"هي الأسعار دي بجد؟!". لم تجد "سارة" الشابة الثلاثينية التي تعمل موظفة تكنولوجيا معلومات في إحدى شركات القطاع الخاص، سؤالًا أكثر اختصارًا يخشى أن يطول فتزيد الأسعار. حينما تحدثت لمنصة "فكر تاني" عن رحلة شراء ملابس الشتاء:"أنا قلت محتاجة جاكيت وبلوفر.. مش لازم أستنى أول الشهر أكيد سعرهم هايكون معقول يعني دلوقتي.. لاقيت السعر قد ثلث مرتبي! ومش براندات".
ملابس أم قطعة مخدرات؟
اعتادت هذه الشابة التي تسكن قرب محطة مترو "الإسعاف" في منطقة وسط البلد أن ترتاد المحال القريبة من منزلها، حيث تشتهر المنطقة بمختلف أشكال وأنواع السلع والبضائع ومنها الملابس، التي تتباين أسعارها وأذواقها لتحظى بإقبال الطبقة الفقيرة والمتوسطة.
اقرأ أيضًا: "بنحوش خضار بدل الفلوس".. أزمة الأسعار تُغيب "طبق السلطة" عن موائد المصريين
"كنا بنتريق على أسعار الملابس موسم الشتا اللي فات بسبب ارتفاع أسعارها بنسب تتراوح بين 15% إلى 25%، لكن اللي بيحصل الشتا ده غريب.. الجاكيت الخريفي اللي كان بـ200 جنيه بقى بـ440 والبلوفر بـ690 جنيه. لما ده سعر القطعة الواحدة هكمل الطقم إزاي في الظروف دي وأنا مرتبي 4000؟ دي أسعار تجار مخدرات"؛ تضيف "سارة".
ملابس الشتاء.. أون لاين
"علي" -50 سنة مهندس زراعي- ينتمي لطبقة أعلى دخلاً من "سارة"، اعتاد على السفر لشراء "براندات" تناسب ذوق واحتياجات أبنائه: "هما اتعودوا يلبسوا نضيف زي زمايلهم، كنت باروح تركيا أعمل لهم شوبينج، لكن الظروف بعد كورونا والأزمة الاقتصادية بعد حرب أوكرانيا والتعويم وحرب غزة مخلتش الحال زي الأول".
تحايلًا على الوضع الذي أصاب الجميع في مصر، اكتشفت زوجة "علي" صفحات أونلاين تبيع الملابس. "ملابس شيك ومستوردة وجديدة ومن وقتها بنشتري أون لاين"؛ يضيف المهندس الخمسيني لـ"فكر تاني".
يمكن القول إن أزمة المصريين تفاقمت إلى مستويات كبرى منذ جائحة كورونا، حيث فقد عدد كبير من الناس وظائفهم، ودُفع آخرون إلى التأقلم. وكان من بين هؤلاء مجموعات من النساء اكتشفن سوق العمل عبر الإنترنت، في محاولاتهن لإيجاد مصدر دخل بديل واستغلال عدد الساعات الطويلة التي كن يقضينها في المنزل أثناء الحظر.
"مي منصور" واحدة من هؤلاء، دخلت عالم الملابس المستوردة بمشروعها الخاص، الذي بدأته منذ 3 سنوات وحظى بشهرة واسعة بين أوساط الفتيات، خاصةً الباحثات عن الفساتين والقطع المستوردة المتميزة الخالية من العيوب والمنتقاة بعناية.
"أنا بحب شغلي المستورد جدًا، بجيبه من دبي عن طريق الشحن وأنواع ستوك من محلات البراندات نفسها. بس للأسف بسبب هبوط الجنيه قدام باقي العملات التاجر غلى عليا السعر جدًا، وده أثر طبعًا على أسعاري".
تحاول "مي" الإبقاء على حجم البيع أمام هذه الزيادة السعرية لكن هذا لا يمنع عنها الخسارة. تقول: "علشان أستمر باضطر أقلل هامش الربح مقابل إن نسبة البيع ما تنزلش. ومع إن حجم العملاء عندي زاد عن الشتا اللي فات إلا إن القوة الشرائية نفسها قلّت بسبب الأزمة، فالعميل اللي كان بيشتري 4 أو 5 قطع الشتا اللي فات بقى بيشتري قطعتين بس الشتا ده.. هستمر رغم تدهور الظروف ما قداميش حل تاني".
الوكالة.. لم تعد مول ملابس البسطاء
لم تعد مولًا للبسطاء، فوكالة البلح، في منطقة بولاق بوسط مدينة القاهرة، فقدت روادها الذين ما كنت تجد موضع قدم بين زحامهم في مواسم السنوات الفائتة. الشوارع الآن خالية وحركة البيع تصارع الركود.
"الناس مبقتش تيجي زي الأول كل حاجة زادت والناس معهاش فلوس، واللي كان بيشتري جاكيت السنة اللي فاتت بيفكر 100 مرة قبل ما يشتري السنة دي"؛ "أسعد" 36 سنة - صاحب محل قديم في الوكالة يقر بزيادات في أسعار الملابس وصلت إلى 50% على كل القطع؛ رجالي ونسائي وأطفالي.
يقول: "البالطو الصوف عندي كان بـ1000 بقى بـ2000، والجاكيت اللي كان بـ600 بقى بـ1100 ودي أسعار الـ(سوبر كريمة) مش بالة".
إلى أين وصل التضخم؟
وفي تقريره الصادر قبل أسبوع تقريبًا، أعلن البنك المركزي المصري عن حجم التضخم الأساسي عن شهر أكتوبر الماضي.
وفق هذه البيانات، سجل معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين بالمدن المصرية تراجعًا إلى 35.8% في أكتوبر 2023، مقابل 38% خلال سبتمبر السابق عليه، ارتفعت أسعار مجموعة الملابس الجاهزة بنسبة 0.5%، ومجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 5.6%، ومجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 0.1%، مجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة 3.6%، ومجموعة الإيجار الفعلي للمسكن بنسبة 0.6%، ومجموعة الأجهزة المنزلية بنسبة 1.9%، ومجموعة الأدوات الزجاجية وأدوات المائدة والأدوات المنزلية بنسبة 1.6%.
تصنيف ستوكات المستورد
التباين عجيب بين أسعار الملابس داخل محال الوكالة، والأسعار المكتوبة على "الاستاندات" أمام نفس المحال دفعتنا لسؤال الباعة عن سعر الملابس المستوردة وطرق التسعير. ومن بين عدد ليس بالقليل رفض التحدث والإجابة، كان "خالد" أكثر جرأة ليتحدث بشكل واضح عن أسعار "الباليتات" التي يتم استيرادها بالأطنان حسب (الكاش) الموجود مع صاحب المحل.
يقول الشاب العشريني: "فيه معامل في الإمارات بتجمع شغل بواقي الاستيراد ده وبتفرزه قبل ما تعبيه في الباليتات ويتشحن لبورسعيد، الباليته 50 كيلو، وكل باليته حسب فرزها بيكون سعر الكيلو بتاعها، أعلى حاجة (السوبر كريمة) ودي هدوم جديدة بورقتها ما فيهاش عيوب بيكون بس الموسم بتاعها فات وسعر الباليته 36000 جنيه، بعدها (الكريمة) ودي برضه بالورقة ومش مستعملة بس براندات أرخص درجة وبتكون الباليته سعرها من 25-30 ألف جنيه، بعدهم بييجي (الفرز الأول) بدرجاته وبيكون ملابس استعمال نضيف خفيف أو فيها عيب تصنيع أو تقفيل بسيط وبيكون سعر الباليتة من 15-20 ألف جنيه، أقل حاجة اسمها (السحبة) ودي هدوم فرز تاني تعبانة بتلاقيها بأقل من 100 جنيه ع الاستاند في الشارع، سعر الباليتة بتاعها 10 آلاف جنيه أو أقل".
الملابس.. المصري والتعويم والحرب
قفزة الأسعار الجنونية لم تقتصر على المنتج المستورد فقط، فقد طالت كذلك المنتجات المحلية المصرية الصنع. "وائل" شاب يبلغ من العمر 26 عامًا ويدير محلًا للملابس الجاهزة في منطقة "الألف مسكن" شمال شرق القاهرة، يقول: "عندي بناطيل بـ200 جنيه وبناطيل بـ350، وهودي بـ150 وهودي بـ300، كلهم صناعة مصرية 100% ومن نفس المصنع، لكن المصانع غلت علينا الأسعار للضعف، الفروقات بتكون فرق خامة وفرق تقفيل، الخامات اللي المصنع بيحتاجها جزء منها بيستورده زي الزراير أو السوست أو نوع خيط وإبر، كل ده تكلفته زادت على المصنع وهو بيحملها عليا كتاجر.. وأنا بحملها على الزبون طبعا اللي مبقاش بييجي كتير".
اقرأ أيضًا: في "الفجالة".. حتى حقيبة المدرسة القديمة مطالبة بتحمل الأسعار
ويشهد المواطن المصري منذ التعويم السابق للجنيه في فبراير الماضي وارتفاع سعر الدولار قفزة في أسعار جميع السلع في الأسواق المختلفة. تقول "خ.م" الموظفة الثلاثينية في أحد فروع بنك المصرف المتحد: "سلع أساسية وبنزين ومواد مستوردة كتير داخلة في صناعات تانية، كل حاجة سعرها بقى بيزيد بشكل جنوني من التعويم الأول في فبراير اللي فات، والمشكلة إن معدل الأجور لسه مغطاش الفجوة دي والمفروض هايكون فيه تعويم تاني في ديسمبر الجاي والله أعلم هيحصل إيه بسبب الحرب والأحداث السياسية".
وبسؤالها عن شرائها لملابس الشتاء هذا العام، قالت لـ"فكر تاني": "اتعودت أشتري ليا ولأولادي الصغيرين من المولات وبراندات متوسطة السعر وجودتها معقولة لكن لاقيت أسعارها بقت جنونية، ممكن القطعة الواحدة تعدي الـ1000 جنيه، أكيد هاكتفي بهدوم الموسم اللي فات حاليًا والأساسيات هجيبها في البلاك فراي داي".
ملابس الجمعة البيضاء
فيما يخص دور الحكومة في محاولة رفع جزء من هذا العبء المادي عن كاهل المواطن، صرّحت عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية بالقاهرة عن شعبة الملابس الجاهزة عضو لجنة سيدات الأعمال بالغرفة التجارية بالقاهرة سماح هيكل، لـ"فكّر تاني"، بأن الغرفة تقيم عددًا من المعارض الكبيرة بشكل مستمر، وتكون هذه المعارض مجانية للشركات المشاركة حيث تتحمل الغرفة تكاليف إقامتها بالكامل، مقابل تقديم العارضين منتجاتهم بنسبة خصم كبيرة للمستهلك بهدف رفع العبء عن كاهل المواطن.
وأوضحت أن تلك المعارض تضم الملابس الجاهزة ومنتجات جلدية وأحذية وحقائب ومنتجات غذائية وكل ما يخص الأسرة. كما أن الغرفة التجارية تقوم بعمل شوادر بشكل مستمر قبل وأثناء المواسم والأعياد المختلفة بنسب تخفيضات كبيرة.
كذلك، أكدت "هيكل" أن الغرفة تطلق العديد من المبادرات، معلنة عن مبادرة "الجمعة البيضاء" والتي ستبدأ في الجمعة الأخيرة من شهر نوفمبر، يشارك فيها عدد كبير من المحلات، بنسبة خصم كبيرة من 10-70%، وقد تكون مدتها يوم واحد أو تستمر لأكثر من يوم –قبل وبعد يوم الجمعة- بهدف تنشيط حركة التجارة الداخلية مع بداية الموسم الشتوي.
أما بالنسبة للأوكازيون الشتوي، فأوضحت هيكل أنه يتم تحديد موعده بنهاية موسم الشتاء، والذي يتم تنظيمه بكل محافظات الجمهورية لمدة شهر على الأقل.