وصلني اليوم دعوة لحضور مؤتمر عالمي أونلاين عن العدالة المناخية. ابتسمت قليلا، وسألت نفسي حول مصداقية عالم يبحث عن العدالة المناخية ويترك آلاف البشر يتحولون إلى أشلاء أمام أعيننا جميعا، هل أجسامهم هي النفط الجديد؟ هل تتحول أجسامهم إلى أوكسجين نظيف يستنشقه العالم الأول وهو ينعم بتحقيق تلك العدالة المناخية المزعومة؟
منذ أكثر من 20 يومًا، نشاهد على شاشات الهواتف والتليفزيونات أخبار مجازر متتالية يقوم بها الكيان الصهيوني في حق شعب قطاع غزة، حتى الآن هناك ما يقارب 9000 شهيد وأكثر من 12 ألف جريح، هذه الأحداث تذكرنا بنكبة 1948 لكن تختلف هذه لأننا جميعا نشاهد بثًا مباشرًا لما يحدث ولا نستطيع أن نفعل شيئا.
تغرد الناس حول العالم على موقع تويتر سابقا، والفيس بوك وكذلك انستجرام وتيك توك مع كل مجزرة وكل شهيد/ة يسقط، يناشدون العالم ليتحرك ويتدخل لإنقاذ شعب تمارس عليه الإبادة الجماعية صوت وصورة من قبل عدو لا يعترف بأية قوانين دولية، ولا يحترم أي معاهدات ولا يحتكم لأي عقل أو إنسانية.
اقرأ أيضًا أطفال مصر يُسددون فاتورة التلوث
لكن يأتي الرد على هيئة تخاذل عالمي وإدانات عربية متتالية تستخدم فيها عبارات شجب وتنديد وإشارة للقانون الدولي، وكذلك يأتي موقف الإعلام الغربي المتحيز والذي قرر أن بداية القصة كانت في 7 أكتوبر وتناسى عقود طويلة من القتل والمجازر على يد هذا الكيان الاستيطاني، ثم توقف هذا الإعلام عند هذا اليوم تارك خلفه كل هذه المجازر التي تتم منذ ذلك اليوم في حق شعب معزول تمامًا ومحروم من حقه في الماء والغذاء بل ويمنع عنه الدواء والوقود وكل أساسيات الحياة التي قد تساعده على الصمود في وجه المعتدي.
تناول تقرير لمنظمة "نيو هيومانيتاريان" الحقوقية ومقرها سويسرا، منتقدة أداء الإعلام الغربي وتغطيته للأحداث في قطاع غزة، مؤكداً أنه لا يرى المعاناة الإنسانية للفلسطينيين، "لأن الاستعمار والتفوق الأبيض والتمييز الديني لا تزال جميعها هي العدسة المهيمنة التي تنظر من خلالها الدول والمؤسسات والشعوب ووسائل الإعلام في الغرب إلى العالم على الرغم من المصالح الجيوسياسية".
كشف العالم عن وجه قبيح، كنا نسمع عنه في التاريخ الإنساني لكننا لم نعاصره كهذه المرة، نجحت السوشيال ميديا في أن تسجل معالم هذا الوجه وتفاصيله في كل لحظة تعامل فيها العالم مع الفلسطينيين وكأنهم لا يستحقون التعاطف ولا الحياة. يندد العالم كله بما خسرته إسرائيل في يوم واحد غير مهتم بما تخسره فلسطين لعقود طويل وما خسرته مجدد لمدة أكثر من 20 يومًا حتى الآن.
يتحكم العالم الأول في مصير أكثر من اثني مليون مواطن فلسطيني، يشاهدون قتلهم ويصدقون عليه تحت مظلة مكافحة الإرهاب، يغضون الطرف عن استهداف المدنيين العزل، استهداف البنية التحتية وتعطيل الطاقة والكهرباء وقطع المياه وقصف المستشفيات والملاجئ وحرمانهم من حق العلاج والتعافي وكذلك حق الحصول على الغذاء والاحتياجات الأساسية، ومصادرة المنازل والأراضي والحرمان من الجنسية والانتهاك والتجاهل المتعمد للقوانين الدولية واستخدام الأسلحة المحرمة على مستوى العالم ضد الفلسطينيين، وتزيف الحقائق وتشويه الآثار التاريخية، وممارسة الإرهاب الدولي، وفرض حصار كامل على آلاف من المدنيين بالإضافة إلى التمييز الديني والإبادة الجماعية.، وتتجاهل كل حكومات العالم إرادة شعوبها التي خرجت ونددت بكل ذلك وطالبت بوقف إطلاق النار بسبب مصالحهم السياسية مع الكيان الصهيوني.
نقف اليوم على خطوات من إيماننا بالحرية وحقوق الإنسان. هل كل ذلك كان مجرد إطار وهمي لا وجود له على أرض الواقع، ألا يوجد فرق بين بلادنا وبلاد العالم الأول صاحب شعارات حقوق الإنسان، هل سنظل في كل مكان في هذا العالم مواطنين درجة أقل لا نستحق التعاطف ولا نملك أي حقوق؟
الحقيقة أن لا فرق بيننا وبين هؤلاء القتلى. يرانا هذا العالم في كفة واحدة مجرد أرقام وأقصى ما يمكن أن يقدمه لنا هي دعوات تهدئة الأوضاع بعد قتل الآلاف منا. قد يظن البعض في دول عربية أخرى أنهم على مسافة ممن يُقتلون وتغتصب أرواحهم، يظنون أنهم محميون بأموالهم أو برفع أيديهم عن تلك القضية، إلا أن الحقيقة التي يثبتها العالم كل يوم، أننا جميعا في هذه البقعة البائسة لا نساوي شيئا، جميعنا مجرد أرقام في كفتهم.
نحن مواليد العالم الثالث، كنا نظن أن هناك مفر من جحيم اللا إنسانية، كنا نحلم أن خارج تلك القضبان عالم يحترم إنسانيتنا ويقدر أرواحنا ولن يقف مكتوف الأيدي يبارك موتنا وقتلنا وتقطيعنا لأشلاء، كنا نظن أن حراكنا كحقوقيين هو حراك حقيقي، ما يحدث الآن جعلنا نشك في هذا كله، والحقيقة الوحيدة هي أننا نشعر جميعا بالوحدة والخوف، يرانا العالم صاحب القوة بلا ثمن ونراه وحشي مجرم ملطخ بدمائنا.