غيم الدخان علي سماء العاصمة السودانية الخرطوم بعد ثلاث ليالي متتالية من المعارك التي أسفرت عن حرق مباني وقتلى مدنيين من بينهم أربعة أطفال من أسرة واحدة، جراء سقوط قذيفة على منزلهم، كما قُتل ثلاثة أشقاء في منطقة شرق النيل بقصف عشوائي أصاب منزلهم.
ورغم عودة الهدوء مرة أخرى بعد توقف المعارك، فإن ما حدث يُعد المرة الأولى منذ اندلاع الحرب، تُطال الاشتباكات مدينة بورتسودان شرقي البلاد.
وقع الصدام المسلح الذي استمر لفترة وجيزة، بين عناصر ما يعرف بـ"قوات تحالف أحزاب شرق السودان" من ناحية، والجيش السوداني من ناحية أخرى. بحسب بي بي سي.
وقال شهود عيان إن الجيش أطلق النار على نقطة تفتيش غير قانونية نصبت بواسطة الميليشيا، فأوقع إصابات بصفوف عناصرها.
وقال قائد المجموعة التابعة للجيش السوداني، شيبة ضرار لبي بي سي، إن الهدف من نقطة التفتيش هو منع عمليات تهريب السلع الغذائية من ميناء بورتسودان، موضحا أن قواته تساعد الجيش في تأمين المدينة ومنع السرقة، وغيرها من الأنشطة غير القانونية.
وقال شيبة ضرار، إن قواته تمكنت من مواجهة 50 عربة مقاتلة للجيش هاجمتهم أثناء احتجازهم مركبات مغادرة للمدينة لا تملك أي مستندات قانونية "وبدلاً من شكرنا هاجمنا برتل من المركبات المقاتلة".
السودان وسيناريو التقسيم
تعتبر بورتسودان هي مقر المطار الوحيد العامل في البلاد، ويستضيف المسؤولين الحكوميين والمسؤولين الدوليين القادمين إلى السودان.
ومع تزايد الاشتباكات، والتصريحات الصادرة عن طرفي النزاع بتشكيل الحكومة، واحدة في بورتو سودان حيث مقر تمركز وقيادة قوات الجيش النظامية بقيادة البرهان، وأخرى في الخرطوم حيث يلوح "دوقلو" بذلك ردًا على البرهان، يتخوف السودانيون من تكرار سيناريو تقسيم السودان الذي حدث في ٢٠١١، وقسم السودان إلى شمالي وجنوبي.
انتقل مسؤولو الحكومة من العاصمة الخرطوم إلى بورتسودان، ومنذ أن غادر البرهان، مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم الشهر الماضي، اتخذ من مدينة بورتسودان مقرا لممارسة مهامه في مجلس السيادة وقيادة الجيش، كما أن معظم مؤسسات الحكومة الاتحادية تباشر مهامها من المدينة الساحلية.
وتشير تقارير إعلامية إلى اتجاهات البرهان نحو تكوين حكومة في بورتسودان استجابة لرموز النظام القديم، وخصوصًا قيادات حزب المؤتمر الوطني التي تدفع نحو استمرار الحرب.
من ناحية أخرى، قال "حميدتي" في تسجيل بث على منصة اكس"تويتر سابقا" الخميس "صبرنا كثيرا على قرارات البرهان المنفردة برغم عدم شرعيته ولذلك لن نسمح لكائن من كان التحدث باسم السودان وادعاء الشرعية، وحال استمر هذا الوضع أو قام الفلول بتشكيل حكومة في بورتسودان سنشرع فورا في مشاورات واسعة لتشكيل سلطة حقيقية في مناطق سيطرتنا، الممتدة، تكون عاصمتها الخرطوم ولن نسمح بخلق عاصمة بديلة".
ووفق لهذه التطورات، يمكن القول بأن المشهد السوداني بصدد سيناريو تقسيم جديد للسودان قد يشابه السيناريو الليبي، لكن السودان تختلف كليا في تكوينها عن ليبيا من الناحية القبلية والثقافية والاجتماعية.
الداخل السوداني
يوجد ٥٧٠ قبيلة في السودان، تتحدث أكثر من ٣٠٠ لغة مكتوبة ومنطوقة، وأدى هذا الاختلاف إلى نشوب العديد من الحروب الأهلية، ولم يشهد المجتمع السوداني أي نوع من أنواع الاستقرار حتى من قبل استقلاله عام ١٩٥٦، إذ اندلعت به حرب أهلية في أغسطس ١٩٥٥، كما اندلعت في السودان ثلاث ثورات شعبية في الستينيات والثمانينيات.
وعلي المستوي العسكري، فإن الحرب تجري هذه المرة بين أكبر قوتين عسكريتين في السودان، وهما الجيش وقوات الدعم السريع. وكانا الإثنين يشكلان معًا قبل أبريل الماضي جناحي المكون العسكري، ونظرًا للإمكانيات والقدرات العسكرية التي يمتلكها كل طرف، فإن هذا يعزز من احتمالية استمرار الحرب لفترة زمنية أطول، الأمر الذي يجعل تداعياتها كارثية على الدولة والمجتمع.
يُضاف إلى ذلك كله، أن الحرب تجري للمرة الأولى داخل العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث، وبعض المدن الأخرى، فيما جرت الحروب التي شهدها السودان في السابق في الأطراف والمناطق الريفية سواء في الجنوب أو دارفور أو شرق السودان.
سيناريو الحرب الأهلية
بالنظر إلى السيناريوهات المطروحة في إنهاء هذه الحرب، فإن جميعها لا تنذر بالخير، فقد دخلت الحرب شهرها السادس ولم يستطع أي من الطرفين حسم الصراع، ولا يمتلك أي منهما القدرة على ذلك فميزان القوى متقارب بين الطرفين، أحدهما يمتلك جيش نظامي وأسلحه ثقيلة سواء من مدفعية وطيران، والآخر لديه ميليشيا مدربة علي حرب العصابات واستخدام الأسلحة الخفيفة. وساحة المعركة هي شوارع الخرطوم.
أما عن احتمالية نجاح أي من مبادرات التقارب الدولية وحل الأزمة، فقد بائت جميعها بالفشل. فكلا الطرفين لا يلتزم حتى بالهدنة. وكل طرف يتهم الآخر بخرقها، بما يعني عدم جدية أي من الطرفين في المفاوضات السياسية، فالحرب هي سبيلهما الوحيد للبقاء ولا تراجع فيه.
التخوف الحقيقي في ظل كل هذه المعطيات، هو الوصول إلى سيناريو الحرب الأهلية وخاصة في ظل الانقسامات العرقية والقبلية وتدخل هذه القوى مع ميليشيات مسلحة وتنظيمات سياسية لدعم هذا الطرف أو ذاك وفق مصالحها وأجنداتها، مما يدعم استمرار الحرب.
كما يترتب على هذا السيناريو، المزيد من الدمار والخراب في البنية التحتية، وتصاعد عمليات النزوح الجماعي، والتهجير القسري، والمذابح على أسس عرقية ودينية. وقد عبر عن هذه المعاني رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك بقوله: "إذا كان السودان سيصل إلى نقطة حرب أهلية حقيقية فإن سوريا واليمن وليبيا ستكون مجرد مبارزات صغيرة"