شهدت تحويلات المصريين بالخارج انخفاضًا ملحوظًا خلال العام المالي 2022-2023، بنسبة 30.8% على أساس سنوي، لتبلغ 22.1 مليار دولار، مقابل 31.9 مليار دولار في العام المالي السابق.
بحسب بيانات البنك المركزي، سجل الميزان الخدمي فائضًا بنحو 21.9 مليار دولار نتيجة لزيادة الإيرادات السياحية وحصيلة قناة السويس، بينما ارتفع صافي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر بمعدل 12.3% ليسجل نحو 10 مليارات دولار.
بينما كانت تحويلات المصريين الوحيدة التي تسجل انخفاضًا قيمته 9 مليارات دولار ضمن موارد العملة الصعبة، مقارنة بالعام الماضي. ما يثير تساؤلات حول السبب خاصة في المبادرات المتلاحقة التي قدمتها الدولة لهم لزيادة تحويلاتهم، وآخرها مبادرة إدخال سيارات بجمارك مخفضة مقابل إيداع ودائع دولارية، وكذلك وحدات سكنية في العديد من المشروعات الحكومية الكبرى.
تجار العملة يسيطرون
يرجع الخبير الاقتصادي هاني توفيق تراجع حصيلة تحويلات المصريين إلى النشاط المحموم لتجار العملة. يقول: "التفكير، وفورًا، في مبادرات سواء في شكل سعر فائدة مرتفع أو سعر تحويل مغري أو غيرها، أمر لا مفر منه. يمكن ربط المبادرة بتحويلاتهم القياسية منعًا للتحايل".
طرحت البنوك العديد من الأوعية الادخارية التي تستهدف المصريين بالخارج، من بينها طرح البنك العربي الإفريقي شهادات لثلاث سنوات بفائدة 40% تصرف مقدمًا لتشجيع حملة الدولار على تسييله.
كما طرح البنك الأهلي شهادات ثلاثية بعائد 22.5% سنويًا لدورية صرف العائد الشهرية، أو 25% يصرف في نهاية المدة، بجانب شهادات دولارية مدتها 3 سنوات ذات عائد سنوي 9% يصرف مقدمًا بالمعادل بالجنيه المصري عن الفترة كلها، بواقع 27% من قيمة الشهادة وتسترد قيمة الشهادة في تاريخ الاستحقاق بالدولار الأمريكي، إلى جانب شهادة ثلاثية ذات عائد سنوي 7%.
لكن في مقابل ذلك، ارتفعت أسعار صرف الدولار في السوق السوداء واشتراه بعض تجار الذهب بسعر 40 جنيهًا، ما أغرى بعض المصريين بالخارج وذويهم بتحويل أموالهم إلى السوق السوداء بدلًا من السوق الرسمية.
خطوات البنوك غير كافية
يقول عبد الفتاح الجبالي، الخبير الاقتصادي، إن الخطوات التي اتخذتها البنوك مهمة لكنها ليست كافية في ظل ما يحدث في سوق الصرف الأجنبي واتساع الهامش بين السعر الرسمي للجنيه مقابل الدولار وسعر السوق السوداء، وهي النقطة التي يستغلها المضاربون بشدة.
ويضيف أن تلك المضاربات تحرم البنوك من جانب لا بأس به من المدخرات نتيجة لتسربها الى خارج الجهاز المصرفي، وهى النقطة التي تحسن شركات توظيف الأموال استغلالها تمامًا، خاصة أنها تركز على العلاقات الشخصية والتعامل المباشر مع الأفراد، وكل هذه العوامل وغيرها أدت إلى هروب الأفراد من الجهاز المصرفي.
تشكل تحويلات المصريين في الخارج نحو 27.6% من إجمالي مصادر العملة الصعبة، وتأتي نحو 83% منها من أربع دول رئيسية (السعودية بنسبة 43%، والكويت 19%، والإمارات 15%، وقطر6%) لكن تراجع معدل النمو السنوي لها من 13.2% عام 2020/ 2021 إلى 1.6% عام 2021/ 2022.
يطالب الجبالي البنوك بتوسيع دائرة الاهتمام لتشمل جميع قرى ومدن مصر مع إزالة العقبات أمام تسهيل المعاملات، وإنشاء شبكة من مزودي الخدمات المالية، بما في ذلك فروع البنوك وشركات الصرافة ومكاتب البريد بجانب زيادة عدد ماكينات الصرف الآلي على أن تمتد لتشمل الريف المصري، والتوسع بالخدمات المالية الرقمية المقدمة عبر الهاتف المحمول والشبكة الإلكترونية.
وأطلقت شركة مصر لتأمين الحياة وثيقة تأمين للتقاعد بالدولار للمرة الأولى في مصر بهدف توفير التغطية التأمينية للمقيمين في الخارج وتحفيزهم على زيادة تحويلاتهم من الخارج بالدولار الأمريكي، بحد أدني لقيمة الاشتراك 500 دولار، و10 آلف دولار كحد أقصي، لكنها لم تفصح عن عدد المشاركين فيها إلى الآن.
العمالة المحلية في الخليج
يقول هيثم الصدفاوي، مدير مبيعات الإقليم سابقًا في شركة أدوية: "اشتغلت مع أكتر من خمسين صيدلي في السعودية في مجال الدعاية الطبية، 40 منهم نزلوا نهائي في آخر سنتين.. نزول نهائي، خلاص، المجال اتسعود".
والسعودة كلمة دارجة في السعودية، وتطلق على عمليات إحلال المواطنين السعوديين مكان العمالة الوافدة في وظائف القطاع الخاص، وتشمل توطين وظائف في بعض القطاعات بنسبة 100%.
كما نفذت الكويت أيضًا خطة لإحلال العمالة المحلية محل الأجنبية، وأوقفت تعيين العمالة الوافدة في بعض المؤسسات مثل مؤسسة البترول الكويتية وشركاتها التابعة وتقنين عددهم في العقود الخاصة وعقود المقاولات.
يقول الصدفاوي: "المصريين بينزلوا نهائي.. خلاص كله بيلم تحويشة عمره وينزل.. والنتيجة ظهرت دلوقتي.. مبادرة مثل الدهب هتخلي الدولارات تروح في اتجاهين، إما تحت المخدة أو تحت البلاطة.. لا اتحطوا في بنوك ولا اتحطوا في مشاريع ولا اتحطوا في عقارات".