لجأت الحكومة إلى تقليص إمدادات الغاز الطبيعي لشركات الأسمدة العاملة في البلاد، تخفيفًا للضغط على طلب الغاز محليًا، بعد توقف الإمدادات الواردة من الخارج تمامًا، والتي كانت تقدر بـ 800 مليون قدم يوميًا، أوقفتها إسرائيل في 9 أكتوبر الجاري.
يمثل الغاز الطبيعى 70% من مكونات الأسمدة الآزوتية للطاقة أو كمادة خام لإنتاج الأمونيا والمنتجات النهائية من اليوريا والنترات. وبالتالي، فإن مصانع الأسمدة الأكثر استهلاكًا للطاقة في عمليات الإنتاج من بين القطاعات الصناعية المختلفة.
اقرأ أيضًا: كيف فصلت إسرائيل "سكينة الكهرباء" عن المصريين؟
وتلقت شركات الأسمدة إخطارات رسمية من الحكومة بتقليص الإمدادات، مع استمرار انقطاع الكهرباء عن المنازل وزيادة مدته إلى ساعتين بدلًا من ساعة واحدة.
تستهلك مصانع الأسمدة نحو 600 مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي. فيما تبلغ حصة القطاع المنزلي والتجارى والسيارات نحو 225 مليون قدم، ومصانع الحديد والصلب 125 مليون قدم، والحرارايات (السيراميك والطوب) 500 مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز.
وكشفت شركة مصر للصناعات الكيماوية، في بيان للبورصة المصرية، عن تراجع ضغط الغاز الوارد إلى مصانعها. لكنها أكدت عدم تأثر الإنتاج، لتدبيرها مخزونًا من المنتجات.
وذلك على عكس شركة الصناعات الكيماوية المصرية "كيما"، التي أعلنت توقف إنتاج مصانع اليوريا بها لمدة 3 أيام، نتيجة إجراء أعمال الصيانة اللازمة لبعض الوحدات اعتبارًا من 29 أكتوبر الجاري، ولتراجع كمية الغاز الموردة إليها. وأشارت إلى أن تأثرها بنقص الإمداد بالغاز غير ملحوظ لامتلاكها كذلك مخزونًا استراتيجيًا من جميع منتجاتها الرئيسية.
أزمة الغاز.. هل تتأثر قيمة مصر التصديرية؟
يقول عضو مجلس إدارة إحدى شركات الأسمدة -طلب عدم ذكر اسمه: "ما لحقناش نفرح بعودة الضخ الكامل للغاز الطبيعي في أغسطس الماضي إلا وعادت المشكلة أسوأ من الأول.. الحكومة تتعامل مع متطلبات عديدة منها إنتاج الكهرباء للبيوت وعقود تصدير الغاز.. والأزمة الحالية غير متوقعة".
تمتلك مصر 8 مصانع تنتج سماد اليوريا. ويصل حجم الإنتاج من هذه المصانع إلى أكثر من 7 ملايين طن سنويًا، تُستهلك 3 ملايين طن منها محليًا، ويتم تصدير باقي الكمية.
يضيف المصدر في حديثه لـ"فكر تاني": "الشركات كلها عندها مخزون كفاية لإنتاج اليوريا.. ونقص الكميات الموردة مش هيأثر على التشغيل وساعات العمل، وحتى لو أثر ممكن نعوض الكميات التي كان مفروض ننتجها، خصوصًا أن السوق العالمي معتمد على المنتج المصري بعد الحرب في روسيا وأوكرانيا".
شهدت الصادرات المصرية من الأسمدة وفقًا لإحصائيات المفوضية الأوروبية ارتفاعًا ملحوظًا خلال 2022، بلغت نسبته نحو 187.5%، بقيمة 3.4 مليار دولار، مقابل 2.3 مليار دولار خلال 2021.
واحتلت مصر المركز السادس عالميًا في إنتاج اليوريا، وهي خامس أكبر دولة عالميًا في صادرات الأسمدة، تسبق العديد من الدول بأوروبا وشرق آسيا، مستفيدة من الأزمة الروسية الأوكرانية، خاصة وأن الدولتين تحتلان مرتبة عالية في صادرات الأسمدة. فمنذ الحرب دخلت مصر أسواق جديدة كدول الاتحاد الأوروبي بديلًا للمنتج الروسي، حسب تقرير لوزارة قطاع الأعمال العام.
