مدخل إلى الأقليات.. مصطلحًا ودوليًا ومقدمة للوضع المصري 1

المقدمة

تتوسع هذه المجموعة من الكتابات لتفحص الأمور المتعلقة بحقوق الأقليات على الصعيدين الدولي والوطني، نمر سريعًا هنا على مدخل الموضوع ومن ثم نتوسع تفصيلًا فيما يخص القانون المحلي والدولي، ونتناول كل مجموعة ممن ينطبق عليهم مصطلح أقليات تفصيلًا سواء كانوا من الأقليات العددية أو من حيث توزيع أدوات السلطة وهو الأمر الذي ينطبق على النساء في مصر. ويكون مرجوعنا بشكل دائم لما تقدمه الأمم المتحدة من توجيهات هامة لدعم حقوق الإنسان على مستوى العالم.

نستكشف معًا في هذا المقال التفاعل المعقد بين تعريف الأقليات كمصطلح حقوقي دولي والتوجيهات الرئيسية الصادرة عن الأمم المتحدة. ونسلط الضوء أيضًا على موقف مصر والقوانين المصرية والأقليات الموجودة والتحديات التي تواجهها.

تعريف مصطلح “الأقليات” على المستوى الدولي

يُعرّف مصطلح “الأقليات” على المستوى الدولي بأنه الجماعات أو الأفراد الذين يشكلون أقلية عددية أو اجتماعية أو ثقافية داخل مجتمع معين. وتكون هذه الأقليات متنوعة ومتعددة الأوجه ويمكن أن تكون مُحدَّدة بواسطة عوامل مثل العرق والجنسية والدين واللغة والجنس والتوجه الجنسي والثقافة. وتقدم توصيات الأمم المتحدة واتفاقياتها إطارًا شاملًا لحماية حقوق هذه الأقليات وتعزيزها في جميع أنحاء العالم.

وقبل أن ننتقل للوضع المصري٬ يهمني أن أمر سريعًا هنا على أهم المعاهدات الرئيسية الصادرة من الأمم المتحدة بشأن حقوق الأقليات. حيث هناك عدة معاهدات واتفاقيات صادرة من الأمم المتحدة تتعلق بحقوق الأقليات، لكن نركز هنا على المعاهدات الرئيسية من هذه المعاهدات:

  1. إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية (1992):

 يعتبر هذا الإعلان من أبرز المعاهدات التي تتناول حقوق الأقليات. يهدف إلى حماية حقوق الأشخاص الذين ينتمون إلى أقليات قومية أو إثنية أو دينية أو لغوية، وضمان ممارسة حقوقهم بدون تمييز.

  • الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965):

تهدف هذه الاتفاقية إلى القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، بما في ذلك التمييز ضد الأقليات. تلزم الدول الأطراف باتخاذ إجراءات لمنع ومحاربة التمييز بجميع أشكاله.

  • اتفاقية الأمم المتحدة بشأن حقوق الطفل (1989):

   – تتعلق هذه الاتفاقية بحقوق الأطفال وتلزم الدول بضمان حقوق الأطفال بما في ذلك الأطفال الذين ينتمون إلى أقليات.

  • الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966):

   – تضمن هذه الاتفاقية مجموعة من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتشمل حقوق الأقليات في مجالات مثل التعليم والعمل والصحة.

  • الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1979):

   – تهدف هذه الاتفاقية إلى القضاء على التمييز ضد النساء، بما في ذلك النساء اللواتي ينتمين إلى أقليات.

  • اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (2006):

   – تركز هذه الاتفاقية على حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتضمن حقوقهم في مختلف المجالات بما في ذلك حقوق الأقليات ذوي الإعاقة.

هذه مجرد بعض الأمثلة، وهناك العديد من المعاهدات الأخرى التي تتناول حقوق الأقليات بشكل مباشر أو غير مباشر. تهدف هذه المعاهدات إلى تعزيز حقوق الأقليات وضمان حمايتها ومعالجة أي تمييز يمكن أن تتعرض له.

الأقليات استثناء من كل أم جزء على الكل

قصدت هنا أن أوضح أن الأقليات بمفهومها الدولي هي فئة مرتبطة حقوقها بحقوق المجموعات الأكبر التي تنتمي لها لكن في الوقت نفسه حرصًا على حمايتهم وحفظًا لحقوقهم يكون هناك مراعاة إضافية لحقوقهم. بمعنى أنه يوجد تحديد للأقليات داخل حقوق النساء بالمطلق من إنهن نساء وأقليات في الوقت نفسه. الأمر نفسه ينسحب على الطفل وعلى العاملين وحقوقهم وعلى أي فئة داخل المجتمع.

