وعضو مؤسس في كل من مجموعة العمل من أجل استقلال الجامعات (حركة 9 مارس)، والجمعية المصرية لمناهضة التعذيب.
وخلف علاء دائمًا تقف الشقيقتان، منى سيف (12 مارس 1986) وسناء سيف (20 ديسمبر 1993) صاحبتا النشاط الواسع في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني. سجنت سناء مرتين قبل أن يطلق سراحها للمرة الأولى بعفو رئاسي، والثانية في عام 2020 لمدة سنة ونصف بتهمة "نشر أخبار كاذبة"، وهي وشقيقتها تقودان إلى جوار والدتهما وخالتهما، حراكًا واسعًا للإفراج عن شقيقهما وإنهاء معاناة السجون في بيتهما المكبل برحلات زيارة السجون على مدار العقود الخمسة الماضية.
متى يُفك قيد علاء عبد الفتاح؟
يقضي علاء عبد الفتاح عقوبة السجن 5 سنوات بعد الحكم الذي صدر ضده في شهر مولده (نوفمبر) في العام 2021، على خلفية الاتهام ذاته الذي يوجه للنشطاء المعارضين في مصر في العقد الأخير؛ نشر أخبار كاذبة بعد أن قضى بالفعل عامين في السجن بعد القبض عليه في سبتمبر 2019.
وتعرض عبد الفتاح للتوقيف والاعتقال أكثر من مرة، ضمن نشاطه الذي لم يتوقف منذ عام 2006، حتى قبيل اعتقاله الأخير في 2019.
في 7 مايو 2006، اعتقل علاء عبد الفتاح أثناء مظاهرة سلمية للمطالبة باستقلال القضاء، وأطلق سراحه بعد ضغوط في 20 يونيو 2006.
وعقب ثورة 25 يناير 2011، تعرض عبد الفتاح للاعتقال في 30 أكتوبر 2011، بعد أحداث ماسبيرو التي راح ضحيتها أكثر من 27 شخص وجرح مئات آخرون، وفي 25 ديسمبر أطلق سراح علاء عبد الفتاح بضمان محل إقامته مع منعه من السفر.
وفي نوفمبر 2013، ألقي القبض على عبد الفتاح بتهمة الدعوة للتظاهر ضد الدستور الجديد وقتها. وفي 23 فبراير 2015، حُكم عليه بالسجن خمس سنوات، ليفرج عنه في 29 مارس 2019، بعد أن فقد والده الذي توفي خلال فترة محكوميته.
ولم يهنأ رفيق السجون بالإفراج، حيث فوجئ في صباح 29 سبتمبر 2019، باعتقاله بعد مغادرته قسم شرطة الدقي، الذي كان يحضر فيه مراقبة شرطية يومية لمدة 12 ساعة طبقًا للحكم الذي صدر ضده بالسجن 5 سنوات، والمراقبة لخمس سنوات لاحقة.
نصف يوم حبس
"لا توجد لحظة في اليوم لا أفكر خلالها في المراقبة"؛ كتب "علاء" عدد من التدوينات عبر هاشتاج #نص_يوم_حبس، لوصف فترة المراقبة الشرطية التي خضع لها عقب انقضاء عقوبة الحبس 5سنوات، يفرج عنه كل صباح ليعود إلى السجن مع غروب الشمس، هكذا عاش عدة شهور قبل أن يعود إلى السجن.
و"المراقبة الشرطية" هي وضع المتهم تحت أعين رجال الشرطة لمراقبة سلوكه، عقب قضائه العقوبة في الحكم القضائي الصادر ضده. وهي عقوبة تكميلية لضمان العقوبة الأصلية. لكنها في مصر ترتقي إلى حد كونها عقوبة أخرى جنائية، إذ يُلزم المحكوم عليه بها أن يقضي 12 ساعة كاملة داخل قسم الشرطة.
وتنص المادة 28 من قانون العقوبات على "كل من يحكم عليه بالسجن المؤبد أو المشدد أو السجن لجناية مخلة بأمن الحكومة أو تزييف نقود أو سرقة أو قتل فى الأحوال المبينة فى الفقرة الثانية من المادة 234 من هذا القانون أو لجناية من المنصوص عليها فى المواد 356 و368 يجب وضعه بعد انقضاء مدة عقوبته تحت مراقبة البوليس مدة مساوية لمدة عقوبته بدون أن تزيد مدة المراقبة على خمس سنين. ومع ذلك يجوز للقاضي أن يخفض مدة المراقبة أو أن يقضى بعدمها جملة".
ونصت المادة 29 على، "يترتب على مراقبة الشرطة، إلزام المحكوم عليه بجميع الأحكام المقررة فى القوانين المختصة بتلك المراقبة، ومخالفة أحكام هذه القوانين تستوجب الحكم على مرتكبها، بالحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة". كما تنص المادة 30 على، "تتعدد عقوبات مراقبة البوليس ولكن لا يجوز أن تزيد مدتها كلها على خمس سنين". لكنهما لم تنصا على إجبار المحكوم عليه بالمراقبة أن ينفذها داخل أقسام الشرطة، فمن الجائز أن تتم تلك المراقبة الشرطية بمحل إقامته.
مطالبات دولية ومحلية
يصف الناشط والشاعر أحمد دومة، ما مر به رفيقه في النضال بـ"الغمة". يقول في تدوينة عبر حسابه على "فيسبوك" بمناسبة عيد ميلاد علاء عبد الفتاح: "للذكرى حكاية، ولليوم حكاية.. ولعلاء حكايات، مستنيين يطلع وتنزاح الغمّه، قدرَك تدفع عن جيلك كلّه ثمن الحلم والخسارة، كل سنة وأنت طيّب يا علاء، يارب وسطنا قريّب".
