استدعاء المعارك الوهمية 

 

انتشر مؤخرًا على تويتر هاشتاج مسيء عن الناشطة الكويرية الراحلة سارة حجازي على خلفية أحداث غزة. وصفها أحدهم بأنها بطلة، تذكيرًا منه بنضالها. ثم تدور بعدها معركة كلامية ضارية وسط هجوم قاسي عليها خاصة ومجتمع الميم عين عامة.

ترك النشطاء الأحداث المؤسفة الجارية وتفرغوا لسباب الناشطة الراحلة، وكل من يذكرهم بمدى حساسية الموقف أو عدم معقولية توقيت الهجوم والسبب من وراؤه أو يطلب منهم التزام الصمت وضبط النفس، كل هؤلاء تعرضوا للسباب والتجريح.

ما سبب استدعاء هذا الموقف؟

عندما يشعر الإنسان بعجز وضغط شديدين ولا يقوى على المقاومة أو إيجاد حلول يلجأ لنوع من أنواع الحيل النفسية الدفاعية ويضطر لاستدعاء معارك سابقة أو معارك وهمية حقق فيها انتصارات زائفة، قد تكون هذه المعارك السابقة فيها بعض المواساة لما يشعر به من حزن وألم مهما جانب ذلك المنطق وحاد عنه وهو ما حدث بالفعل من قبل بعض النشطاء حيث قاموا بسب ووصم إنسانة قد غادرت عالمنا بالفعل لمجرد تشبيه نضالها من أجل وطنها وأفكارها بنضال الفلسطينيين من أجل أرضهم.

إن أحد أسباب الكراهية والعنف ضد مجتمع الميم عين هو وجود مشاعر التهديد فالمجتمع يخشى كل ما هو مختلف أو كل ما يهدد صورته النمطية عن نفسه، كل ما يزعزع صورته عن الأدوار الاجتماعية والهوية الجندرية التي صاغها وحافظ عليها لسنوات طوال والرغبة في الحفاظ على مكتسباته التي حققها بناء على هذه الصورة النمطية الشديدة، التحفظ لدرجة قد تصل إلى تعنيف كل من يحاول المساس بهذه الصورة.

إذن من هي سارة حجازي؟

سارة حجازي هي ناشطة يسارية مصرية وعضو مؤسس في حزب العيش والحرية، توفيت سارة عن عمر يناهز الثلاثين عامًا بعد انتحارها المؤسف الذي هز قلوب العالم أجمع. إلى آخر لحظة عاشتها قامت سارة بالدفاع عن حقوق المرأة ومجتمع الميم عين من أصحاب الميول المثلية والهويات الجندرية المختلفة وأيضًا النضال من أجل حقوق العمال والفئات المهمشة.

كمثل باقي أفراد مجتمع الميم عين، خاضت سارة صراعًا طويلًا مع نفسها في مرحلة اكتشاف الميول لتعلن بعدها مثليتها في عام  ٢٠١٦ ودعت الأفراد من مجتمع الميم عين إلى قبول أنفسهم وأجسادهم وميولهم ودعت أيضًا المجتمع إلى تقبلهم الأمر الذي أثار حفيظة المجتمع الذكوري الذي يبرع في اضطهاد النساء عامة والمختلفين عنه خاصة بكل الأشكال لتلقي بعدها سارة شتى أنواع التنكيل ليس فقط لكونها مثلية وإنما لتحديها سلطة المجتمع وإعلان ذلك على الملأ .

بدأت الصعوبات الحقيقية في رحلة سارة بعدما رفعت “علم الرينبو ” دعمًا لأفراد مجتمع الميم عين في حفلة مشروع ليلى، الوحيدة التي أقيمت في مصر عام ٢٠١٧ ليمنع بعدها مشروع ليلي من الغناء في مصر ومنع أي فرد من أفراد مجتمع الميم عين من الظهور إعلاميًا وتلقى سارة هجومًا مجتمعيًا وإعلاميًا شديدًا وسط اتهامات لها بنشر الفجور والرغبة في إفساد المجتمع.

تم اعتقال سارة في أكتوبر ٢٠١٧ وقد عانت ويلات الاعتقال في ظروف سيئة ما أدى لإصابتها بعدة صدمات نفسية، أدت لمحاولة انتحار فاشلة بعد خروجها من السجن مباشرة في إحدى المصحات بمصر وذلك قبل هروبها إلى كندا طلبًا للجوء وطمعا في بداية جديدة وهادئة بعد تعرضها للوصم والتهديد المجتمعي بشكل جعل الحياة أمرًا لا يطاق

أمضت سارة عامين ونصف في الغربة بعيدة عن أهلها وأصدقائها وفي حالة نفسية سيئة ولكن ذلك لم يمنعها من الاستمرار في النضال حتى أدركت أنها لن تستطيع تجاوز ما حدث لها لتقوم بإنهاء حياتها. قابله الكثير من رواد السوشيال ميديا هذه النهاية بالاتهامات والاستهزاء والشماتة والتشفي كما يحدث الآن بمجرد استدعاء اسمها

لم يكن انتحار فتاة في ريعان شبابها كل ما تطلبه أن تعيش بأمان، سببًا كافيًا لهم لتركها بدون وصم وتشويه بعد موتها أو حتى مراعاة مشاعر أسرتها وأصدقائها. تلك الإنسانة التي قضت حياتها بحثًا عن السلام وعن حياة بلا عنف وكراهية وتميبز ضد أي إنسان بغض النظر عن دينه وعرقه وميوله ونوعه. أنت فقط إنسان.

وبرغم كل ما تعرضت له سارة كانت هذه آخر كلمات تركتها للعالم الموحش الذي برغم اتساعه لم يسعها ويتقبلها، لتغادر العالم بعدها وحيدة متألمة تعاني ويلات الغربة والإقصاء.

“إلى إخوتي..

حاولت النجاة وفشلت، سامحوني

إلى أصدقائي..

التجربة كانت قاسية وأنا أضعف من أن أقاومها، سامحوني

إلى العالم..

كنت قاسيًا إلى حد عظيم ولكنني أسامح”

 

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة