“لم نعد طبقة وسطى. نحن الراقصون على السُلم. حتى الوجبة المدرسية ترهقنا، وتكشف ما أخفيناه من فقر خلف الأبواب”.
جاهدت ماجدة محمود وزوجها -المحاسب في إحدى شركات القطاع الحكومي- كل الظروف وتقلبات الوضع الاقتصادي المتلاحقة في مصر، حتى تمكنا من إلحاق أطفالهما الثلاثة بمدرسة تجريبية. تقول: “كانت أفضل وأوفر الحلول. وكنا بنتحمل ونشيل القرش ع القرش كل سنة لتوفير تعليم جيد لهم، لكننا الآن في وضع سيء للغاية”.
هذه الأسرة التي تضم 5 أفراد هي نموذج تقاس به الطبقة المتوسطة في مصر. وهي شريحة لا تبحث فقط عن خدمات عامة مقابل الضرائب التي تخصم من دخولها، وإنما عن جودة هذه الخدمات من تعليم وصحة وبنى تحتية.
وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، سجل التضخم بنهاية أغسطس قرابة الـ 40% على صعيد سنوي (أغسطس 2022 – أغسطس 2023)، بسبب ارتفاع أسعار مجموعة الطعام والمشروبات نسبة تقارب الـ 72%. وهو أمر أصاب بشكل بالغ شريحة المواطنين ذوي الدخول المتوسطة.
وقد سجل معدل الفقر في مصر رسميًا نسبة 29.7% خلال الفترة من أكتوبر 2019 إلى مارس 2020، إلا أن الخبراء يشككون في هذه النسبة ويقولون إنها خضعت لضغوط “سيادية” لتحسينها قبل إعلانها في 2019.
الوجبة تلتهم الجيب
في آخر الإحصائيات الرسمية، بلغ عدد طلاب المرحلة الابتدائية 14,4 مليون تلميذ، بنسبة 54,7% من إجمالي المراحل التعليمية، وهي الفئة التي يمثل لها اللانش بوكس قدسية خاصة.
“المصروفات والكتب والسبلايز عملنا لها جمعية.. لكن اللانش بوكس هنعمل فيه.. محتاجين كل يوم 75 جنيه عشان الوجبة المدرسية. سعر مخبوز الباتيه وحده بيتكلف 10 جنيه وعلبة العصير 10 جنيه، ده لو هياكلوا حاجة تشبع مش تفيدهم. إنما بقى لو قررت أعملهم أكل في البيت فالجبن والفينو واللبن كل يوم هيتكلف مبلغ يتراوح من 100 لـ 150 جنيه، بما يعادل في أقل تقدير 500 جنيه للطفل الواحد شهريًا”.
اقرأ أيضًا: في “الفجالة”.. حتى حقيبة المدرسة القديمة مطالبة بتحمل الأسعار
ولا تخرج قائمة المنتجات الغذائية التقليدية المعتادة لطلاب المدارس عن عدة مجموعات غذائية تضم الألبان والجبن والبيض والخبز. وهي رغم بساطتها تمثل في ظل الظروف الحالية عبئًا كبيرًا على الطبقة المتوسطة؛ فالبيضة الواحدة تسجل متوسط 4,5 جنيه، وعلبة اللبن الصغيرة ما بين 9 و10 جنيهات، ورغيف الخبز “الفينو” ما بين جنيه وجنيهين، والجبن حسب النوع والمكان، لكنه لا يقل عن 150 جنيهًا للكيلو الواحد للأبيض التقليدي، ما يعني أن قطعة الجبن الصغيرة لن يقل سعرها عن 5 جنيهات”.
وقد تحركت الأسعار في السوق المحلية بصورة ملحوظة، قبل أيام من العام الدراسي، فارتفعت أسعار الألبان بنسبة 20%، ليبلغ كيلو اللبن المعبأ 38 جنيهًا، ويصل سعر علبة الزبادي 10 جنيهات، وكيلو الجبن الرومى إلى 200 جنيه، بينما تجاوزت الشيدر 400 جنيه”.
