العبور الجنسي بين الطبقية والأسرة والدولة

ترى الكاتبة الإنجليزية جونو داوسون أن المجتمع الأمريكى يحظر حرية الفرد في تقرير ما يتعلق بجسده. وترى أيضا أن الأفراد ذو مراكز القوة يقومون بتهميش قضايا المناخ التى من شأنها التأثير على السيدات من الأقليات الجندرية أولا، كما يسعي دائما ذو مراكز القوة وصناعة القرارات لتهميش الأقليات الجندرية وقمع أصواتهم لا سيما السيدات منهم. من هذا المنطلق تتقاطع قضايا الطبقة الاجتماعية والقوانين وحتى الأسرة في تشكيل عقبات في وجه هؤلاء من الأقليات الجندرية وخاصةََ العابرين جنسياً.

العبور الجنسي مصاحب لوجود البشرية منذ قديم التاريخ فهناك تساؤلات حول جنس العديد من الآلهة والملوك في مصر القديمة منهم حتشبسوت والإله رع. ولعل أول عملية تغيير جنس تمت في مصر كانت لشاب اسمه على في القصر العينى عام ١٩٤٧ ليتوافق جسده مع هويته. بعد ذلك في عام ١٩٨٨ خضع سيد محمد عبدالله، لنفس العملية ليتوافق جسده مع هويته أيضاً ليصبح سالى محمد عبدالله، ولكن هذه المرة تم القبض على الطبيب الجراح الذي أجرى العملية ولكن تم تبرئته في النهاية. عانت سالى في دراستها حيث تم فصلها من جامعة الأزهر ولكن الإجراءات الورقية لتغيير الاسم والجنس كانت أسهل حينها من الآن. أما فيما بعد فتم تشكيل لائحة آداب المهنة في عام ٢٠٠٣ بناء على قانون الاحوال المدنية رقم ١٤٣ لسنة ١٩٩٤ وهذا بقرار من وزير الصحة وقتها، وقد ترتب على ذلك تقرير لجنة تصحيح وتحديد الجنس التابعة لنقابة الأطباء والمعنية بتسهيل إجراءات العملية الجراحية على نفقة الدولة وتسهيل تغيير بيانات الأوراق الرسمية. تتكون اللجنة من ٧ أعضاء من بينهم عضو دار الإفتاء المصرية الذى لم يلحظ احداََ إن كان دوره استشارياََ أم إلزاميا. في ٢٠١٤ توقف عضو دار الإفتاء عن الحضور مما عطل عمل اللجنة منذ حينها مما أدى إلى ملاحظة إلزامية دوره.

يرى القانون المصرى ودار الإفتاء كلاهما رؤية واحدة، فهما لا يمنعان تصحيح الجنس في حالات بينية الجنس intersex ولكن تغييره بما يتوافق مع الهوية الجندرية يشكل عقبة فهو غير مقبول بموجب المادة ٤٣ من لائحة آداب المهنة لنقابة الأطباء لعام ٢٠٠٣ حيث ينص على:

“يحظر على الأطباء القيام بعمليات تغيير الجنس أما بالنسبة لعمليات تصحيح الجنس فيشترط الحصول على موافقة اللجنة النقابية المختصة بعد إجراء التحاليل الهرمونية وفحص الخريطة الكروموزومية”.

قد يتم تفادي معظم العوائق إن كان العابر جنسيا لديه ما يكفي من الأموال لإجراء العملية الجراحية في عيادة او مستشفى خاصة وواسطة لتسهيل الإجراءات الورقية. هنا تتحول الأزمة إلى أزمة طبقة اجتماعية فمعظم العابرين جنسيا يعانون من قلة فرص العمل وندرة الدخل وعدم توافر رعاية صحية كافية. قد تصل تكلفة العملية الجراحية في مستشفى أو عيادة خاصة إلى ٣٠ الف جنيه وهو مبلغ يعجز معظمهم عن توفيره. في النهاية يُنظَر لهم من الدولة أنهم محرضون على الفسق والفجور فتتم ملاحقتهم في قضايا مكافحة الدعارة (قانون ١٠ لسنة ١٩٦١) وتكون الأحراز ملابس نسائية أو مستحضرات تجميل أو صور شخصية لهم أثناء تعايشهم مع هويتهم الجنسية مما يعد خطرا جسيما على حياتهم وخصوصياتهم فضلا عن عدم توفير الدولة لآليات تسمح للعابرين جنسياً من متابعة الإجراءات الطبية والقانونية بشكل داعم فيظلون في النهاية على قوائم انتظار طويلة لسنوات.

على صعيد آخر فتظل الأسرة هي المصدر الأول للدعم فيتقبل بعض الآباء والأمهات الهوية الجندرية لأبنائهم فيقومون بدعمهم وتزويدهم بكل متطلبات العبور الجنسي مادياً ونفسياً ولكن على النقيض فهناك الكثير من الأسر التى تستنكر حقيقة الأمر فيتم ضرب وطرد الأبناء. فبالرغم من التمييز ضد ذوي الهوية الجندرية المغايرة في التعليم والعمل والرعاية الصحية فيتم الإساءة والتمييز من الأسرة نفسها وقد يصل الحال إلى تعنيفهم أو التبرؤ منهم.

ينتج عن كل العراقيل التي تضعها الدولة والمجتمع والأسرة والحالة الاقتصادية إلى اتجاه العابرين جنسياً إلى العلاج الهرموني دون إرشادات الطبيب فقد يصف بعضهم اسماء العلاج الهرموني أو حتى الاستعانة بالانترنت مما يشكل خطرا واضحا على الصحة العامة لهم. وأخيراً، أزمة العبور الجنسي هي أزمة إنسانية تدعمها الذكورية، فالذكورية وحدها قررت بناء المجتمع بشكل ما وبهيمنة ما فيتم منع أصوات الأقليات الجندرية من النساء والعابرين جنسياً والمثليين من الظهور وتظل أصواتهم مكتومة.


التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة