لا يمكن اعتبار النساء عمومًا كأقليات من الناحية العددية، حيث تشكل النساء نصف سكان العالم تقريبًا. وفي مصر وفقًا لإحصائيات الجهاز المركزي في يناير ٢٠٢٢، فإن إجمالي عدد السكان في مصر حوالي 104 ملايين نسمة، من بين هذا العدد، تشكل النساء نسبة حوالي 49.5٪ من السكان، بينما يشكل الرجال نسبة حوالي 50.5٪. أي أنهن أيضًا وفقًا للعدد فهم نصف المجتمع تقريبًا.
لكن هل النساء حقًا نصف المجتمع؟
أعلم أن كثيرًا من الرجال يعتقدون أن الحديث عن حقوق المرأة يعني أننا سنحاول أن نقلل من حقوق الرجال. أو الخطاب المراهق لبعض النسويات الذي للأسف يحدث ضجيجًا أكثر من السياقات المتزنة تعطي انطباعات خاطئة عن "النسوية" وعن معنى الدفاع عن حقوق النساء.
لذا ربما يجب أن أوضح نقطتين قبل أن أبدأ، رغم أنهما من البديهيات٫ لكن اعتبارا للصور النمطية الخاطئة المنتشرة سأحاول أن أعيد تأكيدها.
الدفاع عن حقوق النساء ليس معناه أبدا الإنقاص من حقوق الرجال! لكن معناه المساواة بين كلاهما مساواة تامة تراعي نقاط الضعف والقوة بيولوجيًا لدى الطرفين. ومعيار ووزن هذه الحقوق يكون الواقع بأن كلاهما "آدمي" من جنس البشر٫ ليس أكثر ولا أقل.
اقرأ أيضًا:تصدّق ولو بـ"كتاب خارجي".. حيل الأهالي لتعليم غير مكلف
هل يعني هذا عدم احترام الاختلافات الثقافية المتعلقة بالدين والمجتمع؟
نعم ولا.
نعم من حيث القانون والدولة اللذين يجب أن يكونا "بلا جنس" لا منحازين. لكن بالطبع جزءًا أصيلًا من الحرية حرية الاعتقاد وحرية الفن والثقافة، وكل ما يخص اختياراتك الشخصية لحياتك الخاصة.
فالأمر ينطبق "رايح جاي" وينطبق على "الرجال والنساء". كل هذا مبني على أساس ثابت وهو توفر الحرية التامة بغطاء قانوني محايد تمامًا غير مبني على توجه ديني أو فكري بعينه غير الحياد.
"العلمانية مش يعني أن أمك تقلع الحجاب"
من حقك "تقلع" وواجب فرض على الدولة حماية اختيارك الحر. ومن حقك "تلبس" وفرض على الدولة حماية اختيارك الحر. بشكل أوضح من حق النساء ترتدي البكيني وعلى الدولة حمايتهن ومن حقهن يرتدين البوركيني ومن حقهن حماية الدولة لهن. ومن حقهن ألا يرتدين الحجاب ومن حقهن أن يرتدين النقاب.
من حقك تعتنق أي أفكار اجتماعية، وتمارس ما يتسق معها من نمط حياة. حقوق غير مجنسة بكونك ذكر أو أنثى، فمن حقك أن تختار أن تشتغل أي مهنة شرعية "بالطبع مع اعتبار أن القانون محايد بالأساس، وأن المهن كلها شرعية على قدم المساواة بين النساء والرجال" ويجب أيضا على الدولة حماية هذا الحق فلا تُمْنَع من هذا الحق بناءً على جنسك أو لونك أو معتقدك. وكذلك من حقك أن تحصل على عدالة الترقي في تلك المهنة وفقًا لمعايير مهنية محايدة غير مرتبطة أيضا بجنسك ولا لونك، لا معتقدك.
أتفهم أن الكثير -خاصة الرجال- يشعرون أنه على أية حال لا يوجد تلك المعايير للرجال في مصر. فكل شيء مما ذكرت يتدخل فيه لونك وعقيدتك٫ بل وزد عليهم عرقك وطبقتك الاجتماعية وعلاقاتك "الوسايط". وهذا صحيح لكن زد على كل هذا التمييز أن تكون "امرأة"
هناك وظائف للنساء فقط.. ألا يعد هذا تمييز ضد الرجال؟
سأجد الكثير يقولون إن هناك بعض الوظائف محفوظة للنساء وحدهن، ويحصلن عليها دون الرجال. لكن أتحداكم أن تجدوا في هذه الوظائف ما هو محفوظ للمرأة على غير دوافع جنسية حقيرة لأنها وظائف خدمية، وفيها شيء من الامتهان٫ أو لأن الصور النمطية عن تلك الوظائف أعطت انطباع مجتمعي أن هذه الوظائف لها مكانة منحطة اجتماعيًا لذا لا يليق برجل القيام بها!
على حين أن القلة التي تستثنى من هذه المجموعة من الوظائف يكون السبب قبول النساء بشكل عام بأجور متدنية وظروف عمل أصعب من الرجال.
أتذكر أن في إحدى وظائفي القديمة قال مديري أنه يفضل تعيين النساء؛ لأننا لا ندخن السجائر!
ومرة أخرى قال لي مدير ثان أنه يفضل تعيين النساء؛ لأننا ألطف ويستطيع الانفعال "والزعيق" لنا وأقصى ما سنفعله "نعيط في الحمام" على خلاف الرجل "هيرد عليا الكلمة بكلمة"!
لذلك عزيزي الرجل قبل أن تتناول تلك النوعية من المنشورات التي تدعي أن النساء يحصلن على وظائف بديل عن الرجال وتوصم النساء بإيحاءات جنسية، أو تقلل من كفاءتها. فكر ثانية في شكل المنظومة الكاملة التي خلقت تلك الصور النمطية، وفكر كيف تشعر النساء حيال الأمر كله.
هل تمتلك النساء نصف أدوات السلطة والقوة كالرجال؟
على أية حال وعودة إلى سؤالي الأول٫ نعم عدديًا النساء في مصر يمثلن نصف المجتمع. لكن هل يمتلكن حقوقًا متساوية مع النصف الآخر؟
هل يتحكمن في القرارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مناصفة مع الرجل؟
في إحدى الجدالات مع شخص من "النظام" كان يحاول بائسًا أن يبرهن على أن النظام الحالي "لا سمح الله" نسوي٫ مبرهنًا هذا بعدد النساء في الوزارات والمناصب الحكومية عامة.
بل حتى في الشرطة، وفي نفس المحاولة البائسة استخدم مثالًا على هذا وجود "نائب مأمور" امرأة في سجن النسا "الذي كنت ضيفتهم فيه وقتها". وكجزء من الكوميديا السوداء أذكر أن النساء كن ينادين عليها قائلين لها "يا باشا" لأنهن لا يعرفن كيف ينادين امرأة ضابط فبالطبع الباشوية ألغت من مصر كلها إلا جهاز الشرطة والقضاء وبعض المحامين البؤساء الذين يحاولون البحث عن مكانة مزيفة وسط هؤلاء وأولئك.
على كل هذه المحاولة البائسة بتعداد النساء اللاتي يُعَيَّنّ في وظائف حكومية ووزارات لا يعني نهائيًا أن النظام نسوي "مراعي لحقوق النساء".
إذا أن مجرد كونك "امرأة" لا يعني أبدا أنك تراعي حقوق النساء. بل على العكس، ومن قلب الأمثلة نفسها التي تم ذكرها أكملت الجدال في تشريح تصرفاتهن، وكيف يتحولن لكائنات أكثر شراسة وانتهاكًا لحقوق النساء أنفسهن لرفع الحرج عنهن. حتى إن بعض الرجال يتحسسن من انتهاك النساء جسديا مثلا باعتبارات دينية أو ثقافات شعبية محافظة. في حين أن هذا الحرج مرفوع عن النساء لذلك يرتكبن انتهاكات أكثر شراسة من الرجال في كثير من الحالات.
كما أنهن يشعرن في العموم أن عليهن أن ينجحن ويبدين "امتنانا" للذي "مَن" عليهن بهذا المنصب فيغرقنه طاعة، ويسرن داخل حذائه ويرتدين بنطاله.
لذلك فإن هذا السلوك الذي حاول النظام الحالي أن يقول به أنه يدعم حقوق النساء في الحقيقة "زاد الطين بلة" في معظم الحالات.
النساء على أية حال، رغم أكثريتهن العددية إلا أنهن أقلية حيث توجد حالات وسياقات تجعل النساء يشعرن بأنهن يمثلن أقليات، أو يتعرضن للتمييز والظلم. مثلا حينما يتعلق هذا بالتمييز القائم على النوع (الجنس)، والذي يمكن أن يؤدي إلى تحقيق ميزة أو سلطة للرجال على حساب النساء. يمكن أن تشمل هذه المميزات تقييدات على الحقوق المدنية والسياسية، أو قيوداً على الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، أو عدم المساواة في الفرص الاقتصادية والعمل.
كما يمكن أن يشعر النساء في بعض الحالات بأنهن أقليات في سياقات ثقافية أو دينية تفرض توقعات وأدوارًا محددة عليهن. يمكن أن يتضمن ذلك تقييدات على الحريات الشخصية والمهنية.
الاعتبار أن النساء يمثلن أقلية يعتمد على السياق والتحليل الاجتماعي والثقافي، وهو لا يعني بالضرورة أن النساء هن أقلية من الناحية العددية. يهدف هذا الاعتبار في بعض الحالات إلى تسليط الضوء على التمييز والظلم الذي قد يتعرض له النساء وضرورة تحقيق المساواة بين الجنسين.
ويجدر بنا الإشارة إلى أن كل هذا يزداد سوءا في أوقات الصراعات والحروب والأزمات، كما الوضع حاليًا مع الأزمة الاقتصادية والسياسية في مصر. وبالطبع مع حالة الحرب في السودان وغزة. وهو ما سنخوض فيه تفصيلًا في المقال القادم.