اضطرت “ماجدة” وزوجها إلى بيع شقتهما وشراء أخرى أصغر حجمًا بسعر أقل توفيرًا للنفقات، بينما لجأ هو إلى عمل إضافي حتى يتمكن من إعالة أسرته.
التغذية والتعليم
تعتمد منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونسيف“، تغذية الأطفال في سن الدراسة ضمن أدبياتها الأساسية، وهي تشدد على أهميتها في نمو الدماغ خلال مرحلة الطفولة المتوسطة، وتسلط الضوء على سوء التغذية بما له من آثار تضعف المهارات المعرفية لدى الأطفال في هذه الفئة العمرية، وتصنفه كسبب رئيسي للتغيب وضعف الحضور في المدارس.
وحسب تقديرات المنظمة، فإن سوء التغذية يسبب ثلثي وفيات الأطفال، فيما تعتبر مصر ضمن 36 بلدًا يتركز فيها 90% من سوء التغذية العالمي.
أوديهم يومين وأضمن تغذيتهم أحسن
في إحدى روابط الأمهات (جروبات الماميز) على “واتساب”، الجدل يحتدم قبل بدء العام الدراسي المقرر نهاية الشهر الجاري. الجميع يتحدثون عن أفكار الوجبة المدرسية (لانش بوكس)، وأسعارها ومعضلتها.
اقرأ أيضًا: مصروفات وملابس وكتب ودروس.. بطولة في مواجهة العبء الدراسي
“أنا لو هوديهم 3 أو 4 أيام للمدرسة مقابل إنهم يتغذوا كويس هعمل كده”؛ تقول “فاطمة”، موظفة في القطاع الحكومي، تشير إلى ارتفاعات أسعار المنتجات في الأسواق، فتضيف: “كيلو البصل بـ 25 جنيه، والرز بـ 30.. وكيلو اللحمة بـ 300 جنيه.. هعمل ايه طيب.. احنا بنجيب أنواع من اللانشون رخيصة، رغم أننا عارفين إنها كلها فول صويا.. كل ده عشان نوفر في ميزانية الشهر، لكن الأمر مش هيبقى على حساب صحة الأطفال كمان”.
وتشير تقديرات “يونسيف” إلى أن 21% من أطفال مصر يعانون التقزم الناتج عن سوء تغذية. لكن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أكد في المسح الصحي للأسرة المصرية لعام 2021، تراجع معدلات الإصابة بالتقزم إلى 12.8% عام 2021، مقابل 21% عام 2014، بنسبة تراجع 8.2%..
الوجبة الحكومية ومطلب تعميمها
وقد أعلنت الحكومة العام الماضي عن وجبة مدرسية لطلاب المرحلة الابتدائية لا تكتفي باللبن كمصدر للبروتين والكالسيوم، والكربوهيدرات والحديد، إضافة لفيتامينات وأملاح عبر “البسكويت”، يتم تصنيعها في المدينة الصناعية “سايلو فودز” بمدينة السادات بالمنوفية، مع وضع منظومة تتبع “بار كود” عليها حتى الاطمئنان بتوزيعها في المدارس، بإجمالي عدد مدارس 33 ألف مدرسة على مستوى الجمهورية.
ووزعت “سايلو فودز” نحو 600 مليون وجبة غذائية على المدارس لـ13.5 مليون طالب وطالبة خلال الفترة من سبتمبر 2021 ويونيو 2022، وزادت الأعداد التي يوزع إليها بنحو مليوني طالب وطالبة في 2023.
إلا أن هذه الوجبات لا تصل إلا للمدارس الحكومية فقط، الأمر الذي قوبل بالانتقاد وطالبت روابط أمهات المدارس التجريبية والقومية بتوزيع تلك الوجبات على مدارسهم وعدم ربطها بمنظومة المدارس الحكومية التقليدية فقط.