دائما يثار السؤال لماذا نجحت الوحدة الأوروبية وفشلت الوحدة العربية؟
لتفسير ذلك بالمنطق السياسي يجب أن نجيب على سؤال آخر: لماذا فكرت أوروبا في الوحدة؟
أوروبا الغربية التي جرّت العالم معها مرتين إلى حربين عالميتين وجدت نفسها بعد الحرب العالمية الثانية وقد تضاءلت بين عملاقين جديدين، شابين، هما الاتحاد السوفيتي شرقا والولايات المتحدة الأمريكية غربا، فكيف لها - وهي منقسمة - أن تنافس في معركة المستقبل روسيا وأمريكا؟ ثم الصين الآتية بعد قريب؟!
ومن أين لها الثروات الطبيعية الهائلة المتوافرة لدى العمالقة الجدد خصوصا بعد أن خسرت أوروبا مستعمراتها؛ بريطانيا الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس كانت نصف الأرض تخضع لها أبرز مستعمراتها (الهند وباكستان – استراليا – مصر والسودان – استراليا ونيوزيلاندا – جنوب أفريقيا)
وفرنسا كانت تخضع لها معظم بلاد غرب إفريقيا والمغرب العربي بالإضافة إلى مستعمراتها في قارات العالم الجديد.. كل هذا انهار عندما تغيرت الظروف الدولية، وانتقلت أوروبا من المرحلة الامبريالية إلى الليبرالية وجاءت الأمم المتحدة بدلا من عصبة الأمم.
لكن لدى أمريكا وروسيا مساحة شاسعة ليستا بحاجة إلى مستعمرات لذلك عندما كانت أوروبا الغربية تخسر مستعمراتها عام بعد عام كانت في نفس الوقت تقوم بخطوات واسعة نحو الوحدة الاقتصادية حتى يتعادل اليورو مع الدولار أو يقتر .
الأوروبيون بدأوا مسيرتهم سنة 1960 وقطعوا فيها أشواطا طويلة، والجامعة العربية قامت سنة 1945 ولم تقطع أي شوط.
والحقيقة أن الوحدة العربية من المستحيل أن تقوم لأن الصدمة الكبرى أن ليس هناك من المقومات العملية لإقامة هذه الوحدة كلها مقومات عاطفية كوحدة اللغة والمشاعر والدين والتاريخ المشترك؛ تلك الرومانسية حققت الوحدة الروحية "القومية" بين الشعوب العربية لكنها لم تحقق التكامل الاقتصادي والسوق العربية المشتركة والعملة العربية الموحدة والتحالف العسكري المشترك، بينما على النقيض أن شعوب غرب أوروبا لا تكترث للحب أو الكره ولكن المصلحة فقط، والكره الداخلي موجود فيما بينهم فالألمان والفرنسيين يكرهون بعضهم جدا، وكذلك الإنجليز والفرنسيين وغيرهم من دول مجاورة فالمصلحة بين الحكومات الأوروبية تأتي فوق المبادئ وقبل نفسية الشعوب حتى وإن كان هناك 22 لغة و22 ثقافة مختلفة!
ولكن ما هي المقومات العملية المتوفرة في غرب أوروبا ولم تتوفر في العالم العربي؟
هي في مجملها مقومات طبيعية وبشرية:
أولاً – مساحة الاتحاد الأوروبي 4,2 مليون كم2 فقط مما يساعد على سهولة الاتصال بين دول الاتحاد في حين مساحة الوطن العربي تبلغ 14 مليون كم2 .
وهذه مساحة لا تستطيع أوربا ذاتها أن تربط بين أقاليمها بسهولة، خاصة أن تلك المناطق الشاسعة تقع في مناخ مداري جاف من المحيط إلى الخليج تلتهم فيه الصحراء 90% من مساحة الإقليم العربي في حين يتسم إقليم غرب أوربا بالمناخ المعتدل و المعتدل البارد الذي يشجع على العمل وزيادة النشاط الذهني على النقيض من المناخ الصحراوي، فالحدود متصلة والشعوب كذلك فهناك شارع في بدايته تقع دولة بلجيكا ونهايته تقع دولة هولندا بينما بين مصر وليبيا بحر الرمال العظيم، وتحقيق الوحدة بعد الانقسام في غرب أوروبا تجربة ناجحة حيث تم هدم سور برلين وضم دولة ألمانيا الشرقية مع ألمانيا الغربية في دولة واحدة لتصبح ألمانيا أكبر دولة بين دول الاتحاد الأوروبي في حين تم تقسيم أكبر دولة عربية وهي السودان بعد استفتاء شعبي عام 2011 لتصبح جنوب السودان دولة إفريقية وليست عربية أمام صمت رهيب من جامعة الدول العربية.
ثانياً – هدف التكامل الاقتصادي لمنطقة ما هو إزالة كافة القيود والمعوقات الجمركية أمام حركة التجارة وتبادل السلع بين الدول الأعضاء في الاتحاد الجمركي، الأمر الذي يؤدي إلى حركة التجارة البينية وهذا يتناقض مع القدرة الصناعية للمنطقة العربية، فالخليج مثلا يعتمد على تصدير النفط إلى مناطق خارج النطاق العربي ويستورد كل ما يلزمه من نفس الدول المصدر لها النفط، ومن هنا فالتبادل التجاري قوي بين دول النفط العربية ودول غرب أوروبا وليس بين الدول العربية فيما بينها، فالتفكير في سوق عربي مشترك يجب التفكير فيه بعد النهوض بالصناعة العربية وإقامة مجتمع إنتاجي له شخصيته وملامحه وليس العكس وإلا سنقيم سوق لتبادل المنتجات الأجنبية.
ثالثا- وجود إسرائيل في قلب المنطقة العربية.
رابعاً- اختلاف نظام الحكم خاصة في الجزيرة العربية يمثل عائقا نحو الوحدة. اليمن وسوريا والعراق دول حضارية قبل ان تكون دول عربية لكنها تعاني دائما، وهي دول أيضاً ذات حكم جمهوري ولا يمكن أن يتعاون الفكر الجمهوري مع الملكي في دول الخليج العربي وإن تظاهرا بالمودة، فنجاح الجمهورية يعني سقوط الملكية يوماً ما ومثال على ذلك حرب الخليج الثانية فلولا تدخل المجتمع الدولي لتغيّر نظام الحكم في المنطقة. لكن الأمر مختلف في السياسة الأوروبية.. هناك 21 دولة ذات حكم جمهوري و6 دول فقط ذات حكم ملكي ومن المعروف أن الملكية في أوروبا مجرد منصب شرفي والحكم وفقاً للقوانين والتشريعات ولا وجود للحكم المطلق كما في الدول العربية.
خامساً – المجتمع الأوروبي يتميز باعتدال الثروات بين المواطنين وتقليل الفجوة بين الدخول حتى لا يكون للغني ما به أن يشتري ذمة غيره، ولا يكون للفقير من الاحتياج مايضطره إلى بيعها وهذا لا يتوفر في المجتمع العربي ليس داخل الدولة فقط بل لا يتحقق بين الشعوب العربية ذاتها، فهناك فرق كبير بين دخل المواطن الكويتي أو القطري ونظيره المصري أو اليمني.
هذه بعض من الصعوبات التي قد تلغي فكرة اتحاد سياسي واقتصادي عربي من الواقع لكنها فكرة ستبقى في الوجدان العربي شأنها شأن أحلام كثيرة كتحرير فلسطين والصلاة في القدس وصناعة القلم الرصاص.