في يوم الثلاثاء الماضي، تعرض معبر رفح الحدودي بين مصر وفلسطين لقصف متكرر من طيران الاحتلال الإسرائيلي، استهدف منع المساعدات المصرية من الوصول عبره إلى داخل غزة، ضمن سلسلة من الانتهاكات ارتكبها الاحتلال في إطار عدوانه على القطاع، انتقامًا من حركة "حماس"، التي نفذت عملية "طوفان الأقصى" السبت الماضي، مُكبدة الكيان الإسرائيلي خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة.
ما فعله الاحتلال بمعبر رفح
"لم يكن قصفًا للمعبر نفسه". هذا ما كشفه مصدر من داخل سيناء، لمنصة "فكّر تاني"، أوضح أن قوات الاحتلال عملت بغاراتها على تدمير الممر الآمن الذي يفصل بين الجانبين الفلسطيني والمصري داخل المعبر.
يصل هذا الممر الذي استهدفته طائرات الاحتلال إلى عرض 700 متر بطول المعبر الحدودي، ويمثل نقطة العبور الآمنة الوحيدة المتاحة لسكان غزة (يقدر عددهم بنحو 2.3 مليون نسمة)، في مقابل باقي الحدود المطلة في جزء منها على البحر بينما يقع الجزء الأكبر تحت سيطرة سلطات الكيان الإسرائيلي، الذي أغلق المعابر الستة الأخرى الواصلة بين غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ يوم السبت الماضي.
ووفق المصدر، فإن القنابل التي ألقيت على الممر أحدثت فجوات كبيرة وعميقة وواسعة؛ الأمر الذي أدى لتدميره تمامًا بفجوات على طول مساره وعمق لا يقل عن 20 مترًا، ما يستحيل معه مرور المساعدات إلى قطاع غزة أو العالقين من جانب القطاع إلى سيناء.
وقد ذكر مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أن نحو 800 شخص غادروا غزة عبر معبر رفح في الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي، ودخل نحو 500 قبيل إغلاق المعبر بعد قصفه. بينما صدر آخر إعلان للهيئة العامة للمعابر والحدود، يوم الثلاثاء الماضي، معلنًا عن "تنسيقات مصرية" للسفر عبر المعبر، يوم الأربعاء، قبل وابل القصف الذي حال دون ذلك في اليوم نفسه، وأوقف حركة المرور نهائيًا منذ ذلك الحين.
يصف فلسطيني علق في العريش ولم يتمكن من العودة مشهد قصف المعبر، فيقول: "عزمت السفر يوم الإثنين الماضي من سيناء إلى غزة، لكنني لم أستطع. فقد قصف طيران الاحتلال المعبر للمرة الأولى بسبب إصرار القيادة المصرية على فتحه وتمرير مساعدات عاجلة وتمرير الفلسطينيين إلى الجانب المصري. حجزنا بعد ذلك لليوم التالي (الثلاثاء)، وتم ترميم الطريق والبوابة من ناحية غزة في تمام الواحدة ظهرًا، وعند اقتراب دخول الحافلات من البوابة تم قصفها من قبل طيران الاحتلال. في تلك الأثناء، استطاعت 4 حافلات فقط المرور سريعًا إلى الداخل المصري، قبل أن يغلق الممر نهائيًا، وقد أخليت الصالة الفلسطينية في غضون 10 دقائق فقط، وقُصفت من جديد ودمرت".
ويضيف الشاهد أن الموقف كان شديد الصعوبة، فالطيران فوق رؤوسهم يحاول اصطيادهم بلا هوادة، بينما الطريق أسفلهم يتعرض للتدمير التام. "تدافعنا إلى خارج الصالة الفلسطينية بسرعة، حتى أننا تركنا حقائبنا وأغراضنا في الحافلات"؛ يقول الفلسطيني الناجي من الغارات الإسرائيلي على المعبر، والعالق حاليًا في الأراضي المصرية.
المقاولون العرب يرممون المعبر
صرح مصدر داخل شركة "المقاولون العرب" – طلب عدم ذكر اسمه - بأن فريقًا انتقل إلى المعبر عبر الطيران الحربي المصري بشكل عاجل؛ لاستلام مهامه في ترميم الأعطال وإصلاح ما يلزم على الجانب الفلسطيني؛ استعدادًا للتنسيق لإعادة فتح المعبر ثانية.
وفي بيان مساء اليوم الخميس، دعت وزارة الخارجية المصرية جميع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية الراغبة في تقديم مساعدات وإغاثات إنسانية عاجلة إلى الشعب الفلسطيني في غزة، إلى إيصال تلك المساعدات إلى مطار العريش الدولي الذي تم تحديده من جانب السلطات المصرية لاستقبال المساعدات الدولية، تمهيدًا لإدخالها إلى غزة.
وأكدت مصر في بيانها: "أن المسؤولية الإنسانية تحتم على أصحاب الضمائر الحية في كل بقاع العالم، أن يبادروا بتقديم الدعم للشعب الفلسطيني الذي يعاني من مخاطر جمة في الوقت الراهن، وأنه بخلاف ما هو متداول من معلومات غير دقيقة عن أن المعبر مفتوح للعمل ولم يتم إغلاقه، فإن مرافق أساسية في الجانب الفلسطيني تعرضت للقصف المتكرر، ما يحول دون انتظام عمله بشكل طبيعي".
المنفذ الوحيد إلى غزة
منذ العام 2007، تفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة - يمثل ما يزيد عن 1% من مساحة فلسطين التاريخية - إغلاقًا شبه كامل، وعزلة على سكانه الذين يفتقدون مل الحريات الأساسية من حركة وتنقل. بينما تخلل هذا الحصار اعتماد نظام صارم للخروج من القطاع بتصاريح من جانب الكيان المحتل، وبناء جدار عازل، وحظرًا للحركة البحرية والجوية.
هذا المشهد الذي رسمته سلطات الاحتلال على الفلسطينيين أجبرهم على اللجوء الدائم لمعبر رفح البري الحدودي بينهم وبين مصر، باعتباره المتنفس الوحيد وطوق النجاة المطل على العالم الخارجي.
قبيل العام 2007 كان المعبر مفتوحًا أمام مرور عشرات الآلاف من الجانبين بشكل مستمر؛ إلا أنه بعد تصاعد الأوضاع بين الاحتلال وحماس، ضيق الأول على فتح المعبر مرارًا؛ ليفتح من الجانب المصري في فترات محددة ولوقت قصير، تسهيلًا لمرور المساعدات أو تنقل المواطنين للزيارات والعمل والأغراض الطبية.
ويمثل المعبر حلبة صراع سياسي بين الحمساويين والسلطة الفلسطينية من جانب، وبينهم وبين سلطات الاحتلال الإسرائيلي من جانب آخر؛ إذ ترفض الحركة مشاركة الاحتلال في إدارة المعبر أو المعابر الداخلية الأخرى، ما يرد عليه بعرقلة جهود فتح المعبر بشكل متكرر.
وعلى الجانب الآخر، تمنع حماس الحرس الرئاسي للسلطة الفلسطينية من العمل في المعبر؛ ما يضفي صبغة غير شرعية على التعاملات الرسمية مع أطراف الصراع، وأبرزها الجانب المصري؛ فيتعذر على مصر تشغيل المعبر بشكل مستمر في غياب ممثلي السلطة الفلسطينية الرسميين.