كيف هي المقارنة ممكنة بين إسرائيل ككيان قائم لديه جيش يحتل ويسيطر على 90% من الأراضي الفلسطينية، مجهز بالعتاد الكامل والدعم الأمريكي والغربي الهائل، وبين مجموعة من الفصائل الفلسطينية -مهما تلقت من دعم- لا تزال أسلحتها بدائية، إذا ما تحدثنا عن التكنولوجيا العسكرية التي يملكها عدوها؟
"فلسطين ليست دولة"؛ هكذا يقول الكاتب الصحفي الأمريكي من أصول مصرية مصطفى بيومي، معلقًا على أحد مراسلي قناة "إم إس إن بي سي" الأمريكية، وصف هذه المعارك الدائرة حاليًا بين الاحتلال وعناصر "حماس"، بأنها أحدث محطة في "تاريخ عنيف بين هاتين الدولتين".
- فلسطين ليست دولة إلى الآن - وهذا هو بيت القصيد
يتهم "بيومي"، في مقال بصحيفة "الجارديان" البريطانية، وسائل الإعلام الأمريكية، بأنها غير قادرة حتى على توصيف القضية الفلسطينية بشكلها الصحيح، وأن عدم حيادها هذا يجعل من تغطيتها للأحداث أمر غير مجدي، مشيرًا إلى ما يعيشه الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية من تهجير وقتل ومذابح، في ظل أنظمة مختلفة تنتهج جميعها التمييز والقمع والجرائم المنظمة، بما يجعل الحياة غير قابلة للعيش.
ويقول إن الإعلام والسياسيين الأمريكيين يتعمدون دومًا حجب الصورة الكاملة لما يحدث بين إسرائيل والفلسطينيين. ويلفت إلى ذلك بتصريح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون، يوم 7 أكتوبر الجاري، حينما قال إن الولايات المتحدة "تدين بشكل لا لبس فيه الهجمات غير المبررة التي يشنها إرهابيو حماس ضد المدنيين الإسرائيليين"، في وقت تجاهل قتل المئات من المدنيين الفلسطينيين بالغارات الإسرائيلية التي لا تزال متواصلة على القطاع إلى اليوم.
عملية "حماس" ردة فعل
"إن استخدام واتسون لجملة (غير مبرر) نفسها أمر متعمد وله دلالات كثيرة"؛ يقول "بيومي"، الذي يعدد الجرائم الاستفزازية التي نفذتها دولة الاحتلال، ويتساءل أي الأحداث أحق بوصفه استفزازيًا: هذا الهجوم الذي نفذته حماس أم العدد الكبير من المستوطنين الذين تجاوز عددهم 800 بحسب إحدى وسائل الإعلام، يقتحمون المسجد الأقصى في 5 أكتوبر؟ مقتل 248 فلسطينيًا على يد القوات الإسرائيلية أو المستوطنين في الفترة من 1 يناير إلى 4 أكتوبر من هذا العام وإنكار حقوق الإنسان الفلسطيني وتطلعاته الوطنية منذ عقود أم ما فعلته المقاومة الفلسطينية مؤخرًا؟
وبينما يؤكد "بيومي" - في مقاله بالجارديان - على إدانته كل أعمال العنف والقتل ضد المدنيين أيًا كانوا في أي جانب، يوضح أن هذا ما تفتقده التغطية الأمريكية في تناولها لأحداث الحرب على غزة، وهي تجعل الفلسطينيون وكأنهم من يبدأون العنف دومًا بينما تكون إسرائيل هي ردة الفعل.
لغة الإبادة الجماعية
ويقول "بيومي": "إذا ما شهدت الأخبار الأمريكية ربما تعتقد أن الفلسطينيين هم من يستعمرون أرض إسرائيل، لا أقل من ذلك. وربما تعتقد أن إسرائيل، التي تسيطر بشكل مطلق على حياة خمسة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومع ذلك تحرمهم من حق التصويت في الانتخابات الإسرائيلية، هي دولة ديمقراطية".
خلال هذه الحرب المستعرة، أمر الكيان الإسرائيلي بفرض حصار كامل على قطاع غزة. لن يكون هناك كهرباء ولا طعام ولا وقود، كل شيء مغلق. في وقت قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت: إننا نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف وفقًا لذلك". وهو ما علق عليه "بيومي" متسائلًا: "حيوانات بشرية؟ كيف يمكن الدفاع عن مثل هذه اللغة وسياسة العقاب الجماعي المعلنة ضد كل سكان غزة من قبل أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر؟ لنكن واضحين: لغة جالانت ليست لغة الردع. إنها لغة الإبادة الجماعية.
بين أوكرانيا وغزة
يصف "بيومي"، في مقاله بـ"الجارديان"، الازدواجية الأمريكية والغربية في تناول الحرب على أوكرانيا وعلى غزة بأنها "نفاق مزعج" بين مقاومتين للاحتلال، يرى واحدة منها حقًا شرعيًا، بينما ينظر إلى الأخرى باعتبارها مجرمة حتى ولو كانت غير عنيفة. ويضيف أنه من غير المستغرب أن تصل مثل هذه المواقف إلى القمة. وقد أعرب الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، مرتين عن دعمه الأحادي لإسرائيل في الأيام الأخيرة، قائلاً إن "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس أمر لا جدال فيه". هل سيقول الشيء نفسه بالنسبة لروسيا على أراضيه؟ بالطبع لا. يجب على زيلينسكي أن يرى كيف أن أرضه التي تم غزوها واحتلالها أقرب إلى وضع الفلسطينيين من وضع الإسرائيليين.
ويرى "بيومي" - في مقاله - أن الولايات المتحدة تُفرق حتى بين الأمريكيين حسب انتماءهم إلى أي من طرفي النزاع؛ فإذا كان الحديث عن الأمريكيين الإسرائيليين أدانت قتلهم وإن كانوا من أصول فلسطينية تجاهلت وصمتت.
ويسأل: "هل طالبت واشنطن بإجابات عندما أطلق الجيش الإسرائيلي النار على الصحفية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عقلة وقتلها في مايو 2022؟".
ننتظر المزيد من إراقة الدماء
يقول "بيومي": "قد يكون من المتوقع ازدواجية المعايير بالنظر إلى الكيفية التي تمت بها مناقشة محنة الفلسطينيين في الماضي، لكن هذا خطير بشكل خاص في هذه اللحظة، عندما نكون على أعتاب حكومة احتلال تستخدم عنفًا غير مسبوق ضد السكان العزل والمحاصرين في غزة". مشيرًا إلى أن إحدى الطرق الأساسية التي يعمل بها هذا المعيار المزدوج تكمن في فرض التكافؤ الزائف، وهو مبدأ ذو جانبين؛ يخفي عدم التماثل الهائل في السلطة بين الكيان الإسرائيلي والتجمعات السكانية المتناثرة التي تشكل الشعب الفلسطيني. إنهم ليسوا متساوين. يهيمن أحدهما بينما يهيمن الآخر. واحد يستعمر والآخر مستعمر.
"منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993 على الأقل، حصلنا على وعود عديدة بأن المخرج من هذا الظلم هو التوصل إلى تسويات عن طريق التفاوض؛ وبعد أجيال من التضحيات الإنسانية الهائلة، سيحقق الفلسطينيون أخيرًا تطلعاتهم الوطنية. لقد كان من الواضح للكثيرين منا وقتها، أما اليوم، فإن التوصل إلى سلام عن طريق التفاوض يبدو أبعد من أي وقت مضى"؛ يضيف "بيومي في مقاله بـ "الجارديان"، مختتمًا بأن "المستقبل مليء بإراقة الدماء المروعة وغير الضرورية في كل مكان. وأن التعلق الغربي اليائس بالمعايير المزدوجة المفلسة أخلاقيًا يتحمل جزءًا كبيرًا من اللوم".