ومن ثم فإن العكس صحيح أيضًا٬ فكما ترتبط حقوق الأقليات داخل كل فئة بحق الفئة العام ويتم تخصيص جهد مضاعف أو قل حماية مضاعفة للحرص على عدم المساس بحقوقهم هضمًا في ركاب المجموعة الأكبر. فإن الأمر نفسه في حالة الانتهاكات التي تقع على المجموعة الأكبر فإن الانتهاك مضاعف ومركز أكثر في حالة كونك أقلية تابعة لتلك الفئة.

على سبيل المثال لو تخيلنا وجود عاملة من ذوات البشرة السمراء مطلقة من عائلة من “النوبة” تعمل في مصنع في القاهرة وشاركت مجموعة من زملائها اعتراضًا جماعيًا على ضعف الأجور مثلًا في اجتماع مباشر للإدارة.

فإن فرص تعرض تلك العاملة لانتهاكات وتهديدات مقارنة بزملائها ليس فقط تزداد، بل تتنوع ربما لتشمل تهديدات تخص جنسها “كامرأة” أو أصولها الثقافية المغايرة للأغلبية كنوبية أو حتى تنمر وسخرية وعنصرية اتجاه لون بشرتها.

تعرض تلك العاملة لعنف أو تمييز مضاعف لا ينفي كون أن الاحتمالات بوقوع عقاب غير عادل للمجموعة ككل بسبب مطالبتهم بحقوقهم٬ لكن التركيز هنا على تعرض “الأقليات” ليس فقط لنفس نوع الانتهاك الواقع على المجموعة الأكبر بل بشكل مضاعف وبطرق مختلفة تقع مباشرة عليهم لأسباب تتعلق بكونهم “أقلية”

ختامًا.. الأقليات ليست القلة العددية فحسب

ربما ختامًا هنا أحب أن أشير إلى أن كثير من المدارس الدولية حديثًا التفت نظرها إلى أن تعريف الأقلية -كما أشرنا في بداية المقال- لا يشير فقط للأقلية العددية. فإنه من الملاحظ أن أدوات السلطة والقوة هي الحكم في أغلب المواقف لاعتبار فئة أقلية أم لا.

فلو رجعنا للمثال السابق نفسه. فإن العمال أنفسهم ولو افترضنا أن عددهم ١٠٠ وغالبيتهم من الذكور فإنهم مقارنة بمجلس الإدارة والذي نفترض أن عدده ٢٠ وأغلبيته من النساء، فإن العمال هنا لا يزالوا وفقًا لموازين السلطة والقوة -طالما لم يحمهم قانون- يعدون أقلية. معرضون للانتهاك والتهميش وعدم احترام أصواتهم ومطالبهم وفقًا كما ذكرت لموازين السلطة والقوة.

كذلك ينسحب الموقف نفسه على المدى الأوسع للفئات المجتمعية المختلفة من نساء مثلا. أو قوى عاملة من موظفين وعمالة أو الفقراء وأصحاب الأملاك أو أي مجموعات مغلوبة على أمرها كما نصفها. قد تحدث الأكثرية العددية فروقًا لصالح المجموعات التي لا تملك قوة أو سلطة في لحظات “تاريخية” كأوقات الثورات. وكما شهدنا مثلًا في ٢٨ يناير ٢٠١١، تغلب الجموع السلمية على القوة والسلطة. إلا أن في الأنماط الاجتماعية العادية تحرص المجموعات التي تمتلك أدوات السلطة والقوة على التحكم في “الأقليات” وإبقائها “أقلية” من حيث سلطتهم وقوتهم رغم أعدادهم. لذلك في تداولنا لهذا الموضوع مستقبلًا سيكون مربط الفرس في وصف الفئة التي نتحدث عنها ليس العدد بقدر ما هو القدرة على تملك أدوات سلطة وقوة. وإن كان على أية حال يجدر الإشارة إلى إن الأمر يزداد سودًا إذا ما فقدت الفئة أدوات السلطة والقوة وفوق منها الغلبة العددية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة