مساحات آمنة للنساء في الحروب

مريم صديقة فلسطينية تعيش في غزة، تحلم دائمًا بإمتلاك منزل مناسب تعيش فيه بحرية وأمان. استطاعت أن تحقق ما تتمنى بامتلاك منزل وتجهيزه كما أرادت. وضعت بالمنزل قطع الآثاث التي تفضلها، ملئت بيتها وشرفتها بأنواع مختلفة من المزروعات واكتملت سعادتها بحصول ابنها علي منزل في نفس البناية فكانت تقضي معظم وقتها مع أحفادها وتقوم بعناية مزروعاتها معهم.

حين وصلت لسن المعاش، كرست كل وقتها للعناية بمنزلها وأحفادها ومزروعاتها، قامت بتجهيز مكان بسيط للجلوس داخل الشرفة وسط الزرع لتجلس فيه مع أحفادها يلعبون ويلهون ويشعرون بالسعادة والاطمئنان جميعًا، كانت تشعر بسعادة وراحة في منزلها مع أحفادها وأحلامها البسيطة.

الحي الذي تسكن فيه مريم كان من أوائل الأحياء التي قُصفت في الحرب علي غزة ومع إرسال إنذار بإخلاء المنازل اضطرت إلى ترك كل أحلامها وأخذت أحفادها وتركت كل شيء، للعيش مع شقيقتها في منزلها، وبعد ذلك بمدة قصيرة عرفت أن كل أحلامها قد انهارت بالقصف وفقدت منزلها وإحساسها بالأمان والسلام، ولم ينته الأمر عند ذلك وحسب، ولكن أُرسل إنذار للحي الذي تسكن فيه شقيقتها واضطروا جميعًا لمغادرة منزلهم والذهاب إلى بيت العائلة القديم في حي آخر وهكذا…..

اقرأ أيضًا:زيجات مؤجلة بأمر المأذون.. قاصرات إلى الأبد

القرار رقم 1325 حول المرأة والسلام والأمن تم اعتماده بالإجماع من قبل مجلس الأمن في 31 أكتوبر من عام 2000 وهي المرة الأولى التي يقوم فيها مجلس الأمن بمواجهة التأثير غير المتناسب والفريد من نوعه للنزاعات المسلحة على المرأة.

قرار مجلس الأمن هو قرار ملزم للأمم المتحدة وجميع الدول الأعضاء فيها ويشجع الدول الأعضاء على إعداد خطة وطنية لتفعيله على المستوى الوطني. يشدد القرار على أهمية المشاركة الكاملة والمتكافئة للمرأة في منع نشوء النزاعات وبناء السلام المستدام ويؤكد على أهمية تطبيق القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان لحماية النساء والفتيات، وضرورة العمل على إدراج المنظور الجنساني في جميع مجالات بناء السلام.

لقرار مجلس الأمن 1325 أربع محاور أساسية وهي: الوقاية، الحماية، المشاركة، والإغاثة والإنعاش وإعادة الأعمار.

نساء غزة في ظل الظروف الحالية لا يتوفر لديهن مساحة طبيعية للعيش في منازلهن دون أن تدركهن الانفجارات والتحذيرات ويحيط بهن الموت من كل جانب، فكما ذكرت وزارة شئون المرأة الفلسطينية هناك تعطل لقرار 1325 بتوفير حماية للنساء في ظل الأحداث الحالية.

فالنساء يواجهن القصف والقتل والانفجارات طيلة الوقت فليس هناك مكان آمن بقطاع غزة تستطيع فيه النساء أن تحيا وهي مطمئنة ولا توجد فرصة للحديث حول أهمية أن تعيش النساء في ظل مساحات آمنة لأنها تعد حالة من الرفاهية لا تتناسب مع ما تواجهه خلال الحرب علي غزة، فهو اختيار أعلى بكثير من طموحات النساء في ظل الظروف الحالية.

ورغم انعقاد اللجنة الوطنية العليا لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1325) بشأن المرأة، الأمن، والسلام يوم 7 نوفمبر الجاري برئاسة وزارة شؤون المرأة الفلسطينية، كان اجتماعاً طارئاً، للوقوف على تداعيات العدوان الذي شنته إسرائيل – القوة القائمة بالاحتلال – على قطاع غزة، وجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي المرتكبة هناك في ضوء الحصيلة المتزايدة من النساء والفتيات ضحايا هذه الجرائم، أكدت اللجنة أنها ستبقى في حالة انعقاد دائم لحشد الضغط اللازم من أجل وقف العدوان والجرائم المصاحبة له، وتهيئة ظروف إنسانية مواتية للإغاثة والتعافي مطالبةً مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأُمم المتحدة، والدول المتعاقدة على اتفاقية جنيف، ولجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة، بالوقوف أمام مسؤولياتهم ومنع إفلات مجرمي الحرب من المحاسبة والعقاب.

إلا أن – ورغم الانعقاد الدائم للجنة الوطنية- النساء في غزة تفتقد الأمان في كل مكان ولا ترقى في ظل الظروف الحالية إلى المشاركة في منع نشوء النزاعات وبناء السلام، بل إنها لا تستطيع حماية نفسها مما يحدث جراء الحرب، ولكنها تحيا يومًا بيوم، لا تستطيع التفكير في أكثر من ذلك، لأنه يعد ترفًا لا تستطيع تحقيقه.

قال المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية الدكتور أشرف القدرة: “ارتفعت حصيلة ضحايا القصف الاسرائيلي في اليوم الخامس والثلاثين إلى 11078 شهيدا، من بينهم 4506 أطفال و3027 سيدة و678مسنا وإصابة 27490 مواطنا بجراح مختلفة”.

وأخيراً نتحدث حول الأثر النفسي علي نساء غزة نتيجة الظروف الحالية والذي لم يتطرق لها القرار (1325)، بل ويعد هذا القرار ضئيل أمام ما يحدث للنساء في غزة، فالقرار 1325 في فلسطين غير مفعل لحماية النساء مما يحدث جراء الحرب، ولا يتضمن الجوانب الخاصة بالمشكلات والاضطرابات النفسية التي تحدث للنساء نتيجة النزاع المسلح والحروب، فالنساء في غزة فقدن أولادهن، فقدن أزواجهن، يواجهن مصير مجهول لا يشعرن فيه بأهمية المستقبل ولا يستطيعن عيش الحاضر، لأنهن يتوقعن الموت في كل لحظة، فعندما نطمئن علي بعض الأصدقاء هناك يجيبون بأنهم ما زالوا أحياء، فالحروب تخلف العديد من المشاكل والاضطرابات النفسية، ونجد النساء هنا يحظين بالنصيب الأكبر من هذه الاضطرابات والمشكلات النفسية، فنجدهم في ظل الحروب والكوارث يعانين من الاكتئاب والشعور باليأس، القلق والتوتر والخوف، الصدمات النفسية، عدم الرغبة في العيش أو عمل أي شيء، مع مستقبل مظلم لا يعرفن أية ملامح حوله.

حتمًا ستنتهي الحرب يومًا ما ولكن أثرها النفسي سيظل في نفوس النساء لفترات طويلة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة