أمريكا والصراع في الشرق الأوسط

وهكذا وجد العراق نفسه منهارًا بعد الغزو الأمريكي، ولم يستقر حتى اليوم، والسعودية مهمومة بحدودها الجنوبية مع اليمن، واليمن في الداخل مشتت، وسوريا دمرتها التدخلات الأجنبية، ولبنان أصابتها الشعارات الطائفية والمذهبية، وليبيا تكاد أن تصبح دولتين، والسودان يعيش محن وأجواء حرب أهلية حتي بعد انقسامها لم تسلم من المشكلات العرقية، وإيران تهدد إسرائيل، وإسرائيل داخل فلسطين تهدد الجميع!! ولا يبقى في المنطقة الملتهبة سوى مصر.

والكل يلوم مصر الآن لاعتبارات منطقية فهي الشقيقة الكبرى والجارة الأقرب لقطاع حماس، وهي صاحبة أقوى جيش عربي في المنطقة وتصنف السادس عالميًا في قوة السلاح البحري وهي تمثل قوة عددية  بين العرب جميعاً تعادل 10 أضعاف إسرائيل الخ. وكل هذه النقاط حقيقة، لكن الحقيقة الغائبة عند البعض أن مصر ليست جارة إسرائيل بأرقام إسرائيل ولكن بقوة الولايات المتحدة الأمريكية. دعني أقول إن إسرائيل ليست دولة بل ولاية أمريكية خارج أمريكا، وبالتالي مصر جارة لأمريكا وللقوة العسكرية الأمريكية وللقوة النووية الأمريكية وللقوة الاقتصادية الأمريكية وبكل مقاييس القوة التي تتصورها ولا تتصورها عزيزي المنتقد للرد المصري الصامت !!

الخطب لا تحل المشاكل وإلا كان الشعراء والأدباء رؤساء دول هائلين، لكن الحل يكمن في العمل الوحدوي، والمعرفة، والسلاح النووي وهذه أمور كان يجب تحقيقها منذ عقود لولا الخلافات العربية. ببساطة يجب أن تتوازن القوتان من أجل الوصول إلى حل عادل ومنصف. لكن لا تلوم حاكم عرف قدر نفسه، خوض الحروب ليس مسألة سهلة. الحماسة بنت لحظتها، ثم تتبدد شأنها شأن أي حالة نفسية، والحرب ليست حالة نفسية وإنما هي عبء طويل ممتد لابد أن يتقبله الناس وأن يضحوا في سبيله.

وألقي اللوم هنا علي الشعوب العربية فهي لها دور هام تخلت عنه، فإرادة الشعوب أقوى تأثيرًا من إرادة الحكام وقد تحرك النظام العالمي ليعيد حساباته من جديد، المفروض أن لا تتنظر الشعوب العربية تشاهد المعارك وسفك الدماء أمام التلفاز والهواتف المحمولة يجب أن تتحرك تجاه السفارات الأمريكية والإسرائيلة في كل بلد عربي وتحاصرها بقوة العدد، لكن الأغاني الحماسية والدعاء والكتابة العاطفية على منصات التواصل الاجتماعي والكل يكتب القدس قضيتي وهناك من لا يعرف موقع فلسطين علي الخريطة هذا لا يغير شئ بل سيزداد الأمر سوءاً.

وإن كانت هناك دولة يجب أن تُلام فهي المملكة العربية السعودية وليست مصر، دعنا نتفق أن السعودية تخلت عن دورها وتركت إيران تدافع عن مقدسات الإسلام. دول الخليج ماذا فعلت ولمدة عشرين عام (2000/2020) كان دخل الدول العربية من فوائض أموال نفطها بمعدل 250 بليون دولار كل سنة، هذه ثروة لم تتح من قبل في فترة تأسيس امبراطوريات التاريخ الكبرى، فهي أكبر ما أتيح للأمويين حين أقاموا دولتهم العظمي، وأكبر مما أتيح للعباسيين، وأكبر مما أتيح لبريطانيا العظمي، وأكبر مما أتيح لإسبانيا في عصرها الذهبي!! ولقد جاء الذهب الأسود وسيمضي ولم يصنع العرب امبراطورية كأسلافهم القدامى من الأمويين والعباسيين، ولا قوة صناعية كبرى كما فعلت بريطانيا بالثروة المنهوبة من مستعمراتها  ولا حلف عسكري يهابه الجميع ولا برنامج نووي يخشاه المهددون كما فعلت دول أقل دخلا كإيران وكوريا الشمالية والهند وباكستان وكأي دولة تريد أن تقف شامخة مرفوعة الرأس في عالم لا يعترف إلا بالقوة .. أين ذهبت فوائض الذهب العربي الأسود ؟

قطر تنفق 220 مليار دولار لتنظم كأس العالم في حين أن البرازيل قبلها نظمته ب 11 مليار فقط!، والسعودية تنفق 875 مليون دولار في الميركاتو الصيفي فقط، ووزارة الترفيه فيها تنفق المليارات لحفلات ومهرجانات من أجل أن تكتسب السعودية قوة ناعمة، لكن فشلت في هذا الدور أيضًا لعدم وجود في الأصل ثقافة حقيقية يبنى عليها. والإمارات خرجت من دائرة العروبة وهمومها فأعداد الأجانب بها تخطى كل الحواجز، والخليجي أصبح لا يعمل من كثرة الترف. فالهنود من يعملون وكذلك المصريون والأجانب وهذا الثراء والترف من شأنه أن يخلق عقلية ذهنية ضعيفة ونظرية ابن خلدون في سقوط الدول  تشير إلى أن من أوقات الرخاء يخرج رجال ضعفاء والرجال الضعفاء يصنعون أيام صعبة.

 عند وصول ترامب للحكم قال أن أول دولة أجنبية سيزورها ضمن جولته الخارجية الأولى ستكون المملكة السعودية وبعدها إسرائيل! وكان له تصريح ” أن السعودية دولة ثرية وعليها أن تدفع المال لأمريكا لحماية المملكة من إيران.

أو كما يصف هيكل الوضع في منطقة الخليج ” أن على الآخرين أن ينصاعوا لأوامرنا وإلا عرضوا أنفسهم للحرمان والطرد من الفردوس الأمريكي على الأرض “

 المشكلة أننا توهمنا أن الحل عند أمريكا وحدها، فمشينا وراء هذا الوهم حتى أعلن ترامب 6 ديسمبر 2017 رسميًا، القدس عاصمة لاسرائيل، إن أمريكا غير مؤهلة لقيادة العالم لأنها انكشفت أكثر من مرة والرهان عليها أصبح خاسرًا، وهنا كان يجب علينا أن نغير البوصلة تجاه الشرق في هذا التوقيت هناك دولة تصعد اسمها الصين، وهناك تكتل اقتصادي ينتظرنا 2024 اسمه ” البريكس ” قد يبعدنا عن أمريكا ونجد حليف آخر يتصدى لليهمنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة