"العلف" وخروج المزارع "مضطرًا" من دورة الإنتاج.. عن أزمة توفير كوب اللبن

 

"كيلو اللبن السايب بـ 25 جنيهًا.. هي الجاموسة بتاكل أيه؟".. يردد هذه العبارة كثير من المواطنين وهم يقفون بمحال منتجات الألبان حاليًا. يفتح هذا التساؤل الاستنكاري الممزوج بالحزن والرفض والشعور بالخيبة، تساؤلات واسعة حول أسباب ومستقبل الارتفاعات القياسية في الأسعار، حتى في القرى الواقعة في أعماق الريف.

يتسبب انخفاض سعر الجنيه المصري ( المستمر) في مقابل سعر صرف الدولار في أزمة عنيفة، تضررت معها العديد من الصناعات الغذائية تحديدا، وذلك بعد تراكم مستلزمات الإنتاج في الموانئ بسبب الشح الدولاري المطلوب توفيره للاستيراد.

خلال عام واحد، تغيرت أسعار الألبان بشكل ملحوظ بنسبة تتجاوز 35%  لتبلغ مستوى 25.25 جنيه في الأسبوع الأول من نوفمبر الحالي مقابل 16 جنيها في الأسبوع ذاته من العام الماضي، وسط انتقال قائمة الاتهام لسلاسل الإمداد المختلفة، فصاحب المحل يلقي بالتهمة على موزع اللبن والموزع يقول إن المُجمع هو السبب، والمجمع يلقي بالتهمة على المزارع.

في حين يقف المواطن عاجزًا أمام قرار الشراء، يجبره على دفع هذا المبلغ رغبته في تغذية أطفاله تغذية سليمة، تحميهم من أمراض سوء التغذية وتعينهم على المستقبل الذي يبدو مجهولًا.

اقرأ أيضًا:بائعات جائلات.. 10 جنيهات مُطاردة على رصيف الفقر

مربو الماشية هم الحلقة الأخيرة التي يتم اتهامها وهي الأضعف، يؤكد محمد الرفاعي مزارع بالغربية الذي يقول شاكيًا حاله: "أنت عارف الجاموسة الحلابة بقت بكام.. بـ 100 ألف جنيه .. يعني عربية ماشية على الأرض.. الجاموسة دي محتاجة مصروف يومي.. عايزة مرتب عشان كده تمنها غلي .. ولو ماتت تبقى قطمة ضهر للفلاح مش هيقوم منها تاني".

يشكو المزارعون من ارتفاع كبير في تكاليف تربية الحيوانات، طن الذرة البرازيلي بلغ 14 ألف و200 جنيه، وبذرة الصويا 40 ألف جنيه، وطن كسب صويا 46% محلي سجل 32 ألف جنيه، علاوة على الاحتياج لخدمات بيطرية خاصة في الأوقات التي تنتشر فيها الأمراض الموسمية مثل الجلد العقدي أو الحمى القلاعية والتي يتم فيها التخلص من ألبان الحيوانات المصابة بإلقائها في المصارف.

يقول الرفاعي لمنصة "فكر تاني": "الناس مفكرة إن الجاموسة بتجيب جراكن لبن زي ما بيشوفوا على النت.. أتخنها جاموسة في مصر بتجيب من 4 إلى 8 كيلو حسب سنها وموعد ولادتها.. الحصتين اليوميين لها بحوالي 140 جنيه.. بتاكل قدامهم بكام.. صدقني مكسب الفلاح في اليوم ما يزيدش عن 25 جنيه.. ما يعوضوش بهدلته تحت البهيمة"

المزارع.. المتهم البرئ

بالحديث مع عدد منهم، يؤكد المزارعون أنهم المتهمون دائمًا في كل الاتهامات الخاصة برفع الأسعار، رغم أنهم المتضررون الأوائل منها، فالمزارع -بحسب مقابلات في ريف محافظة الغربية- مُواطن في المقام الأول، لديه هو الآخر احتياجات يشتريها، ارتفعت أسعارها هي الأخرى كما كل السلع، لديهم أبناء يتلقون تعليمًا في مراحل مختلفة، وخدمات من كهرباء وماء وغيرها وهي أمور تحركت أسعارها.

يقول حسن نصر، مهندس زراعي وصاحب مزرعة صغيرة: شيكارة الردة 35 كيلو ارتفع سعرها لـ 400 جنيه تكفي الحيوان الواحد -لو بالغ- يأكلها في 7 أيام يعني الشهر بحوالي 2800 جنيه.. ده من غير ما نحسب التبن (عيدان القمح المطحونة).. يعني مرتب موظف بيتصرف عشان مكسب بسيط".

يضيف نصر لـ "فكر تاني": "الفلاحين فرحوا لما الحكومة أعلنت عن نشر مراكز جمع الألبان لكن المشكلة في ارتفاع العلف مش قادرين نربي.. الدولة لابد تدعمنا لو التربية رجعت زي الأول.. اللبن المحلي هيغرق السوق، ويبقى أرخض من البودرة المستورد.. ساعتها هنوفر للدولة الدولار".

اقرأ أيضًا:أطفال مصر يُسددون فاتورة التلوث

عربات تجميع اللبن.. انتشار واجه عقبات

انتشرت في الريف، حاليًا، عربات تجميع الألبان من المزارعين لصالح الشركات الكبرى، وبعضها وفر لهم ماكينات حلابة مخفضة، ما قلل المعروض في القرى لصالح شركات الألبان الكبرى، التي تبيع الكيلو بسعر يتجاوز 35 جنيهًا بعد التعبئة.

الحصر الميداني لوزارة الزراعة أكد وجود 826 مركزا لتجميع الألبان في 14 محافظة، لكن الدولة تبنت المشروع القومي لتطوير وإنشاء مراكز تجميع الألبان، شمل في مرحلته الأولى تطوير وإنشاء 205 مراكز، قبل أن يرتفع العدد إلى 282 على مستوى الجمهورية.

الدكتور حسام سلام، عضو لجنة الدعم الفني والمتابعة بوزارة الزراعة، يقول إن مراكز تجميع الألبان تستهدف توفير كوب لبن نظيف لكل مواطن، فقبل إطلاقه، يضيف سلام، كان العمل بذلك النشاط بعيدًا عن رقابة وزارة الزراعة إلى أن صدر القرار الوزاري بإصدار تراخيص تشغيل لمراكز تشغيل الألبان بإشراف قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة والهيئة العامة للخدمات البيطرية بشكل مباشر على مراكز التجميع.

البقرة تستهلك 150 جنيها يوميا.. ماذا يكسب الفلاح؟

لا تعلن تلك المراكز - تجميع الألبان - عن الحصيلة التي تستهدفها أو جمعتها، لكن صدام أبو حسين، نقيب الفلاحين، يتحدث عن العزوف عن تربية الأبقار الحلابة بسبب تكلفة التربية وارتفاع العلف، قائلا:"فيه ناس كتير باعت أبقارها جزارة للاستفادة من ارتفاع أسعار اللحوم خصوصًا إن 80% من المربين كانوا من الصغار.. يعني عندهم بقرة أو اتنين" .

وبحسب تقرير الثروة الحيوانية الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن أعداد رؤؤس الماشية في مصر بلغت 7 ملايين رأس عام 2022 مقابل سبعة ملايين و500 ألف رأس عام 2021 بنسبة انخفاض قدرها 4.8%.

وبلغ عدد الأبقار وهي أكثر إنتاجا للألبان، مليونين و809 ألف رأس عام 2021 مقابل مليونين و745 ألف رأس عام 2022 بنسبة انخفاض قدرها 2.2%، كما انخفضت أعداد الجاموس لتسجل عام 2022 عدد مليون و348 ألف رأس مقابل مليون و427 ألف رأس في العام السابق.

وارتفع سعر كيلو اللحوم قبل شهور ليصل في بعض الأماكن إلى 400 جنيه للكيلو وهو أمر أغرى المربين لزيادة العلف المقدم إليها وتسمينها وبيعها للجزارين باعتبار أن المكسب الناتج عن تلك العملية أفضل من انتظار العائد اليومي، بجانب التخلص من أعباء التربية.

يضيف صدام: "تكاليف أكل بقرة واحدة في اليوم ما تقلش عن 150 جنيه والرقم ده لا يتضمن التكاليف البيطرية أو التنظيف وفيه أبقار نفقت في الصيف بسبب الأمراض.. فيه محاولات حاليا من قبل صغار المربين لعودة إنتاج الألبان مع موسم البرسيم لكن المشكلة في سعر البقرة، سعر البلدي وصل لـ 80 ألف جنيه، والمستوردة عدت 100 ألف جنيه".

كيف نحل أزمة الاعلاف؟

يؤكد صدام لـ "فكر تاني"إن حل أزمة الألبان يتطلب دعم الزراعات العلفية وحل مشكلات توزيع الردة التي تشهد شبهة فساد وتباع للفلاح بأعلى من سعر القمح والفرق الذي يبيع به أصحاب المطاحن الردة بين السعر الرسمي والقطاع الخاص (السوق الحرة) يصل لـ 50%".

كان النائب أحمد عبدالماجد، عضو مجلس الشورى، كشف في يونيو الماضي عدم صرف حصة النخالة الشهرية من الردة طبقا لقرارات وزير التموين المنظمة لذلك، ما تسبب بدوره في عزوف قطاع كبير من المربين عن التأمين على الرؤوس لدى صندوق التأمين علي الثروة الحيوانية.

توفر وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي للمزارعين، من خلال صندوق التأمين على الثروة الحيوانية، مجموعة من المميزات والخدمات، من أبرزها صرف تعويضات للمربين المأمنين لديه تصل إلى 100%، بجانب رعاية طبية مجانية طوال فترة التأمين، وأعلاف ذات جودة عالية وبأسعار تنافسية من المصانع التابعة للصندوق.

لكن النائب، كشف حينها عن وجود محسوبية في الصرف من المطاحن، حيث يتم الصرف لحائزي رخص الأعلاف بشكل منتظم والذين يقومون ببيعها في السوق الحرة بزياده 200 جنيه، في حين لا يتم الصرف بانتظام للمربين، الأمر الذي يساعد في زيادة الفجوة، ويهدد الأمن الغذائي وارتفاع أسعار اللحوم الحمراء والألبان ومشتقاتهم.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة