جيش من المرتزقة.. الاحتلال الإسرائيلي وتاريخ القتل بالوكالة

في عام 2007، كتب الفلسطيني حافظ البرغوثي عن وحدة القناصة الشيشانية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، والتي تكونت بعد أن نشط سماسرة ومنظمات يهودية في استقدام المقاتلين الشيشان الذين سبق وأن قاتلوا لصالح جيش الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه مطلع تسعينيات القرن الماضي.

يقول البرغوثي: "كان جيش الاحتلال وقتئذ يعاني نقصًا في العناصر البشرية حيث يحجم ما نسبته 52 في المئة عن الخدمة العسكرية لأسباب دينية"، ما يفتح الطريق أمام تجنيد "مرتزقة" من الخارج لسد النقص في التجنيد لديهم، كما سمح لأول مرة للنساء بالتجنيد في كافة أفرع الجيش لتعويض النقص المتصاعد، وأيضًا سُمح بتجنيس الشيشان ومنحهم صفة يهودي بعد إغداق الأموال عليهم بشكل مبالغ.

جنود في مركبة مدرعة إسرائيلية في جنوب إسرائيل، الخميس 2 نوفمبر 2023 (وكالات)
جنود في مركبة مدرعة إسرائيلية في جنوب إسرائيل، الخميس 2 نوفمبر 2023 (وكالات)

المرتزقة مقابل 3900 يورو أسبوعيًا

كشفت جريدة "الموندو" الإسبانية في تقرير حديث لها، عن تزايد أعداد مقاتلين من المرتزقة ضمن صفوف قوات الاحتلال التي تشن حرب إبادة على قطاع غزة الفلسطيني على الحدود مع مصر منذ السابع من أكتوبر الماضي، وفي تقريرها أجرت مقابلة مع المرتزق الإسباني "بيدرو فلوريس" المعروف بانتمائه للنازيين الجدد، والتي أعلنت روسيا عن مكافأة مالية مقابل تسليمه. وحسب وصفه فإنه يعمل الآن لصالح قوات الاحتلال مقابل أموال طائلة، حيث يتقاضى 3900 يورو أسبوعيًا.

يقول فلوريس: "نحن مسؤولون عن أمن نقاط التفتيش ومراقبة الدخول على حدود غزة والأردن. هناك العديد من الشركات العسكرية الخاصة هنا وهم يتقاسمون العمل. عادة يقومون بحراسة المنافذ الحدودية بين إيلات والعقبة". وهو ما يوضح حجم الأموال التي تستثمرها قوات الاحتلال لتغذية النقص العددي والنوعي في صفوفها.

ولكن ما الذي دعا كيان الاحتلال إلى استخدام مرتزقة؟ 

الهروب من التجنيد

حسب دراسة حديثة عنوانها: "مخطط محدّث لنموذج الخدمة العسكرية في إسرائيل"، فإن النظرة داخل مجتمع المستوطنين الإسرائيليين بشأن الانضمام إلى جيش الاحتلال على أنه ضرورة للاندماج الداخلي، خفت مع مرور الوقت؛ نتيجة تأثيرات سلبية على الاقتصاد الداخلي بسبب تأخر خروج الشباب إلى سوق العمل، بعد تنفيذهم التجنيد الإجباري (يمثل حالياً 32 شهرًا للرجال و24 شهرًا للنساء). حيث لا تنقطع صلتهم تمامًا بالجيش، فبعد انتهاء فترة الخدمة الإجبارية، يستمر جزء صغير من المجندين في الجيش في "الخدمة الدائمة"، وجزء آخر ينضم إلى نظام الاحتياط، في حين يتم منح البقية إعفاءً من الخدمة الإلزامية.

جنود في الجيش الإسرائيلي (وكالات)
جنود في الجيش الإسرائيلي (وكالات)

علاوة على ذلك، هناك صعوبة في تقبل الخدمة الإلزامية وسط الأجيال الشابة خصوصًا التي تنتمي لإيديولوجيات ليبرالية أو دينية متطرفة.

اقرأ أيضًا: إسرائيل ونهاية العالم

كما أن أكثر بقليل من نصف المطلوبين للتجنيد -وفق تقديرات، يقعون في الفئة العمرية 18 عامًا، ومن بينهم؛ حوالي 31 في المئة، يرفضون الالتحاق بالجيش لأسباب متعلقة بزيادة نسبة الإعفاءات من الخدمة العسكرية (وفق إحصاءات في العام 2020، زادت نسبة المعفيين من الخدمة العسكرية بسبب أسباب نفسية أو طبية، وصلت إلى 11.9 في المئة من الرجال. بزيادة 50 في المئة مقارنة بعام 2018).

ويُعزى هذا الارتفاع في الإعفاءات إلى زيادة في معدلات الاكتئاب والقلق بين المستوطنين الشباب، وأيضًا زيادة نسبة العرب الفلسطينيين، إضافة إلى اليهود الحريديم إلى 16.5 في المئة من مجمل المطلوبين للتجنيد، والذين يرفضون الخدمة في صفوف جيش الاحتلال.

نتيجة ذلك، تصاعدت حدة النقاش بين اتجاهين أحدهما يرى ضرورة الاستمرار في تجنيد المستوطنين في الجيش النظامي، في حين يتزايد المؤيدون للاتجاه الثاني (الشباب من سن 18-35 عامًا) الذين يرون ضرورة تكوين جيش الاحتلال على أساس التطوع مقابل رواتب مدفوعة سواء من المستوطنين أو استجلاب جنود مرتزقة.

وحسب الدراسة، فإن نسبة المؤيدين للاتجاه الأخير تصاعدت إلى 47 في المئة من المجتمع الإسرائيلي منذ العام 2021. وهو ما استدعى زيادة أعداد المرتزقة لتعويض النقص المتصاعد من الجنود المدربين في ظل تنامي عمليات عسكرية تقودها المقاومة الفلسطينية ضد جيش الاحتلال.

تاريخ من استخدام المرتزقة 

تظهر الدراسات أن استجلاب مرتزقة ممارسة قديمة لجيش الاحتلال، فمنذ العام 1950 شرعت السلطات المتعاقبة على زيادة الأعداد المنضمة، أيضًا خصصت ميزانيات ضخمة للارتقاء بالمرتزقة وتطوير عملهم.

وحسب العسكري المتقاعد أليعازر إسحق، في دراسة له، فإن التدرج في زيادة المخصصات المالية ملحوظ للغاية؛ حيث بدأت بـ 350 ألف شيكل عام 1950 و450 ألف شيكل عام 1952 و600 ألف شيكل عام 1956، ثم مليون شيكل عام 1960، ومليون ومائتي ألف شيكل عام 1963، ومليون ونصف المليون شيكل عام 1967.

اقرأ أيضًا: "لو لم تكن لاخترعناها".. أمريكا تنزع "رداء الأخلاقيات" دومًا لإسرائيل
مرتزقة أجانب في صفوف الجيش الإسرائيلي (وكالات)
مرتزقة أجانب في صفوف الجيش الإسرائيلي (وكالات)

وفي عام 1974 خصّصت رئيسة الوزراء جولدا مائير مليونًا ونصف المليون شيكل لنفس الغرض، وفي عام 1978 رصد رئيس الوزراء مناحيم بيجن  مليوني شيكل، وتتابعت الزيادات إلى أن وصلت في عهد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتانياهو إلى نحو 7 ملايين شيكل.

واستمر الوضع مع تولي أرئيل شارون رئاسة الوزراء، حيث قرّر في بداية العام 2002 تخصيص مبلغ 6 ملايين شيكل للارتقاء بعمل المرتزقة، خاصة مع تصاعد أحداث الانتفاضة والعنف الناجم عنها في الأراضي الفلسطينية.

تزايد في المرتزقة الروس

ويشير إسحق في دراسته التي نشرت في العام 2002 إلى أن أعداد المرتزقة تزايدت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وتدفق أعداد المهاجرين الروس والقادمين من أوروبا الشرقية إلى الكيان الصهيوني (تزايدت إلى 7365 مرتزقًا طبقًا للمعهد العسكري الإحصائي التابع لجيش الاحتلال في العام 2002). ويكشف أن القيادات العسكرية داخل جيش الاحتلال تحدد تسعيرات هؤلاء المرتزقة نظير قتل العرب، حيث يمنح 7 آلاف دولار عند قتله عضوًا من المقاومة الفلسطينية و14 ألف دولار عند قتله أحد زعماء الجماعات الفلسطينية المسلحة البارزة و28 ألفاً عند قتله أحد أعضاء القيادة العليا.

وبالتأكيد فإن تلك التقديرات ارتفعت منذ العام 2002 إلى الوقت الحالي، لكن لم تتوفر إحصائيات محددة منشورة، سوى بشأن برنامج الجندي الوحيد، وهو برنامج لاستدعاء مرتزقة بدون عائلات إلى الأراضي المحتلة، وصل عددهم حسب تقديرات إلى 7 آلاف شخص هذا العام.

ويعد تجنيد المرتزقة خاصة من أوروبا مسؤولية رئيسية لمنظمات ترتبط بشكل مباشر بجماعات يهودية ومسيحية يمينية داخل الساحة الأوروبية؛ ومن أبرزها منظمة "ماحال" العاملة في 40 دولة في العالم منذ حرب العام 1948، وتمتلك مكتبًا في العاصمة البريطانية لندن، وتهدف إلى تجنيد المتطوعين وتدريبهم، من خلال برامج توعوية تمتد لـ 18 شهرًا، باشتراط أن يكون عمر الشاب أقل من 24 عامًا، وعمر الفتاة أقل من 21 عامًا.

أيضًا هناك جمعية "سراييل" والتي تقوم بنشر إحصائيات للمتطوعين على موقعها الإلكتروني بعيدا عن السرية، ومنظمة الدفاع اليهودية الفرنسية ومنظمة آيش مالاش، ومارفا. وطبقا لتقرير صادر عن وحدة البحث والمعلومات في الكنيست، بلغ متوسط المرتزقة الذين حضروا إلى الأراضي المحتلة بدون عائلاتهم في الجيش خلال الفترة ما بين 2002-2012 نحو 5500 جندي في السنة الواحدة. ووفق تقرير سابق للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فهناك نحو 200 متطوع من هولندا سنويًا في جيش الاحتلال الإسرائيلي، غالبيتهم من الاتحاد المسيحي المتشدد، في حين قدم بعض المرتزقة من دول عدة بينها دول اسكندنافية مثل السويد، ويتزايد أعداد الألمان والإيطاليين المنضمين إلى صفوف الاحتلال سنويًا بشكل كبير.

وبالعودة إلى بيانات منشورة سابقًا بعد هجوم الاحتلال على غزة في العام 2014، فإن ما بين 800 إلى 1000 متطوع أجنبي غير إسرائيلي ينضمون لجيش الاحتلال سنويًا، فيما يتطوع أيضًا للجيش نحو 4600 متطوع من مزدوجي الجنسية من جميع أنحاء العالم في الخدمة الفعلية أو الاحتياطية.

انتهاك قانوني

وفق الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي تنتهك بشكل صريح القانون والمواثيق الدولية، حيث تنص الاتفاقية على أن: "كل شخص يقوم بتجنيد أو استخدام أو تمويل أو تدريب المرتزقة، يرتكب جريمة". كما لا يجوز للدول تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم لغرض مقاومة الممارسة الشرعية لحق الشعوب غير القابل للتصرف في تقرير المصير، وعليها أن تتخذ الاجراءات المناسبة، وفقاً للقانون الدولي، لمنع تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم لذلك الغرض.

وعلى الهامش، يذكر أن أبحاث ودراسات دولية اهتمت بالبحث حول تنامي ظاهرة المرتزقة في منطقة الشرق الأوسط والبلدان العربية. ووفق بعضها، تزايدت استعانة بعض الحكومات أو المنظمات بهم في العقدين الأخيرين، ومنها كيان الاحتلال، إضافة إلى تكثيف تواجدهم في مناطق النزاعات في اليمن وسوريا وليبيا والعراق.

وأشارت الأبحاث إلى استعانة الإمارات العربية المتحدة بأعداد من المرتزقة وصل عددهم إلى 1800 جندي، لمحاربة الحوثيين في اليمن، جاءوا من دول أمريكا اللاتينية مثل كولومبيا وبنما والسلفادور وتشيلي، نظرًا لانخفاض أجورهم في مقابل المرتزقة من الأمريكيين والأوروبيين.

أيضًا استقدمت المملكة العربية السعودية مئات من المرتزقة الأفارقة للقتال في اليمن، جاءوا من السودان وتشاد وإريتريا. فيما يظهر أن خيار الاستعانة بالمرتزقة في تنفيذ مهام محددة وصعبة هي من الخيارات الأولى لدول النفط العربي الغنية خصوصًا قطر والإمارات والسعودية.

.. ويبدو أن عدوى الاستعانة بالمرتزقة انتقلت من الكيان الصهيوني إلى دول عربية أخرى، لتظهر المسألة على أنها مشكلة جديدة تواجه المنطقة المشتعلة من الأساس، في الوقت الذي يجب -وفق مختصين- أن ترفع الدول العربية أصواتها معترضة على إبادة الشعب الفلسطيني عن طريق تلك التشكيلات.

1 تعليق

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة