يجتمع وزراء خارجية مجموعة "بريكس"، غدًا الأربعاء، في نيويورك على هامش الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بينما تنتظرهم تحديات جديدة جذبتها الخطوة الأخيرة بضم أعضاء جدد؛ بينهم مصر وإثيوبيا، اللتان تأزمت المواقف بينهما، بعد إتمام الأخيرة الملء الرابع لسد النهضة.
في مقاله المنشور، عبر منصة "World Politics Review" الأمريكية المعنية بالتحليلات السياسية، يعرض الصحفي البريطاني جوناثان فينتون للفرص والتحديات التي تواجه مجموعة "بريكس" بفعل جذبها مزيدًا من الصراعات إلى أجندتها.
لماذا الأعضاء الجدد؟
استهدف الأعضاء الرئيسيون في "بريكس" (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، من خطوة ضم الدول الجديدة، تعميق الحضور الجغرافي للتجمع في الجنوب العالمي، وإضفاء درجة أعلى من القدرة على تمثيل تنوعات الجنوب (من الشرق الأوسط مرورًا بشمال وشرق إفريقيا إلى جنوب أمريكا اللاتينية)، تعبيرًا عن مصالحها، كما يقول عمرو حمزاوي أستاذ السياسة العامة بالجامعة الأمريكية في القاهرة.
وقد تطورت سياسات تجمع "بريكس" بين تأسيسه في 2009 وبين قرار الموافقة على انضمام الأعضاء الجدد في 2023، من مجرد تنشيط التعاون الشامل بين الدول الأعضاء وبينها وبين بلدان الجنوب العالمي إلى البحث عن إصلاح المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية وربما صياغة بدائل لها، كما يرى "حمزاوي"، الذي يضيف أن لهذا الأمر ارتباط وثيق بالمصالح الروسية والصينية.
فروسيا المعاقبة غربيًا منذ غزوها لأوكرانيا تبحث عن الحد من الاعتماد العالمي على الدولار الأمريكي، وعن تقليل التداعيات السلبية لإخراجها من نظام التحويلات البنكية "سويفت" المعتمد أيضًا على الدولار، وعن تقوية عملتها الوطنية "الروبل" بالتوسع في المبادلات التجارية بالعملات الوطنية مع الأعضاء المؤسسين والأعضاء الجدد للتجمع ومع عموم بلدان الجنوب.
تصاعد أزمة سد النهضة
لكن ورغم ما لإثيوبيا ومصر من فعالية إقليمية وثروات طبيعية وأسواق ومقومات سياسية وتاريخية متميزة مهمة لدول "بريكس"، فإنهما تشكلان معضلة حقيقية للمجموعة التي باتت أزمة سد النهضة في جعبتها الآن.
اقرأ أيضًا: سامح شكري: إثيوبيا لا زالت تماطل فى التوصل لاتفاق لملء وتشغيل السد.. ومتمسكون بضبط النفس
يرى "فينتون" -في مقاله- أن "بريكس التي تعاني بالفعل توترات قائمة بين الصين والهند ليست بحاجة إلى مزيد من الصراعات تتنتقص من فعاليتها. فعلى الرغم من اتفاق التطبيع الذي توسطت فيه الصين بين السعودية وإيران في مارس، يضيف إدراج هذين المنافسين التقليديين المزيد من التعقيدات إلى المجموعة. وحتى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على الرغم من كونهما شريكتين منذ فترة طويلة في مجلس التعاون الخليجي، فإنهما تخوضان حاليًا منافسة اقتصادية لجذب المزيد من الاستثمارات في الوقت الذي تعملان فيه على تنويع اقتصاداتهما التي تعتمد على النفط والغاز.
في 10 سبتمبر الجاري، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد عن استكمال المرحلة الرابعة من ملء سد النهضة، ما أثار المزيد من غضب القاهرة، التي عبرت عن استيائها من الخطوة الإثيوبية الأحادية التي تفاقم المخاوف المصرية القائمة منذ فترة طويلة من فقدان الوصول إلى مياه النيل، وتسلط الضوء على الإخفاقات الحالية للدبلوماسية الرامية إلى حل النزاع.
يشير "فينتون" إلى انهيار المفاوضات مجددًا بين البلدين، بقرار إثيوبيا المضي قدمًا في ملء السد الضخم الذي تبلغ تكلفته 4.2 مليار دولار، وما يمثله من تحديات جادة لمصر، التي تواجه بالفعل عجزًا مائيًا، ويمكن أن تعاني من ندرة المياه بحلول عام 2025، وفق تقارير الأمم المتحدة.
ويقول إن الوساطة الخارجية في هذه الأزمة أمر بالغ الأهمية. إذ تعثرت الجهود السابقة التي بذلتها الولايات المتحدة، في حين لم تتمكن المساعي الإقليمية بقيادة الاتحاد الإفريقي من تحقيق أي تقدم، باستثناء تسهيل المزيد من الحوار.
الصين وروسيا.. أيهما أقرب للتوسط؟
عرضت روسيا بالإشارة إلى "علاقاتها الممتازة" مع كلا البلدين، التوسط في نزاع سد النهضة في الماضي، بينما حثت إثيوبيا على النظر في مطالبات مصر. ومع ذلك، فإن جهود موسكو لم تسفر بعد عن نتائج.
ومع الموعد المقرر لعضوية إثيوبيا ومصر الرسمية في مجموعة البريكس في يناير 2024، فإن الدور المحتمل للصين في التوسط في نزاع سد النهضة يستحق الاهتمام، كما يلفت "فينتون"، خاصة في ضوء مصلحة بكين الراسخة في ضمان نجاح المجموعة.
يضيف "فينتون" أنه على الرغم من أن بكين كانت تأمل إلى حد كبير في تجنب التورط في هذا الصراع، فقد نفذت استثمارات كبيرة في إثيوبيا، بما في ذلك البنية التحتية المرتبطة بسد النهضة. بما يشمل قروض لخطوط نقل الطاقة التي تربط السد بالمجتمعات المحلية، والمشاركة المباشرة في بناء سد النهضة من خلال الشركات الصينية.
وقد جعلت هذه الاستثمارات الضخمة من الصعب على الصين الحفاظ على سياسة عدم التدخل التقليدية في الشؤون الإفريقية، إذ تجد بكين نفسها الآن تسير على حبل دبلوماسي مشدود، على حد قول "فينتون".
ورغم أن التزاماتها المالية عززت مصالح إثيوبيا، فإنها توفر لها أيضًا نفوذًا. لكن أي ضغط علني لحل النزاع قد يؤدي إلى تعقيد علاقة بكين مع أديس أبابا.
ويرى "فينتون" أن بكين قد تكون مترددة في السعي إلى منع إثيوبيا من ممارساتها في نهر النيل بما كانت تفعله الصين نفسها في نهر ميكونج على مدى العقد الماضي، الأمر الذي أثار ذعرًا كبيرًا في دول المصب في جنوب شرق آسيا.
ومع ذلك، فإن فشل الصين في استخدام نفوذها على إثيوبيا قد يجعل مصر أكثر تهميشًا ومعرضة لخطر مواجهة عواقب نقص المياه، والتي تتفاقم بسبب تأثير تغير المناخ الذي يؤدي إلى تفاقم هذه المخاطر، كما يقول "فينتون".
ومن الواضح حتى الآن -بحسب مقال "فينتون"- أن عضوية البريكس المعلقة لم تكن بمثابة حافز لتحسين العلاقات بين إثيوبيا ومصر. بل على العكس، هذه أزمة قد تضيف احتمالًا لخلق توترات داخل مجموعة البريكس ومن ثم إلى المزيد من الأسئلة حول قدرة المجموعة على العمل بشكل متماسك.