أن تكوني نسوية في مجتمع شرقي.. “انتو عايزين إيه”؟

في أحد الأيام وأثناء جلوسي مع بعض الأصدقاء على أحد المقاهي، أخذنا مجرى الحديث إلى موضوع المساواة بين الرجل والمرأة وما سيحدثه من حركات انتقالية في المجتمع، وبينما أتحدث عن سيادة الأنظمة الأبوية والقهر القائم على أساس النوع، وتحجيم دور المرأة في المجتمع، وأن الذكور هم سبب انطلاق الفكر النسوي والحركة النسوية، انفعل أحد أصدقائي معترضًا على الحديث، وقال صارخًا: “انتو يا نسويات عاملين دوشة ليه؟، ده ربنا قال مافيش مساواة، انتي عايزة تبقي راجل يعني؟”، وعدد من العبارات كانت كافية لإقناعي بأن غالبية الناس تتعامل مع النسوية على أنها دين جديد، خلق ليهاجم باقي الأديان ويكسر الأعراف والتقاليد وينادي بعمليات التحول الجنسي!.

لا أدّعي إلمامي بكل ما يتعلق بالنسوية منذ نشأتها وحتى الآن، ولكنني أرى وأعيش دائمًا الكيل بمكيالين، لذا حاولت قدر استطاعتي أن أشرح أسباب ظهورهذه الحركة، وتطور الفكر النسوي مرورًا بانقساماته التي منها النسوية العلمانية والإسلامية والاشتراكية.. إلخ، ورغم اختلاف هذه الفصائل رأيًا وفكرًا في عدد من القضايا، لكن هناك ركيزة نتفق عليها جميعنا؛ وهي حقنا في حرية الاختيار وأخذ القرار بلا أي وصاية.

عندما نقول “مساواة” فمن ضحالة الفكر أن يعتقد البعض بأننا نريد أن نصبح ذكورًا، ولا.. لا نهدف إلى محاربة الدين ونشر الفساد فهذا ليس شغلنا الشاغل، إنما كل ما نسعى إليه هو أن نستطيع العيش.

نريد المساواة في المعاملة؛ فقد نشأنا في مجتمع كان غابره يئد الإناث ويقيم الأفراح لوليده الذكر، وإن توقفت هذه العادة الآن بمعناها الحرفي إلا أنها لاتزال ممتدة مجازيًا داخل معظم المنازل في وطننا العربي، ونراها في تفرقة المعاملة من الوالدين للبنت والولد.

نريد المساواة في التعليم؛ بأن نختار ما نريد أن نتعلمه حتى نحقق ما نريد أن نكونه، فقد ينفق الأب والأم مدخرات حياتهم كلها نظير إرسال ابنهم لإتمام تعليمه خارج البلاد.. لكن لن يحدث ذلك مع أخته، وكم من قصص لفتيات تحطمت أمانيهن في التعليم لمجرد أن الجامعة  تقع فقط في محافظة أخرى لا بلد آخر!.

نريد أن نتساوى في النظرة المجتمعية؛ لماذا يسمى “رجل عازب” ويقال عني “امرأة عانس” وكلانا في نفس العمر؟، لماذا يقال عنه “رجل يسعى ويشقى للقمة عيشه” وأكون أنا “المنحرفة” التي تطالها النظرات وتلاحقها الهمسات وكلانا عائد من عمله في منتصف الليل؟، لماذا لا تهدد مصادقتنا أخلاق وسمعة الرجل بينما تلطخ مصادقتنا الرجال سمعتنا؟.

نريد المساواة في الزواج؛ أن يكون عقدًا بين رجل وامرأة قائم على المشاركة والاحترام المتبادل والحب، وليس الطاعة والقوامة والخضوع، فقد حول المجتمع الزواج إلى مؤسسة تحوي سيد وجارية، مليئة بقصص العنف والقسوة والقهر، ودراما متكررة تنتهي في المحاكم وأقسام الشرطة، يختلف الأمر كثيرًا بين “سأدفع كل ما يريده أهلك كي أحصل عليكِ” وبين “أريد أن نتشارك هذه الحياة سويًا فماذا نفعل؟”.

نريد أن نتساوى في الخطأ والعقاب؛ فجميعنا بشر وجميعنا يخطئ وجميعنا سيحاسب بمكيال واحد، لكن المجتمع يفرّق في الجلد والعقاب بناءً على جنس من فعل الخطأ وليس على فداحة الخطأ نفسه، فالرجل إذا خان زوجته -مثلًا- يُتهم بالضعف ويطلب منها الحكمة والغفران، بينما من حقه أن يقتص منها ويقتلها تحت مسمى “جريمة الشرف” إن كان الوضع معكوسًا!.

نريد المساواة لأنها حقنا كإنسان حر بالغ عاقل راشد، يُخاطب على أنه نصف المجتمع وتوضع على عاتقه مسؤوليات ضخمة، لذا من العدل أن يكون لنا السلطة على أنفسنا، وأن نُمنح حرية اتخاذ قراراتنا مثل نظيرنا الإنسان الآخر (الرجل).

باختصار.. ما تريده النسوية أن تُعامل بإنسانية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة