رأي| لماذا نحتاج للانتخابات؟

ونحن على أعتاب انتخابات رئاسية جديدة يراها البعض محسومة النتائج ويراها البعض الآخر تضييعًا للوقت والجهد وإنفاقًا للأموال بلا طائل، أحب أن أعود خطوة للوراء وأناقش سؤال ربما لا يخطر على بال الكثيرين "لماذا نحتاج للانتخابات؟"، لا أتحدث عن حاجة المصريين تحديدًا للانتخابات ولكن أتحدث بشكل أكثر عمومية، لماذا تعقد الأمم المختلفة الانتخابات ولماذا تنفق عليها الجهد والمال؟

يخبرنا التاريخ أن أول الأمم التي استخدمت فكرة الانتخابات لاختيار حكامها وقادتها كان الإغريق في القرن السادس قبل الميلاد ويخبرنا الواقع الحالي أن أكثر الأمم تقدمًا ورفاهية هي التي تحرص على دورية الانتخابات ونزاهتها حتى تظل السلطة أقرب ما يكون ليد الشعب إن لم تكن في يده بشكل مباشر.

ويدفعنا ذلك للربط المنطقي بين إجراء الانتخابات والحيوية السياسية للمجتمع، فكل مرة تنعقد فيها الانتخابات في بلد ما تعطي الفرصة لظهور جيل جديد من القادة والنشطاء السياسيين وتعطي الفرصة لطرح أفكار جديدة وحلول مختلفة للتحديات التي يواجها المجتمع.

فمن ناحية مؤسسات الحكم تتجدد شرعية النظام بالانتخابات، فكلما كان النظام معبرًا حقيقيًا عن إرادة شعبه كلما كانت قدرته أكبر على استخراج الطاقات الكامنة في هذا الشعب وكلما كان أكثر قدرة على تنظيمه وتوجيهه وقيادته، وكلما كان الشعب أكثر ولاءً للنظام وطاعة للقانون لأنه يدرك أن هذا القانون من صنع ممثليه الذين اختارهم بحرية وشفافية.

ومن ناحية المنظومة الاجتماعية والسياسية تتجدد الدماء في كل شرايين النظام السياسي، فكل المتنافسين على المقاعد المطروحة للانتخاب –سواء التشريعية أو التنفيذية -هم قيادات شعبية تتشكل شخصياتها وتتبلور رؤاها لتصبح برامج وأفكار جاهزة للعرض على الجمهور والحصول على استحسانهم وتأييدهم. مما يخلق رافدًا مستمرًا من الأشخاص ذوي الكفاءة والطموح لتولي المناصب العامة ويخلق لدى هؤلاء الأشخاص خبرات تصقل باستمرار وتتطور مع الفوز والخسارة اللذين يلازمان العملية الانتخابية.

ومن ناحية الجمهور فإن ممارسته لحقه في اختيار مصيره عن طريق الذهاب للتصويت لانتخاب حكامه وممثليه، بعد سماع حججهم المختلفة والأهم من ذلك بعد معايشته لنتائج اختياراته تعطي الشعب الثقة في نفسه وتثقل تجربته السياسية وتجعله أكثر قدرة على التفكير العقلاني المنظم، بالطبع ليست العلاقة طردية طوال الوقت، فكثيرا ما يخطئ الناس الاختيار ولكن الخطأ في الاختيار نفسه يرفع مستوى الوعي وتراكمه لدى الجمهور. كما أن اجتماع الجمهور قبل وأثناء وبعد الانتخابات يزيد من ترابط المجتمعات الفرعية المكونة للمجتمع ويزيد من قدراتها على تنظيم نفسها وإنتاج خطاب سياسي معبر عنها.

وبالمقارنة بشعوب لا يسمح لها بالانتخاب ولا بالاختيار بإرادة حرة نجد أن الدولة تتقزم وتتضائل وتتراجع على كل المستويات مع مرور الزمن. فلأن المناصب مستديمة وليست مؤقتة ولأن السلطات مطلقة وليست مقيدة يتسلط الاستبداد على الأمم وهو ما عبر عنه المثل الشعبي  ويستشري الفساد في الأجواء فلا أحد يراقب ولا شعب يؤمن بأن له دور ولا سياسي يدفع ثمن أخطاؤه ليحاسب ويعزل من منصبه (قالوا يا فرعون ايه فرعنك؟ قال ما لقيتش حد يلمني).

فأما إن كانت الانتخابات صورية أو شكلية أو "تحت السيطرة" فتكون النتيجة جمود وموات النظام السياسي الذي لا يجد منافسة لأطروحاته أو مكاشفة لأخطائه، فتشيخ الأفكار وتتغول الأخطاء والمخطئون وينفض عنه الناس فلا يتفاعلون معه ولا يتعاونون إلا الفاسدون والمنتفعون الذين هم آخر ما يشغلهم هو الصالح العام أو المستقبل المشترك للأمة.

ولكل ذلك لابد أن يحرص كل وطني غيور على وطنه، خائف على مستقبله على أن يمارس الشعب حقه في الانتخاب واختيار مصيره وأن يُسمع صوته، ولابد أن يتم تجريم تزييف الانتخابات والتلاعب في نتائجها بعقوبات رادعة ليضمن الناس أن إرادتهم لن تزيف.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة