أزمة محمد الحلو.. ماذا يحدث في المملكة؟

غنى الفنان محمد الحلو في حفل “كاسيت 90” بجدة منذ يومين في المملكة العربية السعودية، الذي نظمته هيئة الترفيه السعودية والذي أحياه نجوم الثمانينات والتسعينات، من كلمات أحمد فؤاد نجم وألحان عمار الشريعي، تتر مسلسل زيزينيا حيث بدل مذهب الأغنية وقال: “وعمار يا سعودية.. ياجميلة يامارية” بدلًا من “وعمار يا اسكندرية.. ياجميلة يا مارية”.

أيضًا بدّل الفنان مصطفى قمر الأغنية العالمية الذي غناها بوب عزام في شرق أوروبا وغربها “مصطفى يا مصطفى” من ألحان الفنان الكبير محمد فوزي حيث غناها مصطفى قمر بتحريف فج وقال: “سبع سنين في السعودية” بدلًا من “سبع سنين في العطارين”.

جرى العرف على تغيير كلمات الأغاني لمجاملة الجمهور، كتحية لطيفة من المطرب إلى جمهوره، ففعل ذلك عبدالوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم، ومن بعدهم الكثير، فمجاملات الأغاني لم ولن تنتهي، لكن الفرق هنا هو المجاملة دون تملق وانبطاح.

المجاملات في الفن هي فن أيضًا، ففي تغير كلمات الأغاني حرفة وصنعة، حتى تتناسب مع اللحن والوزن والقافية، فكيف تصبح “سبع سنين في العطارين” إلى سبع سنين في السعودية؟!

لم يكن ليغضب الجمهور المصري لو لم تمس تلك المجاملات الفجة الركيكة تتر مثل تتر زيزينيا، الذي يحمل ذكريات أجيال كاملة، درة أعمال الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، زيزينا الذي يناقش أزمة الهوية أصلًا، سُرقت هويته!

ربما أيضًا لم يكن ليغضب الجمهور لو كان ذلك الموقف في حفل بتونس أو الجزائر أو أي دولة بعيدة عن الخليج العربي عموما والسعودية خصوصًا، لأن ما يحدث الآن في السعودية مرتبط شرطيًا بما يحدث في مصر، نتيجة لإغلاق المجال واحتكار الساحة الفنية بوجه خاص، أيضًا خاص بهزيمتنا على مستوى المرحلة الذي كون علاقة عكسية رسخت في الوعي الجمعي بأنه كل ما انسحقنا فنيًا وثقافيًا كل ما ازدهروا هم.

لا أعرف ما هي ضرورة تلك المجاملات بالأساس، لم يطلب أحد من هيئة الترفيه السعودية من الفنانين المصريين أن يذكروا اسم السعودية في الأغاني، إلا أن هذا اجتهاد شخصي بحت لأغراض شخصية بحتة، من الممكن أن يعبر الفنان عن مدى امتنانه وحبه بشكل أفضل، دون مبالغات وأشياء أخرى.
فمثًلا لا أفهم مبالغة الفنان محمد فؤاد حيث قال: أن الغناء في المملكة السعودية حلم بالنسبة له!
أي حلم؟ لماذا كل هذه المبالغات؟

ماذا يحدث في المملكة؟

لا تهتم المملكة السعودية الآن بإنتاج أعمال فنية حقيقية، رغم أن لديها تاريخ ناجح في إنتاج الأعمال الفنية المصرية، لكن ثمة تغيير للقواعد، فبدلًا من إعطاء الثقة للفنانين المصرين ليعملوا بحرية دون فرض سياسة محددة نظير الانتاج، تفرض عليهم الآن ثقافة التسلية من أجل تغيير الذوق العام السعودي.

ما يحدث في المملكة الآن هي صبغة خارجية فقط، تزول مع أول هطول للأمطار، ما يحدث الآن لا علاقة له ببناء الهوية السعودية، أو تثقيف الفرد أو دعم أفراد أو شركات لإنتاج منتج إبداعي حقيقي لتطور المجتمع فنيًا وثقافيًا.
تستعير هيئة الترفيه فنانين مصريين في الغناء والتمثيل لعمل حفلات كبيرة ومسرحيات مصرية تعرض أولًا في السعودية أو حتى تعرض فقط في السعودية، لكن هل يفيد كل ذلك؟ هل يعود كل هذا بفائدة حقيقية على مستوى الفن في المملكة؟ قطعًا لا، هذه الأشياء لا تصنع إرث فني أو ثقافي حقيقي.

لماذا ينزح الفنانون المصريون إلى المملكة؟

في نوفمبر 2019 خلال مهرجان القاهرة السينمائي قدم الفنان خالد الصاوي فيديو قصير برفقة الفنانة منة شلبي وسط فعاليات المهرجان، وتم عرضه على الشاشة، عبارة عن مكالمة هاتفية بين الفنان خالد الصاوي ومنتج سعودي يعرض عليه عمل ما، ليوافق الفنان على الفور وترد عليه الفنانة منة شلبي: “خدني معاك ياخالد، عايزة فيلم، عايزة دور، عايزة أي حاجة”.

كان هذا الفيديو برأيي رسالة مزدوجة لجهتين، الجهة الأولى هي الحكومة المصرية، كان بمثابة النداء الاخير لتنظر في الأمر مرة اخرى، لتدرك ما يمكن إدراكه قبل فوات الأوان، لتفتح المجال مرة أخرى، لتكف عن احتكار السوق الذي ينهار شيئًا فشيئًا لاستحواذهم عليه، أما الجهة الأخرى فهي المملكة العربية السعودية، التي استجابت على الفور للنداء واستقدمت الفنانين المصريين إليها بشتى الطرق، بعروض لا يستطيع عاقل أن يرفضها، لأن سياسات الإنتاج والتعاقد تختلف تماما عن أي مكان في العالم.

ما الذي يجبر منصة على شراء فيلم فاشل؟

فشل فيلم “ابن الحاج أحمد” للفنان شيكو فشلًا مدويًا، على المستوى الجماهيري بالطبع، اشترته منصة شاهد بعدها كنوع من أنواع مزايا التعاقد السعودي، وتوصيل رسالة لباقي الفنانين وهي: أنك حتى لو فشلت سنشتري ذلك الفشل، ليس فقط، بل سنشتري كل حقوق أفلامك السابقة، وهذا ما حدث مع شيكو بالضبط والفنانة دينا الشربيني، على سبيل المثال لا الحصر.

هذه هي سياسة الإنتاج والتعاقد السعودية، منصة شاهد لا تهتم بجودة العمل فنيًا فهي تنتج أردئ الأعمال منذ بدايتها، تهتم بالتنوع وتقديم محتوى مختلف أيا كان نوعه ومضمونة(للتسلية فقط)، بل اخترعت سياسات إنتاج جديدة لاستقدام ماتبقى من الفنانين المصريين، وهي سياسة الإنتاج العائلية، فتعاقدت مع الفنان كريم فهمي، لتتعاقد بعد ذلك مع أحمد فهمي وزوجته هنا الزاهد وشقيقتها فرح الزاهد، من الذي يستطيع أن يقاوم هذه العروض العائلية؟

هل تتغير سياسة الاحتكار المصرية لإنقاذ الموقف والاستفادة منه اقتصاديًا على الأقل؟

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة