مع ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق السوداء لمستويات قياسية، خفف البنك المركزي من قواعده الصارمة على استخدام البطاقات الائتمانية للخارج، التي قال إنها أُسيء استخدامها من قبل بعض المضاربين، بإجراء مسحوبات نقدية من الخارج دون السفر فعليًا، لكنه في الوقت نفسه أبقى على حظر بطاقات الخصم المباشر.
وسجل الدولار في السوق السوداء قفزات متتالية من مستوى 40 جنيهًا إلى 47.5 جنيه، منذ أن أصدر البنك تعليماته بمنع استخدام بطاقات الخصم المباشر بالخارج، وقصر استخدامها على السوق المحلية، وكذلك تقنين استخدام البطاقات الائتمانية.
بطاقات الخصم المباشر تصدر بالجنيه المصري، لكنها تسمح لحامليها بالشراء من خارج مصر أو السحب النقدي بعملة الدولة التي يتواجدون فيها دون حدود، على أن يتولى البنك الذي يصدر البطاقة، التسوية والسداد بالدولار، أما البطاقة الائتمانية فلها نفس الاستخدام، لكن بسقف ائتماني محدّد وبعمولة أعلى للاستخدام.
وعاد البنك المركزي ليفتح حدود الاستخدام المقررة بالكامل للبطاقة الائتمانية لأي عميل دون الحاجة لتقديم أي مستندات بمجرد قيامه بالاتصال بخدمة العملاء بالبنك المصدّر للبطاقة أو زيارته أحد الفروع لهذا الغرض، على أن يلتزم العميل خلال فترة 90 يومًا من فتح تلك الحدود بالتقدم إلى البنك المصدّر للبطاقة، بما يثبت أن استخدامه للبطاقة كان أثناء سفره للخارج من خلال أختام المغادرة والوصول على جواز السفر الخاص به، أو بإرسال ما يثبت استمرار تواجده بالخارج إذا تجاوزت الفترة 90 يومًا.
ضوابط البطاقات تنعش السوق السوداء
يقول "محمود. م"، مهندس تقنية: "وقف البطاقات خلى كل اللي شغالين في التجارة الإلكترونية يجروا على السوق السوداء ومحال الدهب، الناس دي بتشتري بأي سعر لأنهم كدا كدا هيضيفوا الزيادة على الحاجات اللي بيجيبوها في التسعير والزبون هو اللي هيتحمل".
ويرى "محمود"، في حديثه لمنصة "فكر تاني" إن قرارات البطاقات التي توالت أصابت السوق بحالة من الفزع. يقول: "حتى اللي مش عايز دولار دلوقتي أو عنده تجديد موضع بعد شهور راح وفر احتياجاته بأي سعر، خاصة وأن البعض ربطها بوجود تعويم قريب والشائعات ملت السوق".
اقرأ أيضًا: وقف بطاقات الخصم المباشر.. شركات تهدد بالهروب ومصرفيون يحذرون من تفاقم الأزمة
مع إصدار البنك المركزي تعليمات إلحاقية بتخفيض قواعد استخدام البطاقات الائتمانية، تراجع الدولار في السوق السوداء 3 جنيهات دفعة واحدة مع التخفيف من حدة الطلب، لتبلغ العملة الأمريكية متوسط 44.75 جنيه في آخر التداولات، مع انخفاض الطلبيات الصغيرة التي زادت وتيرتها بعد وقف البطاقات.
يقول مصدر مصرفي مسؤول: "البنك المركزي حاليًا يضبط استخدام بطاقات الخصم المباشر والائتمان.. ضبطيات مصلحة الجمارك في الموانئ المصرية كشفت عن إساءة استخدامها في عمليات استيراد. بعض الأشخاص في المطارات عثر معهم على مئات البطاقات بأسماء مختلفة.. البحث أكد أن الناس دي ما سفرتش أصلًا وليها مشتريات تمت من بره".
تخفيف لكن بعقوبات
كانت التعليمات السابقة التي تم تخفيفها تنص على فتح وتفعيل الحد الائتماني الأقصى الممنوح للبطاقة الائتمانية للاستخدام في الخارج بمجرد قيام العميل بالتواصل مع مركز خدمة العملاء بالبنك المصدر للبطاقة وإخطارهم بسفره للخارج وفق الإجراءات التنظيمية المطبقة لدى البنك. ولحين تلقي البنك المصدر إخطارًا من العميل لتفعيل الحد الائتماني للبطاقة يكون هناك حد أقصى شهريًا لاستخدام البطاقة الائتمانية وفقًا لما يقرره كل بنك مع وضع
رقم استرشادي عند 250 دولارًا.
لكن المسؤول المصرفي يقول لـ"فكر تاني": "البنك المركزي سهل الاستخدام، لكنه في الوقت ذاته وضع عقوبة، فالعملاء غير الملتزمين سيتم تبليغ الشركة المصرية للاستعلام الائتماني I-Score عنهم تمهيدًا لوضعهم على القائمة السلبية ضمن المحظور عليهم إصدار بطاقات ائتمانية أو الاستفادة من الخدمات المصرفية في المستقبل، مع إبلاغ الجهات المعنية لاتخاذ قرارات أخرى تجاههم".
بطاقات المسافرون.. الضرر الكبير
أثار قرار البنك بشأن بطاقات الائتمان حالة من الجدل، خاصة مع تضرر عدد كبير من المسافرين مثل كريم منير، الذي يقول: "ما ينفعش يتقفل علينا.. أنا بلغت البنك بوجود رحلة بإخطار رسمي على الموقع الرسمي.. قرار وقف البطاقات جه وأنا بره مصر.. ساعتها ما كنتش لاقي أسكن ولا أكل ولا أشرب، والدولارات اللي في جيبي ملهاش لازمة".
ويضيف في حديثه لـ"فكر تاني": "ياريت يكون فيه لجنة مركزية لاتخاذ القرار وتدارس تبعاته.. مش عايزنا نسافر متدينيش كارت فيه ليمت كذا ألف دولار وأطلع بره ألاقيهم اتشالوا، كده أنت بترميني في الشارع حرفيًا.. رسالة البنك جت لي قبل ما أدخل رسيبشن الأوتيل بدقايق، والأوتيل مدفوع، لكنه مصمم على مبلغ تأمين، وده أصبح غير متاح في دقيقة بسبب قرار غير مدروس، ومدير الأوتيل تفهم الوضع وعداه علي مسؤوليته الشخصية لأني جاي من دولة تانية".
لماذا بطاقات الائتمان؟
يقول الدكتور رمزي الجرم، الخبير المصرفي، إن استخدام بطاقات الائتمان كان بديلًا لبطاقة الخصم المباشر. لكن العمولة المقررة عليها مرتفعة إلى حد يجعل استخدامها لأفراد بحاجة شديدة إلى تدبير العملة، ولا يتم من خلالها تحقيق مكاسب شخصية.
ويضيف، في تصريحاته لـ"فكر تاني"، إن كثير من المصريين بالخارج استغلوا بطاقات الخصم المباشر لتحقيق مكاسب شخصية على حساب استنفاذ موارد النقد الأجنبي الشحيحة، الإحصائيات تشير لاستنفاذ 5 مليارات دولار من يونيو 2022 إلى 2023، وهذه القيمة تعادل ضعف الفترة نفسها من العام الماضي التي بلغت 2.25 مليار دولار فقط.
ووفق "الجرم"، فإن البنك المركزي رصد عمليات سحب مشتريات عن طريق بطاقات الخصم المباشر في نهاية العام الماضي، بما يعادل 55 مليون دولار في يوم واحد فقط. وبالتالي، فإن قرارات المركزي تحافظ على موارد النقد الأجنبي من استخدام ممارسات سلبية من قبل الكثير من المواطنين.
لكن "الجرم" يقول إن وقف بطاقات الخصم له تداعيات سلبية على الدارسين والعلاج ما يفرض توفير وسائل أخرى، تتيح لهم وللشركات التي لديها فروع بالخارج، وتحتاج إلى تدبير مشترياتهم أثناء تواجدهم خارج البلاد. إلى جانب تحديد المدة الزمنية التي تتعلق بالقرار، مع إمكانية قيام المواطن بفتح حساب في بنك محلي بالعملة الأجنبية، ويتم السحب بالعملة ذاتها بخارج البلاد.