اقرأ أيضًا: بلومبيرج الشرق: أزمة الدولار تنذر بعودة تكدس البضائع في الموانئ.. وتوقعات بوصوله إلى 35 جنيه
الغاز.. تؤثر على الصناعة المحلية
الأحد، أعلن مجلس الوزراء، انخفاض صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر تدريجيًا منذ يوليو الماضي، من 800 مليون قدم مكعب يوميًا إلى (صفر)، بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وكانت هذه الكميات تصل مصر منذ يناير 2020 لتسييلها وإعادة تصديرها إلى أوروبا.
في مواجهة الضغط، اضطرت شركات الكهرباء لزيادة فترات تخفيف الأحمال إلى ساعتين يوميًا، في خطوة تم تبريرها بالارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة عن مثيلاتها في الفترة ذاتها من العام السابق، ما أدى إلى زيادة استهلاك الكهرباء بصورة مرتفعة مع انخفاض الطاقة المولدة من المصادر الجديدة والمتجددة (الرياح - الشمسية - المائية)، وكذا نقص الواردات من الغاز.
تخفيض الغاز يضرب التصدير
خلال مؤتمر صحفي حضرته "فكر تاني" على هامش افتتاح معرض أجرو إيجيبت 2023، قال رئيس المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة خالد أبو المكارم: "المجلس يستهدف معدل نمو للتصدير ما بين 25 و30% في صادرات الأسمدة المصرية خلال 2023.. حصة قطاع الكيماويات 25% من صادرات مصر غير البترولية خلال 2022، يعني حوالي 9 مليارات دولار".
وأضاف أبو المكارم: "خفض تزويد المصانع بالغاز الطبيعي له تأثير على صادرات القطاع.. التأثير ده هيظهر في الربع الأخير من 2023، خاصة أنه تزامن مع أزمة توفير الدولار عشان استيراد المواد الخام من الخارج".
عندما خفضت الحكومة في يوليو الماضي كميات الغاز الموردة للمصانع، توقع المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة تأثر إنتاج المصانع تراجعًا بنسبة تتراوح بين 20 و30%، في ظل وجود مصانع تعتمد في إنتاجها بشكل كلي على الغاز الطبيعي. ذلك إلى جانب تأثر الكميات المتعاقد عليها بالتصدير بتراجع الإنتاج.
الزراعة المصرية.. متضرر دائم
وفي تقريرها بشأن اقتصاديات صناعة الأسمدة الكيماوية في مصر، طالبت اللجنة المشتركة من لجنتي الزراعة والري والطاقة والبيئة والقوى العاملة بمجلس الشيوخ، بإيجاد حل نهائي وجذري لمنظومة إنتاج واستهلاك وتوزيع وتصدير الأسمدة، وفق جداول وبرامج زمنية ملزمة للأطراف المعنية مع مراعاة المتابعة المستمرة الشهرية للاكتشاف المبكر لاحتمالات وقوع أزمات وعدم انتظار وقوع الأزمة حتى يتم البدء في التعامل معها.
يقول حسين أبو صدام نقيب الفلاحين، في تصريحات لـ"فكر تاني": "الطلب على السماد يقل في الموسم الصيفي عن الشتوي.. في الصيف الحرارة المرتفعة تزود عدد مرات الري وبتزود معاها استهلاك السماد الكيماوي.. وبالتالي لو خفضت المصانع إنتاجها لن يتضرر المزارع كثيرًا.. لكن ارتفاع أسعار الأسمدة يزود تكاليف الإنتاج.. وطبعًا هيرفع أسعار السلع الغذائية".
وسجل الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين للحضر، الذي أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 10 أكتوبر 2023، 38.0% في سبتمبر 2023 مقابل 37.4% في أغسطس 2023، وكانت السلع الغذائية العامل الاساسي في ارتفاعه.
يضيف أبو صدام: "يجب على الحكومة فرض رقابة على سوق السماد.. كبار التجار بيقوموا دايمًا بعمليات تخزين عشان يرفعوا الأسعار والأسمدة المدعمة بيتم تهريبها عن طريق الجمعيات الزراعية إلى السوق السوداء رغم أن الفلاح من المفترض أن ينتفع بها".