ما يطالب به "دومة" السماء، بأن يكون الناشط علاء عبد الفتاح وسط أسرته وأصدقائه قريباً، لم تتوقف مطالبات العديد من المنظمات والشخصيات والدول بالإفراج عن عبد الفتاح عبر عفو رئاسي.
وفي 11 نوفمبر من العام الماضي، طرقت أسرة علاء عبد الفتاح باب رئيس الجمهورية، الرئيس عبد الفتاح السيسي، للمطالبة بالعفو عنه، أسوة بالمحامي البارز زياد العليمي، الذي أصدر الرئيس له قرارًا جمهوريًا رقم 510 لسنة 2022 أعفاه من قضاء باقي مدة العقوبة.
"نناشدكم باستصدار قرار بالعفو عن علاء أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح، وذلك من خلال تفعيل نص المادة 155 من الدستور المصري والتي تقضي بأنه: لرئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مجلس الوزراء العفو عن العقوبة، أو تخفيفها"، هكذا كان الطلب الذي تقدمت به شقيقته منى سيف.
الظروف الإنسانية التي تعزز مطلب كهذا، عددتها شقيقة علاء، في خطابها الرسمي، منها اعتباره "الأخ الأكبر والابن الوحيد لأمي، ليلى سويف، واحتياجنًا الشديد له، خاصة بعد وفاة والدي منذ سبع سنوات، وباعتبار أنه شاب ضاع من عمره ما ضاع. لديه حياة مهنية يريد أن يلملم ما بقى منها ويعمل بمجال البرمجة التقنية والتي هي أحد المجالات التي تشهد طفرات و تقدمات علمية كل ساعة".
الظرف الأهم، كان أن علاء عبد الفتاح أبا لابن وحيد تم تشخيصه نهائيا على طيف التوحد في عام 2014 ، وغير قادر على التخاطب بالكلام، ولذلك –والكلام لمنى سيف- استثمر علاء بعد خروجه في مارس 2019 ، معظم وقته خارج أوقات المراقبة المفروضة عليه وقتها، لتوطيد علاقته بابنه وإنهاء كافة الإجراءات الخاصة بتعليمه وضم ابنه لفصول الدمج، وبالتبعية بدأ ابنه الدراسة وأصبح جزءاً من منظومة التعليم الأساسي لأول مرة. لكن مع إعادة حبس علاء في سبتمبر 2019، أكثر المتضررين كان ابنه، خاصة في ظل أوضاع الزيارات التي لا تناسب ظروف الابن الصحية.
الطلب الرسمي الذي قدمته أسرة علاء عبد الفتاح لرئاسة الجمهورية، ما زال رهن النظر حتى تاريخه وسط مطالبات لا تتوقف من العديد من الجهات، منها منظمة العفو الدولية، والتي أصدرت بيانا حقوقيا في 8 أغسطس الماضي، قالت فيه :" يجب الإفراج عن علاء عبد الفتاح فورًا، ودون قيد أو شرط، لأن احتجازه لا يرجع لسبب سوى ممارسته السلمية لحقوقه الإنسانية"، منتقدة كل ظروف حبسه ومحاكمته.
وفي يوليو الماضي، طالب أكثر من 100 نائب بريطاني حكومة بلادهم ببذل مزيد من الجهود للإفراج عن علاء عبد الفتاح الذي يحمل الجنسية البريطانية كذلك، مستنكرين عدم تلقي عبد الفتاح أي زيارة من ممثلي السفارة البريطانية في سجنه بمصر، فيما طالبوا حكومتهم بالتوجه إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمحاولة حث القاهرة على التحرك في هذه القضية.
علاء عبد الفتاح وتقدير دولي واسع
ورغم المعاناة، إلا أن عبد الفتاح نال تقديرًا دوليًا واسعًا على جهوده في دفع المجال العام والدفاع عن الحقوق والحريات.
وفي سبتمبر 2014، رشحه اليسار المتحد الأوروبي لجائزة "سخاروڤ" لحرية الفكر والتعبير، مع مغني الراب التونسي ولد الكانز، ولكن سُحب الترشيح بعد الجدل حول بعض تغريدات علاء عبد الفتاح عام 2012 أثناء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، لكن علاء انتقد ذلك مؤكدا أن التغريدات أُخرجت من سياقها.
حصل عبدالفتاح على صفة "المواطنة الشرفية" من مدينة باريس الفرنسية في ديسمبر من عام 2020، ولكنه لم يتسلم الجائزة حتى الأن.
وفي العام الماضي، فاز علاء عبدالفتاح بجائزة مؤسسة Electronic Frontier Foundation، والتي تعمل على الحقوق المدنية في مجال الإنترنت "فرونتير"، وذلك لمساهمته وفق بيان المؤسسة في "دفع التكنولوجيا إلى دعم ومساندة الحرية، والعدالة، والحق في الإبداع".
وفي سبتمبر الماضي، منح مركز (القلم الكندي - Pen Canada)، عبد الفتاح جائزته "إنسانية واحدة" والتي تهدف لتكريم الكتاب الدوليين الذين تتجاوز أعمالهم حدود الانقسامات الوطنية ويلهمون الروابط بين الثقافات.
وفي 10 نوفمبر الماضي، كرمت مؤسسة "القلم" الدولية، عبد الفتاح في احتفالية بيوم الكاتب المسجون لعام 2023، وسلطت الضوء على معاناته من ظروف سجن غير عادلة.
تقول سناء سيف في ندوتها الدولية الأخيرة حول شقيقها :"تذكروا أننا لسنا أحرارًا حتى نحررهم جميعًا".